تقدير نفسه بضَعَفة الناس











تقدير نفسه بضَعَفة الناس



4555- الإمام عليّ عليه السلام: إنّ اللَّه جعلني إماماً لخلقه؛ ففرض عليَّ التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي کضعفاء الناس؛ کي يقتدي الفقير بفقري، ولا يطغي الغنيّ غناه[1] .

4556- الکافي عن صالح بن أبي حمّاد وأحمد بن محمّد وغيرهما عن الإمام عليّ عليه السلام- في احتجاجه عليه السلام علي عاصم بن زياد حين لبس العباء وترک الملاء، وشکاه أخوه الربيع بن زياد أنّه قد غمّ أهله، وأحزن ولده بذلک، فقال عليه السلام-: عليَّ بعاصم بن زياد. فجي ء به، فلمّا رآه عبس في وجهه، فقال له: أما استحييت من أهلک؟ أما رحمت ولدک؟ أ تري اللَّه أحلّ لک الطيّبات وهو يکره أخذک منها؟

[صفحه 344]

أنت أهون علي اللَّه من ذلک! أ وَليس اللَّه يقول: «وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ فِيْهَا فَاکِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَکْمَامِ»[2] أ وَليس اللَّه يقول: «مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ»[3] إلي قوله: « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللؤلُؤُ وَالمَرْجَانُ»؟[4] فباللَّه لابتذال نِعَمِ اللَّه بالفعال أحبُّ إليه من ابتذالها بالمقال، وقد قال اللَّه عزّ وجلّ: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّث»[5] .

فقال عاصم: يا أميرالمؤمنين، فعلامَ اقتصرت في مطعمک علي الجشوبة، وفي ملبسک علي الخشونة؟

فقال: ويحک! إنّ اللَّه عزّ وجلّ فرض علي أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضَعَفة الناس؛ کي لا يتبيّغ[6] بالفقير فقره[7] .

4557- تذکرة الخواصّ عن الأحنف بن قيس: دخلت علي معاوية فقدّم إليّ من الحلو والحامض ما کثر تعجّبي منه، ثمّ قال: قدّموا ذاک اللون. فقدّموا لوناً ما أدري ما هو، فقلت: ما هذا؟ فقال: مصارين البطّ محشوّة بالمخّ ودهن الفستق، قد ذُرَّ عليه السکّر.

قال: فبکيت.

[صفحه 345]

فقال: ما يبکيک؟

فقلت: للَّه درّ ابن أبي طالب!

لقد جاد من نفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرک.

فقال: وکيف؟

قلت: دخلت عليه ليلة عند افطاره، فقال لي: قم فتعشَّ مع الحسن والحسين. ثمّ قام إلي الصلاة، فلمّا فرغ دعي بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيراً مطحوناً، ثمّ ختمه، فقلت: يا أميرالمؤمنين، لم أعهدک بخيلاً! فکيف ختمت علي هذا الشعير؟فقال: لم أختمه بخلاً، ولکن خفت أن يبسّه[8] الحسن والحسين بسمن أو إهالة[9] .

فقلت: أحرام هو؟

قال: لا، ولکن علي أئمّة الحقّ أن يتأسّوا بأضعف رعيّتهم حالاً في الأکل واللباس،ولا يتميّزون عليهم بشي ء لا يقدرون عليه؛ ليراهم الفقير فيرضي عن اللَّه تعالي بما هو فيه، ويراهم الغنيّ فيزداد شکراً وتواضعاً[10] .

4558- نثر الدرّ: وفي رواية اُخري قال الأحنف: دخلت علي معاوية، فقدّم لي من الحارّ والبارد والحلو والحامض ما کثر تعجّبي منه، ثمّ قدّم لي لوناً لم أدرِ ما

[صفحه 346]

هو، فقلت: ما هذا؟ قال: مصارين البطّ محشوّة بالمخّ قد قُلي بدهن الفستق وذُرّ عليه الطَبَرْزَد[11] فبکيت، فقال: ما يبکيک؟

قلت: ذکرت عليّاًرضي الله عنه، بينا أنا عنده وحضر وقت إفطاره فسألني المقام، إذ دعا بجراب مختوم، قلت: ما في الجراب؟

قال: سويق شعير.

قلت: ختمت عليه أن يؤخذ، أو بخلت به؟

قال: لا، ولا أحدهما، ولکنّي خفت أن يلتّه[12] الحسن أو الحسين بسمن أو زيت.

قلت: محرّم هو يا أميرالمؤمنين؟!

قال: لا، ولکن يجب علي أئمّة الحقّ أن يعتدّوا أنفسهم من ضَعَفة الناس؛ لئلّا يُطغي الفقيرَ فقرُه.

فقال معاوية: ذکرت مَن لا يُنکر فضله[13] .

4559- تذکرة الخواصّ عن سويد بن غفلة: دخلت علي عليّ عليه السلام يوماً وليس في داره سوي حصير رثّ وهو جالس عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت ملک المسلمين،والحاکم عليهم وعلي بيت المال، وتأتيک الوفود، وليس في بيتک سوي هذا الحصير شي ء؟

فقال: يا سويد، إنّ اللبيب لا يتأثّث في دار النقلة وأمامنا دار المقامة، قد نقلنا

[صفحه 347]

إليها متاعنا، ونحن منقلبون إليها عن قريب.

قال: فأبکاني واللَّه کلامه[14] .

4560- الإمام الباقر عليه السلام: واللَّه، إن کان عليّ عليه السلام ليأکل أکل العبد، ويجلس جلسة العبد، وإن کان ليشتري القميصين السنبلانيّين فيُخيّر غلامه خيرهما، ثمّ يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز کعبه حذفه. ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجُرّة علي آجُرّة، ولا لبنة علي لبنة، ولا أقطع قطيعاً، ولا أورث بيضاء ولا حمراء، وإن کان ليطعم الناس خبز البُرّ واللحم، وينصرف إلي منزله ويأکل خبز الشعير والزيت والخلّ، وما ورد عليه أمران کلاهما للَّه رضيً إلّا أخذ بأشدّهما علي بدنه[15] .

4561- أخلاق محتشمي: قدم عامل آذربيجان علي عليّ عليه السلام بأموالها في شهر رمضان وهو بالکوفة. فلمّا صلّي بالناس صلاة المغرب تولّي بنفسه قسمة اللحم والثريد علي الفقراء وسائر أهل المسجد. وکان يأمر کلّ يوم بنحر جزور لذلک، ولا يرجع إلي منزله إلّا بعد الفراغ من الصلاتين وقسمة جميع ذلک بيده عليه السلام عليهم. قال: فقال للعامل: خذ نصيباً من هذا اللحم والثريد وافطر عليه! فقال العامل: أنا أفطر عند أميرالمؤمنين، وکان في نفسه أنّه يصيب طعاماً خيراً من ذلک.

فلمّا فرغ ورجع إلي المنزل ومعه العامل، اُتي بقرص من الخشکار[16] وشي ء من السويق ووزّع، فقال عليه السلام للعامل: کُل! وأخذ هو يأکل.

[صفحه 348]

فقال العامل: إنّي ترکت لحم الجزور والثريد طمعاً في شي ء أجود منه!

فقال عليه السلام: أ ما تعلم أنّ المتولّي لاُمور الناس لا ينبغي أن يکون طعامه خيراً من طعامهم. ثمّ قال لقنبر: إذهب إلي الحسن، وانظر هل تجد عنده طعاماً لضيفنا هذا!

قال: فذهب وأتي برغيفين وشي ء من الثريد، وقال: قال الحسن: ما بقي عندنا غير هذا. فوضع وأکل العامل[17] .

راجع: طعامه.

الخصائص الأخلاقيّة/زينة الزهد، والتواضع عن رفعة.



صفحه 344، 345، 346، 347، 348.





  1. الکافي: 1:410:1 عن حميد وجابر العبدي، بحارالأنوار: 17:336:40.
  2. الرحمن: 10 و 11.
  3. الرحمن: 19 و 20.
  4. الرحمن: 22.
  5. الضحي: 11.
  6. تَبيَّغَ به: هاجَ به (لسان العرب: 422:8).
  7. الکافي: 3:410:1، نهج البلاغة: الخطبة 209؛ ربيع الأبرار: 86:4 وليس فيه «کي لا...»، المعيار والموازنة: 243 کلّها نحوه وراجع الاختصاص: 152 وتذکرة الخواصّ: 111 و 112.
  8. بَسّ السَّويقَ: خلطه بسمن أو زيت (لسان العرب: 26:6).
  9. الإهالة: کلّ شي ء من الأدهان ممّا يُؤتدم به، وقيل: هو ما اُذيب من الإلية والشحم، وقيل: الدَّسَم الجامد (النهاية: 84:1).
  10. تذکرة الخواصّ: 110.
  11. الطَّبَرْزَذُ: السُّکَّر، فارسيّ معرّب (لسان العرب: 497:3).
  12. يَلُتّ السَّويق: أي يَخلِطُه (النهاية: 230:4).
  13. نثر الدرّ: 304:1، حلية الأبرار: 20:233:2 وراجع ينابيع المودّة: 16:447:1.
  14. تذکرة الخواصّ: 115؛ عدّة الداعي: 109، إرشاد القلوب: 157 کلاهما نحوه.
  15. الأمالي للصدوق: 437:356 عن محمّد بن قيس، روضة الواعظين: 131.
  16. قال المجلسي: في کتب الطبّ وبعض کتب اللغة: أنّه الخبز المأخوذ من الدقيق غير المنخول (بحارالأنوار: 70:14).
  17. أخلاق محتشمي: 10:445.