ليلة الجمعة











ليلة الجمعة



4463- الإقبال: ومن الدعوات في هذه الليلة ما رويناه بإسنادنا إلي جدّي أبي جعفر الطوسيّ قال: روي أنّ کميل بن زياد النخعيّ رأي أميرالمؤمنين عليه السلام ساجداً يدعو بهذا الدعاء في ليلة النصف من شعبان.

أقول: ووجدت في رواية اُخري ما هذا لفظها: قال کميل بن زياد: کنت جالساً مع مولاي أميرالمؤمنين عليه السلام في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه، فقال بعضهم: ما معني قول اللَّه عزّ وجلّ: «فِيهَا يُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِيمٍ»؟[1] .

قال عليه السلام: ليلة النصف من شعبان، والذي نفس عليّ بيده! إنّه ما من عبدٍ إلّا وجميع ما يجري عليه من خيرٍ وشرٍّ مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلي آخر السنة في مثل تلک الليلة المقبلة، وما من عبدٍ يُحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام إلّا اُجيب له.

[صفحه 273]

فلمّا انصرف طرقته ليلاً، فقال عليه السلام: ما جاء بک يا کميل؟

قلت: يا أميرالمؤمنين دعاء الخضر!

فقال: اجلس يا کميل، إذا حفظت هذا الدعاء فادعُ به کلَّ ليلة جمعة، أو في الشهر مرّة، أو في السنة مرّة، أو في عُمرک مرّة، تُکفّ وتُنصر وترزق ولن تعدم المغفرة. يا کميل أوجب لک طولُ الصحبة لنا أن نجود لک بما سألت، ثمّ قال: اکتب:

اللهمّ إنّي أسألک برحمتک التي وسعت کُلّ شي ءٍ، وبقوّتک التي قهرت بها کلّ شي ءٍ، وخضع لها کُلّ شي ءٍ، وذلّ لها کلّ شي ءٍ، وبجبروتک التي غلبت بها کلّ شي ءٍ، وبعزّتک التي لا يقوم لها شي ء، وبعظمتک التي ملأت أرکان کلّ شي ءٍ، وبسلطانک الذي علا کلّ شي ء، وبوجهک الباقي بعد فناء کلّ شي ء، وبأسمائک التي غَلَبَت[2] أرکان کلّ شي ء، وبعلمک الذي أحاط بکلّ شي ء، وبنور وجهک الذي أضاء له کلّ شي ء، يا نور يا قُدّوس، يا أوّل الأوّلين، ويا آخر الآخرين.

اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تهتک العصم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تُنزل النقم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تغيِّر النِّعم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تُنزل البلاء [اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء]،[3] اللهمّ اغفر لي کلّ ذنب أذنبته، وکلّ خطيئةٍ أخطأتها.

اللهمّ إنّي أتقرّب إليک بذکرک، وأستشفع بک إلي نفسک، وأسألک بجودک أن تدنيني من قربک، وأن توزعني شکرک، وأن تُلهمني ذکرک.

[صفحه 274]

اللهمّ إنّي أسألک سُؤال خاضعٍ مُتذلّل خاشع، أن تسامحني وترحمني، وتجعلني بقسمک راضياً قانعاً، وفي جميع الأحوال مُتواضعاً.

اللهمّ وأسألک سؤال من اشتدّت فاقته، وأنزل بک عند الشدائد حاجته، وعظم فيما عندک رغبته.

اللهمّ عظم سُلطانک، وعلا مکانک، وخفي مکرک، وظهر أمرک، وغلب جُندک،[4] وجرت قُدرتک، ولا يمکن الفرار من حکومتک.

اللهمّ لا أجد لذنوبي غافراً، ولا لقبائحي ساتراً، ولا لشي ء من عملي القبيح بالحسن مُبدّلاً غيرک لا إله إلّا أنت سبحانک وبحمدک، ظلمت نفسي وتجرّأت بجهلي، وسکنت إلي قديم ذکرک لي، ومنّک عليّ.

اللهمّ مولاي کم من قبيحٍ سترته، وکم من فادحٍ من البلاء أقلته، وکم من عثار وقيته، وکم من مکروه دفعته، وکم من ثناءٍ جميلٍ لست أهلاً له نشرته!

اللهمّ عظم بلائي، وأفرط بي سُوء حالي، وقصرت بي أعمالي، وقعدت بي أغلالي، وحبسني عن نفعي بُعد آمالي،[5] وخدعتني الدنيا بغرورها، ونفسي بخيانتها[6] ومطالي يا سيّدي، فأسألک بعزّتک أن لا يحجب عنک دُعائي سوءُ عملي وفعالي، ولا تفضحني بخفيّ ما اطّلعت عليه من سريرتي، ولا تعاجلني بالعقوبة علي ما عملته في خلواتي من سوء فعلي وإساءتي، ودوام تفريطي وجهالتي، وکثرة شهواتي وغفلتي. وکُن اللهمّ بعزّتک لي في کلّ الأحوال رؤوفاً،

[صفحه 275]

وعليّ في جميع الاُمور عطوفاً.

إلهي وربّي من لي غيرک أسأله کشف ضُرّي، والنظر في أمري.

إلهي ومولاي أجريت عليَّ حکماً اتّبعت فيه هوي نفسي، ولم أحترس من تزيين عدوّي، فغرّني بما أهوي، وأسعده علي ذلک القضاء، فتجاوزت بما جري عليَّ من ذلک من نقض[7] حدودک، وخالفت بعض أوامرک، فلک الحمدُ عليَّ في جميع ذلک، ولا حجّة لي فيما جري عليَّ فيه قضاؤک، وألزمني حُکمُک وبلاؤک.

وقد أتيتک يا إلهي بعد تقصيري وإسرافي علي نفسي، مُعتذراً نادماً منکسراً، مستقيلاً مستغفراً مُنيباً، مُقرّاً مذعناً معترفاً، لا أجد مفرّاً ممّا کان منّي، ولا مفزعاً أتوجّه إليه في أمري، غير قبولک عُذري، وإدخالک إيّاي في سعةٍ من رحمتک. إلهي فاقبل عُذري، وارحم شدّة ضرّي، وفکّني من شدّ وثاقي. يا ربّ ارحم ضعف بدني، ورقّة جلدي، ودقّة عظمي، يا من بدأ خلقي وذکري وتربيتي وبرّي وتغذيتي، هبني لابتداء کرمک، وسالف برّک بي.

إلهي وسيّدي وربّي، أ تراک معذّبي بالنار بعد توحيدک، وبعدما انطوي عليه قلبي من معرفتک، ولهج به لساني من ذکرک، واعتقده ضميري من حبّک، وبعد صدق اعترافي ودعائي خاضعاً لربوبيّتک، هيهات أنت أکرم من أن تُضيِّع من ربّيته، أو تُبعد من أدنيته، أو تشرّد من آويته، أو تُسلّم إلي البلاء من کفيته ورحمته!

[صفحه 276]

وليت شعري يا سيّدي وإلهي ومولاي! أ تُسلّط النار علي وجوهٍ خرّت لعظمتک ساجدة، وعلي ألسن نطقت بتوحيدک صادقة، وبشکرک مادحةً، وعلي قُلوب اعترفت بإلهيتک محقّقة، وعلي ضمائرَ حوت من العلم بک حتي صارت خاشعة، وعلي جوارحَ سعت إلي أوطان تعبّدک طائعة، وأشارت باستغفارک مُذعنة؟! ما هکذا الظنّ بک، ولا اُخبرنا بفضلک عنک، يا کريم، يا ربّ وأنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها، وما يجري فيها من المکاره علي أهلها، علي أنّ ذلک بلاء ومکروه قليلٌ مکثه، يسيرٌ بقاؤه، قصيرٌ مدّته، فکيف احتمالي لبلاء الآخرة، وجليل وقوع المکاره فيها؟! وهو بلاءٌ تطول مدّته، ويدوم مقامه، ولا يخفّف عن أهله، لأ نّه لا يکون إلّا عن غضبک وانتقامک وسخطک، وهذا ما لا تقوم له السماوات والأرض، يا سيّدي فکيف بي وأنا عبدک الضعيف، الذليل الحقير، المسکين المستکين؟!

يا إلهي وربّي وسيّدي ومولاي، لأيّ الاُمور إليک أشکو، ولما منها أضجُّ وأبکي؟! لأليم العذاب وشدّته، أم لطول البلاء ومدّته، فلئن صيّرتني في العقوبات[8] مع أعدائک، وجمعت بيني وبين أهل بلائک، وفرّقت بيني وبين أحبّائک وأوليائک، فهبني- يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي- صبرت علي عذابک، فکيف أصبر علي فراقک؟ وهبني صبرت علي حرّ نارک، فکيف أصبر عن النظر إلي کرامتک؟ أم کيف أسکن في النار ورجائي عفوک؟!

فبعزّتک- يا سيّدي ومولاي- اُقسم صادقاً، لئن ترکتني ناطقاً لأضجّنّ إليک بين أهلها ضجيج الآملين، ولأصرخنّ إليک صراخ المستصرخين، ولأبکينّ

[صفحه 277]

عليک بکاء الفاقدين، ولاُنادينّک أين کنت يا وليّ المؤمنين؟! يا غاية آمال العارفين، يا غياث المستغيثين، يا حبيب قلوب الصادقين، ويا إله العالمين! أفتراک- سبحانک يا إلهي وبحمدک- تسمع فيها صوت عبدٍ مسلمٍ سجن فيها بمخالفته، وذاق طعم عذابها بمعصيته، وحُبس بين أطباقها بجرمه وجريرته، وهو يضجّ إليک ضجيح مُؤمِّلٍ لرحمتک، ويُناديک بلسان أهل توحيدک، ويتوسّل إليک بربوبيّتک؟!

يا مولاي فکيف يبقي في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمک؟! أم کيف تُؤلمهُ النار وهو يأملُ فضلک ورحمتک؟! أم کيف تحرقه لَهْبُها[9] وأنت تسمع صوته وتري مکانه؟ أم کيف يشتمل عليه زفيرها وأنت تعلم ضعفه؟ أم کيف يتقلقل[10] بين أطباقها وأنت تعلم صدقه؟ أم کيف تزجره زبانيتها وهو يُناديک يا ربّه؟ أم کيف يرجو فضلک في عتقه منها فتترکه فيها؟[11] .

هيهات ما ذلک الظنُّ بک، ولا المعروف من فضلک، ولا مشبهٌ لما عاملت به الموحّدين من برّک وإحسانک!

فباليقين أقطع لولا ما حکمت به من تعذيب جاحديک، وقضيت به من إخلاد معانديک،لجعلت النار کلّها برداً وسلاماً، وما کان لأحدٍ فيها مقرّاً ولا مقاماً، لکنّک تقدّست أسماؤک أقسمت أن تملأها من الکافرين، من الجنّة والناس أجمعين، وأن تُخلّد فيها المعاندين، وأنت جلّ ثناؤک قُلت مُبتدئاً وتطوّلت

[صفحه 278]

بالإنعام مُتکرّماً «أَفَمَن کَانَ مُؤْمِنًا کَمَن کَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ»[12] .

إلهي وسيّدي فأسألک بالقدرة التي قدّرتها، وبالقضيّة التي حتمتها وحکمتها، وغلبت مَن عليه أجريتها، أن تهبَ لي في هذه الليلة، وفي هذه الساعة کُلّ جرم أجرمته، وکلّ ذنبٍ أذنبته، وکلّ قبيحٍ أسررته، وکلّ جهلٍ عملته، کتمته أو أعلنته، أخفيته أو أظهرته، وکلّ سيّئةٍ أمرت بإثباتها الکرام الکاتبين، الذين وکّلتهم بحفظ ما يکون منّي، وجعلتهم شهوداً عليّ مع جوارحي، وکُنت أنت الرقيب عليَّ من ورائهم، والشاهد لما خفي عنهم، وبرحمتک أخفيته، وبفضلک سترته. وأن توفّر حظّي من کلّ خيرٍ تُنزله،[13] أو إحسانٍ تُفضّله،[14] أو برٍّ تنشره[15] أو رزقٍ تبسطه،[16] أو ذنبٍ تغفره، أو خطاً تسترُه.

يا ربّ يا ربّ يا ربّ، يا إلهي وسيّدي ومولاي ومالک رقّي، يا من بيده ناصيتي، يا عليماً بضرِّي[17] ومسکنتي، يا خبيراً بفقري وفاقتي. يا ربّ يا ربّ يا ربّ، أسألک بحقّک وقُدسک وأعظم صفاتک، وأسمائک، أن تجعل أوقاتي في الليل النهار بذکرک معمورةً، وبخدمتک موصولةً، وأعمالي عندک مقبولةً، حتي تکون أعمالي وأورادي[18] کُلّها ورداً واحداً، وحالي في خدمتک سرمداً.

[صفحه 279]

يا سيّدي يا من عليه مُعوّلي، يا من إليه شکوت أحوالي. يا ربّ يا ربّ يا ربّ، قوِّ علي خدمتک جوارحي، واشدد علي العزيمة جوانحي، وهب لي الجدّ في خشيتک والدوام في الاتّصال بخدمتک، حتي أسرح إليک في ميادين السابقين، واُسرع إليک في المبادرين،[19] وأشتاق إلي قُربک في المشتاقين،وأدنو منک دُنوّ المخلصين، وأخافک مخافة الموقنين، وأجتمع في جوارک مع المؤمنين.

اللهمّ ومن أرادني بسوءٍ فأرده، ومن کادني فکده، واجعلني من أحسن عبادک نصيباً عندک، وأقربهم منزلةً منک، وأخصّهم زُلفةً لديک، فإنّه لا يُنال ذلک إلّا بفضلک، وجُد لي بجودک، واعطف عليّ بمجدک، واحفظني برحمتک، واجعل لساني بذکرک لهجاً، وقلبي بحبّک مُتيّماً، ومُنَّ عليَّ بحسن إجابتک، وأقلني عثرتي، واغفر زلّتي، فإنّک قضيت علي عبادک بعبادتک، وأمرتهم بدُعائک، وضمنت لهم الإجابة.

فإليک يا ربّ نصبت وجهي، وإليک يا ربّ مددت يدي، فبعزّتک استجب لي دعائي، وبلّغني مُناي، ولا تقطع من فضلک رجائي، واکفني شرّ الجنّ والإنس من أعدائي، يا سريع الرضا اغفر لمن لا يملک إلّا[20] الدعاء فإنّک فعّال لما تشاء.

يا من اسمه دواء، وذکره شفاء، وطاعته غني، ارحم من رأس ماله الرجاء، وسلاحه البُکاء. يا سابغ النعم يا دافع النقم، يا نور المستوحشين في الظُلم، يا عالماً لا يُعلّم، صلِّ علي مُحمّدٍ وآل محمّدٍ وافعل بي ما أنت أهلهُ، وصلّي اللَّه

[صفحه 280]

علي محمّدٍ[21] والأئمّة الميامين من آله وسلّم تسليماً[22] .



صفحه 273، 274، 275، 276، 277، 278، 279، 280.





  1. الدخّان: 4.
  2. وفي نسخة: «عَلَت».
  3. أثبتنا ما بين المعقوفين من مصباح الزائر.
  4. وفي نسخة: «قهرک».
  5. وفي نسخة: «أملي».
  6. وفي نسخة: «بجنايتها».
  7. وفي نسخة: «بعض».
  8. وفي نسخة: «للعقوبات».
  9. وفي نسخة: «لَهيبُها».
  10. وفي نسخة: «يَتَغَلغَل».
  11. وفي نسخة: «أم کيف تنزله فيها وهو يرجو فضلک في عتقه منها فتترکه».
  12. السجدة: 18.
  13. وفي نسخة: «أنزلته».
  14. وفي نسخة: «فضّلته».
  15. وفي نسخة: «نشرته».
  16. وفي نسخة: «بسطته».
  17. في نسخة: «بفقري».
  18. وفي نسخة: «إرادتي».
  19. وفي نسخة: «البارزين».
  20. وفي نسخة: «غير».
  21. في مصباح المتهجّد: «رسوله» بدل «محمّد».
  22. الإقبال: 331:3، مصباح المتهجّد: 910:844، مصباح الزائر: 317، المصباح للکفعمي: 737، البلد الأمين: 188.