يوم الجمعة











يوم الجمعة



4464- الإمام عليّ عليه السلام- من دعاء له في يوم الجمعة وهو دعاء عظيم-: الحمد للَّه الذي لا من شي ءٍ کان، ولا من شي ءٍ کوّن ما قد کان، مُستشهدٌ بحدوثِ الأشياء علي أزليّته، وبما وسمها به من العجز علي قُدرته، وبما اضطرّها إليه من الفناء علي دوامه.

لم يخلُ منه مکان فيدرک بأينيّته، ولا لهُ شبح مثالٍ فيوصف بکيفيّته، ولم يغب عن شي ءٍ فيُعلَم بحيثيّته، مُبائنٌ لجميع ما أحدث في الصفات، وممتنعٌ عن الإدراک بما ابتدعَ من تصرّف الذوات، وخارجٌ بالکبرياء والعظمة من جميع تصرّف الحالات. محرّمٌ علي بوارع ثاقبَات الفطن تجديده، وعلي عوامق ثاقبات الفکر تکييفه، وعلي غوائص سابحات النظر تصويره، ولا تحويه الأماکن لعظمته، ولا تذرعه المقادير لجلاله، ولا تقطعه المقاييس لکبريائه.

ممتنع عن الأوهام أن تکتنهه، وعن الأفهام أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تُمثِّله.قد يئست عن الاستنباط[1] الإحاطة به طوامحُ العقول، ونضبت عن الإشارة

[صفحه 281]

إليه بالاکتناه بحارُ العلوم، ورجعت بالصغر من السموّ إلي وصف قدرته لطائفُ الخصوم.

واحدٌ لا من عددٍ، ودائم لا بأمدٍ، وقائم لا بعمدٍ. ليس بجنس فتعادله الأجناسُ، ولا بشبحٍ فتضارعه الأشباحُ، ولا کالأشياء فتقع عليه الصفاتُ.

قد ضلّت العقول في أمواج تيّار إدراکه، وتحيّرت الأوهام عن إحاطة ذکر أزليّته، وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت الأذهان في لجج أفلاک ملکوته. مقتدرٌ بالآلاء، ممتنع بالکبرياء، ومُتملِّک علي الأشياء، فلا دهر يُخلقه، ولا وصف يُحيط به.

قد خضعت له رقاب الصعاب في محلّ تُخوم قرارها، وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهي شواهق أقطارها.

مستشهدٌ بکلّية الأجناس علي ربوبيّته، وبعجزها عن قدرته، وبفطورها علي قِدمته، وبزوالها علي بقائه، فلا لها محيصٌ عن إدراکه إيّاها، ولا خروج عن إحاطته بها،ولا احتجاب عن إحصائه لها، ولا امتناع من قدرته عليها.

کفي بإتقان الصنع له آيةً، وبترکيب الطبع عليه دلالةً، وبحدوث الفطر عليه قِدمةً، وبإحکام الصنعة عليه عبرةً، فلا إليه حدّ منسوبٌ، ولا له مثلٌ مضروب، ولا شي ء عنه بمحجوب، تعالي عن ضرب الأمثال له والصفات المخلوقة علوّاً کبيراً. وسبحان اللَّه الذي خلق الدنيا للفناء والبيود، والآخرة للبقاء والخلود! وسبحان اللَّه الذي لا ينقصه ما أعطي فأسني، وإن جاز المدي في المُني، وبلغ

[صفحه 282]

الغاية القُصوي، ولا يجور في حکمه إذا قضي! وسبحان اللَّه الذي لا يُردُّ ما قضي، ولا يُصرف ما أمضي، ولا يمنع ما أعطي، ولا يهفو ولا ينسي، ولا يعجلُ بل يمهل ويعفو، ويغفر ويرحم ويصبر، ولا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون!

ولا إله إلّا اللَّه الشاکر للمطيع له، المُملي للمشرک به، القريب ممّن دعاه علي حال بعده، والبرّ الرحيم بمن لجأ إلي ظلّه واعتصم بحبله. ولا إله إلّا اللَّه المُجيب لمن ناداه بأخفض صوته، السميع لمن ناجاه لأغمض سرّه، الرؤوف بمن رجاه لتفريج همّه، القريب ممّن دعاه لتنفيس کربه وغمّه. ولا إله إلّا اللَّه الحليم عمّن ألحد في آياته، وانحرف عن بيّناته، ودان بالجحود في کلّ حالاته.

واللَّه أکبر القاهر للأضداد، المُتعالي عن الأنداد، المتفرّد بالمنّة علي جميع العباد. واللَّه أکبر المُحتجب بالملکوت والعزّة، المتوحّد بالجبروت والقدرة، المتردِّي بالکبرياء والعظمة. واللَّه أکبر المتقدّس بدوام السلطان والغالب بالحجّة والبرهان، ونفاذ المشيّة في کلّ حينٍ وأوان.

اللهمّ صلِّ علي محمّد عبدک ورسولک، وأعطه اليوم أفضل الوسائل وأشرف العطاء، وأعظم الحِباء والمنازل، وأسعد الجدود،[2] وأقرّ الأعين[3] .

اللهمّ صلِّ علي محمّد وآل محمّد، الذين أمرت بطاعتهم، وأذهبت عنهم الرجس وطهّرتهم تطهيراً.

اللهمّ صلِّ علي محمّد وآل محمّد، الذين ألهمتهم عِلمک، واستحفظتهم

[صفحه 283]

کُتُبک[4] واسترعيتهم عبادک.

اللهمّ صلِّ علي محمّد عبدک ورسولک وحبيبک وخليلک، وسيّد الأوّلين والآخرين، من الأنبياء والمرسلين، والخلق أجمعين، وعلي آله الطيّبين، الذين أمرت بطاعتهم، وأوجبت علينا حقّهم ومودّتهم[5] .

اللهمّ إنّي أسألک سُؤال وجلٍ من انتقامک، حاذرٍ من نقمتک، فزعٍ إليک منک، لم يجد لفاقته مُجيراً غيرک، ولا آمناً [لخوفه][6] غير فِنائک، وتطوّلک سيّدي ومولاي علي طول[7] معصيتي لک، أقصدني إليک، وإن کانت سبقتني الذنوب وحالت بيني وبينک؛ لأ نّک عمادُ المعتمد، ورصد المرتصد، لا تنقصک المواهب، ولا تُغيضک المطالب، فلک المننُ العِظام، والنِعم الجسام[8] .

يا من لا تنقص خزائنه، ولا يبيد ملکه، ولا تراه العيون، ولا تعزب منه حرکةٌ ولا سکون. لم تزل ولا تزال، لا يتواري عنک متوارٍ في کنين[9] أرضٍ ولا سماءٍ ولا تخوم، تکفّلت بالأرزاق يا رزّاق، وتقدَّست عن أن تتناولک الصفات، وتعزّزت عن أن تُحيط بک تصاريف اللغات، ولم تکن مستحدثاً فتوجد متنقلاً عن حالةٍ إلي حالةٍ، بل أنت الفرد الأوّل والآخر ذو العزّ القاهر، جزيل العطاء، سابغ النعماء، أحقّ من تجاوز وعفا عمّن ظلم وأساء.

[صفحه 284]

بکلّ لسان إلهي تُمجَّد، وفي الشدائد عليک يعتمد، فلک الحمد والمجد؛ لأ نّک المالک الأبد، والربّ السرمد.

أتقنت إنشاءَ البرايا، فأحکمتها بلطف التقدير، وتعاليت في ارتفاع شأنک عن أن ينفذ فيک حکم التغيير، أو يُحتال منک بحال يصفک به الملحد إلي تبديل، أو يوجد في الزيادة والنقصان مساغٌ في اختلاف التحويل، أو تلتثق[10] سحائب الإحاطة بک في بحور همم الأحلام، أو تمتثل لک منها جبلة تضلّ فيها رويّات الأوهام.

فلک مولاي، انقاد الخلق مستخذئين بإقرار الربوبيّة، ومعترفين خاضعين بالعبوديّة.

سبحانک ما أعظم شأنک، وأعلي مکانک، وأنطق بالصدق برهانک، وأنفذ أمرک، وأحسن تقديرک! سمکت السماء فرفعتها، ومهّدت الأرض ففرشتها، وأخرجت منها ماءاً ثجّاجاً،[11] ونباتاً رجراجاً،[12] فسبّحک نباتها، وجرت بأمرک مياهها وقاما علي مستقرّ المشيّة کما أمرتهما.

فيامن تعزّز بالبقاء، وقهر عباده بالفناء، أکرم مثواي، فإنّک خير منتجع[13] لکشف الضرّ. يا من هو مأمول في کلّ عسر، ومرتجي لکلّ يسر، بک أنزلتُ اليوم حاجتي، وإليک أبتهل فلا تردّني خائباً ممّا رجوت، ولا تحجب دعائي عنک إذ فتحته لي فدعوت، وصلّ علي محمّدٍ وآل محمّدٍ، وارزقني من فضلک الواسع

[صفحه 285]

رزقاً واسعاً سائغاً حلالاً طيّباً هنيئاً مريئاً لذيذاً في عافية.

اللهمّ اجعل خير أيّامي يوم ألقاک، واغفر لي خطاياي فقد أوحشَتني، وتجاوز عن ذنوبي فقد أوبقتني،[14] فإنّک مجيبٌ مثيبٌ رقيبٌ قريبٌ قادرٌ غافرٌ قاهرٌ رحيمٌ کريمٌ قيّومٌ، وذلک عليک يسيرٌ وأنت أحسن الخالقين.

اللهمّ افترضت عليَّ للآباء والاُمّهات حقوقاً فعظّمتهنّ، وأنت أولي مَن حطّ الأوزار وخفّفها وأدّي الحقوق عن عبيده، فاحتملهنّ عنّي إليهما واغفر لهما کما رجاک کلّ موحّدٍ مع المؤمنين والمؤمنات والإخوة والأخوات، وألحقنا وإيّاهم بالأبرار، وأبح لنا ولهم جنّاتک مع النجباء الأخيار، إنّک سميع الدعاء، وصلّي اللَّه علي النبيّ محمّد وعترته الطيّبين وسلّم تسليماً[15] .



صفحه 281، 282، 283، 284، 285.





  1. في بحارالأنوار: «استنباط».
  2. الجَدُّ: الحظُّ والسعادة والغِنَي (النهاية: 244:1).
  3. زاد في بحارالأنوار: «اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد، واعطه الوسيلة، والفضيلة، والمکان الرفيع، والغبطة، وشرف المنتهي، والنصيب الأوفي، والغاية القصوي، والرفيع الأعلي، حتي يرضي، وزده بعد الرضا».
  4. في بحارالأنوار: «کتابک».
  5. زاد في بحارالأنوار: «اللهمّ إنّي اُقدّمهم بين يدي مسألتي وحاجتي، وأستشفع بهم عندک أمام طلبتي».
  6. أثبتنا ما بين المعقوفين من بحارالأنوار.
  7. في بحارالأنوار: «عليَّ مع طول...».
  8. زاد في بحارالأنوار: «يا کثير الخير، يا دائم المعروف».
  9. الکِنُّ: ما يَرُدُّ الحَرَّ والبَرْدَ من الأبنِيَة والمساکن (النهاية: 206:4).
  10. اللَّثَقُ: البَلَل (النهاية: 231:4).
  11. الثَّجُّ: الصبُّ الکثيرُ(لسان العرب: 221:2).
  12. رَجراجَة: تحوج من کثرتها(لسان العرب: 282:2).
  13. المنتَجع: المَنزِلُ والمَرجِعُ (لسان العرب: 347:8).
  14. أوبَقه: أهلکه (لسان العرب: 370:10).
  15. البلد الأمين: 92، بحارالأنوار: 7:138:90 وراجع التوحيد: 26:69 وعيون أخبار الرضا: 15:121:1.