بحث حول عليّ في الشعر العربي











بحث حول عليّ في الشعر العربي



الشعر من أروع ما أبدعه الفکر الجمالي لدي الإنسان. وهو من الوسائل المهمّة لتخليد الأفکار، والأحداث، والقيم، ويعدّ أهمّ عامل لبثّ الأفکار والتعاليم.

الشعر يهيّج العواطف، ويثير دفائن العقول. وقد تولّد القصائد المطوّلة والمقطوعات الشعريّة حماسةً و هياجاً و جلبةً في المجتمع الإنساني.

وکان الشعراء- علي مرّ التاريخ- أهمّ المنادين بالقيم، والموسّعين لنطاق الأفکار، و الموجّهين للعواطف سواءً فيما يُحمد أم فيما يذمّ... وبهذه الرؤية نظر أئمّة الدين إلي الشعر، وجدّوا في دعوة الشعراء إلي الهدفيّة، والالتزام، والرويّة الرفيعة، والصمود والصلابة، والاستقامة وإلي مقارعة الرذائل والقبائح و ضروب الظلم وکلّ ما يشين، والثبات علي طريق بثّ القيم الإنسانيّة والدفاع عن الحقّ.

ومن المؤسف أن شهد التاريخ علي تواتر الأيّام استغلال المتسلّطين من أعداء

[صفحه 6]

الفضيلة لهذا المظهر الجميل للروح الإنسانيّة استغلالاً سيّئاً، فألجؤوا الشعراء إلي إنشاءالمدائح الذليلة المذلّة الجارحة للعزّ والشمم، وسجّلوا بهذا إحدي الصفحات السوداء للأدب والثقافة البشريّة.

وقد قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله- وهو نبيّ الحرّية والکرامة الإنسانيّة-: «احثوا في وجوه المدّاحين الترابٍّ»[1] .

وقال أيضاً مبيّناً ما في مدح الجبّارين و الأقوياء من شديد القبح والوضاعة والحقارة: «إذا مُدح الفاجر اهتزّ العرش و غضب الربّ»[2] .

بيد أنّه صلي الله عليه و آله کان من جهة اُخري يثني علي الشاعر الذي ينشد في الحقّ، و يرفع صوته بمکرمة إنسانيّة؛ و يدعو له، و يثمّن عمله، کما أثر عنه صلي الله عليه و آله لمّا سمع أبياتاً من رائيّة النابغة الجعدي أنّه دعا له قائلاً: «لا يفضض اللَّه فاک...»[3] .

وکان هناک شعراء منذ قديم الأيّام لم يطيقوا مدح الظلم والولاء له، ولم يَرُقْهم الثناء علي الظالمين، بل کانوا ينشدون ملاحم المجد والعظمة و البهاء، و يشيدون بالجمال والنور وصانعيه، وکان دأبهم التواضع لوهج شمس الحقيقة المتألّقة. و هکذا کان منهم من وقف أمام القمّة الشاهقة لشخصيّة مولي الموحّدين و أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ومدحوا ذلک الطود الأشمّ، الفيّاض بالمکارم، الذي تستمدّ منه وجودها جميع القيم الإنسانيّة الربّانيّة الرفيعة، وسطّروا في کلماتهم معالي ذلک الإنسان العظيم، وشجاعته، وشهامته، واستبساله، وعشقه، وولهه في اللَّه تعالي، وقدّموها لجميع الأجيال و الأعصار.

[صفحه 7]

إنّ ما تطرّق إليه الشعراء من أوصاف إمام المحقّين و دليل الأبرار؛ من ضروب تعظيمه، و بيان أبعاد شخصيّته، ممّا يثير الحماسة و الهياج.

و من مظاهر هذا التعظيم والتبجيل ذکر واقعة «غديرخمّ» العظيمة منذ لحظاتها الاُولي، إذ قام حسّان بن ثابت، و أنشد يقول:


يناديهم يوم الغدير نبيّهم
بخمٍّ، و أسمع بالرسول مناديا


و إلي يومنا هذا خلّد الشعراء ذلک «الإبلاغ» العظيم في مئات القصائد و المقطوعات. ونذکر في هذا الفصل غيضاً من فيض، و قطرةً من بحر ذلک الثناء و التعظيم، و المظاهر الرفيعة للإبداعات الفنّية للاُدباء و الشعراء؛ الطافح شعرهم بالمشاعر الفيّاضة في مدح مولي الموحّدين أميرالمؤمنين عليه السلام. وتمتدّ هذه المدائح الثمينة من القرن الأوّل حتي قرننا هذا، مع تأکيدنا المتکرّر أنّ هذه المدائح مختارات علي قدر ما يفسح به المجال، و إلّا فمن الواضح أنّها لو جمعت لبلغت مجلّدات من الکتب.

[صفحه 8]



صفحه 6، 7، 8.





  1. الأمالي الصدوق: 707:512، بحارالأنوار: 1:294:73 و ج 331:76.
  2. تحف العقول: 46، بحارالأنوار: 84:152:77.
  3. الغيبة للطوسي: 119.