بعد صلاة الصبح











بعد صلاة الصبح



4500- بحارالأنوار عن الاختيار: کان أميرالمؤمنين عليه السلام يدعو بعد رکعتي الفجر بهذا الدعاء:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم. اللهمّ يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلّجه، وسرّح قطع الليل المظلم بغياهب تلَجلُجه، وأتقن صنع الفلک الدوّار في مقادير تَبرُّجه، وشعشع ضياء الشمس بنور تأجُّجه، يا من دلّ علي ذاته بذاته، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته، وجلّ عن ملائمة کيفيّاته، يا من قرب من خطرات الظنون، وبعُد عن لَحَظات العيون، وعلم بما کان قبل أن يکون، يا من أرقدني في مِهاد أمنه وأمانه،وأيقظني إلي ما منحني به من مِنَنه وإحسانه، وکفّ أکفّ السوء عنّي بيده وسلطانه. صلِّ اللهمّ علي الدليل إليک في الليل الألْيَل، والماسک من أسبابک بحبل الشرف الأطول، والناصِع الحَسَب في ذِروَة[1] الکاهل الأعْبَل،[2] والثابت القدم علي زَحاليفها[3] في الزمن الأوّل، وعلي آله الأخيار المصطفين الأبرار.

[صفحه 307]

وافتح اللهمّ لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح، وألبسني اللهمّ من أفضل خِلَع الهداية والصلاح، واغرس اللهمّ بعظمتک في شرب جناني ينابيع الخشوع،وأجرِ اللهمّ لهيبتک من آماقي زَفَرات الدموع، وأدّب اللهمّ نَزَق[4] الخرق منّي بأزمّة القنوع.

إلهي إن لم تبتدئْني الرحمة منک بحسن التوفيق، فمن السالک بي إليک في واضح الطريق! وإن أسلمتني أناتک لقائد الأمل والمني، فمن المقيل عثراتي من کبوات الهوي! وإن خذلني نصرک عند محاربة النفس والشيطان، فقد وکلني خذلانک إلي حيث النصب والحرمان.

إلهي أتراني ما أتيتک إلّا من حيث الآمال؟! أم علقت بأطراف حبالک إلّا حين باعدتني ذنوبي عن دار الوصال، فبئس المطيّة التي امتطت نفسي من هواها! فواهاً لها لما سوّلت لها ظنونها ومناها! وتبّاً لها لجرأتها علي سيّدها ومولاها!

إلهي قرعْتُ باب رحمتک بيد رجائي، وهربت إليک لاجئاً من فرط أهوائي، وعلّقت بأطراف حبالک أنامل ولائي، فاصفح اللهمّ عمّا کنت أجرمته من زللي وخطئي، وأقلني من صرعة دائي، فإنّک سيّدي ومولاي ومعتمدي ورجائي، وأنت غاية مطلوبي ومناي في منقلبي ومثواي.

إلهي کيف تطرد مسکيناً التجأ إليک من الذنوب هارباً؟! أم کيف تخيّب مسترشداً قصد إلي جنابک صاقباً؟![5] أم کيف تردّ ظمآناً ورد إلي حياضک شارباً؟! کلّا وحياضک مترعة في ضنک المحول، وبابک مفتوح للطلب

[صفحه 308]

والوغول، وأنت غاية المسؤول، ونهاية المأمول.

إلهي هذه أزمّة نفسي عقلتها بعقال مشيّتک، وهذه أعباء ذنوبي درأتها بعفوک ورحمتک، وهذه أهوائي المضلّة وکلتها إلي جناب لطفک ورأفتک، فاجعل اللهمّ صباحي هذا نازلاً عليَّ بضياء الهدي، والسلامة في الدين والدنيا، ومسائي جُنّة من کيد العدي، ووقايةً من مرديات الهوي، إنّک قادر علي ما تشاء، تؤتي الملک من تشاء، وتنزع الملک ممّن تشاء، وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء، بيدک الخير إنّک علي کلّ شي ء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتُخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ، وترزق من تشاء بغير حساب.

سبحانک اللهمّ وبحمدک! من ذا يعرف قدرک فلا يخافک؟! ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابک؟! ألّفت بمشيّک الفرق، وفلقت بقدرتک الفلق، وأنرت بکرمک دياجي الغسق، وأنهرت المياه من الصمّ الصياخيد[6] عذباً واُجاجاً، وأنزلت من المعصرات ماءً ثجّاجاً، وجعلت الشمس والقمر للبريّة سراجاً وهّاجاً، من غير أن تمارس فيما ابتدأت به لغوباً ولا علاجاً.

فيا من توحّد بالعزّ والبقاء، وقهر عباده بالموت والفناء، صلّ علي محمّد وآله الأتقياء، واسمع ندائي، واستجب دعائي، وحقّق بفضلک أملي ورجائي، يا خير من دُعي لکشف الضرّ، والمأمول لکلّ يُسر وعُسر، بک أنزلت حاجتي، فلا تردّني من سنّي مواهبک خائباً، يا کريم يا کريم يا کريم، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم.

ثمّ يسجد ويقول:

[صفحه 309]

إلهي قلبي محجوب، ونفسي معيوب، وعقلي مغلوب، وهوائي غالب، وطاعتي قليلة، ومعصيتي کثيرة، ولساني مُقرٌّ بالذنوب، فکيف حيلتي يا ستّار العيوب، ويا علّام الغيوب، وياکاشف الکروب؟! اغفر ذنوبي کلّها بحرمة محمّد وآل محمّد، يا غفّار يا غفّار يا غفّار، برحمتک يا أرحم الراحمين[7] .



صفحه 307، 308، 309.





  1. ذِروَة کلّ شي ء: أعلاه (لسان العرب: 284:14).
  2. الکاهل: مَوْصِل العُنق في الصُّلْب. والأعْبَل: الجبل الأبيض الحجارة (تاج العروس: 672:15 و 460).
  3. الزُّحلوفةُ: المکانُ الزَّلِقُ (لسان العرب: 131:9).
  4. النَّزَقُ: خفة في کلّ أمر وعجلة في جهل وحُمق (لسان العرب: 352:10).
  5. الصَّقَبُ: القُربُ والمُلاصَقَة (النهاية: 41:3).
  6. الصَّيخود: الصخرةُ الشديدة (النهاية: 14:3).
  7. بحارالأنوار: 19:339:87 و ج 11:243:94 کلاهما نقلاً عن اختيار ابن الباقي.