نور معرفة الله و أوليائه











نور معرفة الله و أوليائه



4383- بحارالأنوار عن نوف البکالي: رأيت أميرالمؤمنين عليه السلام موليا مبادرا، فقلت: أين تريد يا مولاي؟ فقال: دعني يا نوف، إن آمالي تقدمني في المحبوب.

فقلت: يا مولاي وما آمالک؟ قال: قد علمها المأمول، واستغنيت عن تبيينها لغيره، وکفي بالعبد أدبا أن لا يشرک في نعمه وأربه غير ربه.

فقلت: يا أمير المؤمنين، إني خائف علي نفسي من الشره، والتطلع إلي طمع من أطماع الدنيا. فقال لي: وأين أنت من عصمة الخائفين وکهف العارفين؟

فقلت: دلني عليه.

[صفحه 235]

قال: الله العلي العظيم؛ تصل أملک بحسن تفضله، وتقبل عليه بهمک، واعرض عن النازلة في قلبک، فإن أجلک بها فأنا الضامن من موردها، وانقطع إلي الله سبحانه، فإنه يقول:

وعزتي وجلالي لاقطعن أمل کل من يؤمل غيري باليأس، ولأکسونه ثوب المذلة في الناس، ولابعدنه من قربي، ولاقطعنه عن وصلي، ولأخملن ذکره حين يرعي غيري، أ يؤمل ويله لشدائده غيري، وکشف الشدائد بيدي؟! ويرجو سواي وأنا الحي الباقي؟ ويطرق أبواب عبادي وهي مغلقة ويترک بابي وهو مفتوح؟ فمن ذا الذي رجاني لکثير جرمه فخيبت رجاءه؟

جعلت آمال عبادي متصلة بي، وجعلت رجاءهم مذخورا لهم عندي، وملأت سماواتي ممن لا يمل تسبيحي، وأمرت ملائکتي أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي.

ألم يعلم من فدحته[1] نائبة من نوائبي أن لا يملک أحد کشفها إلا بإذني، فلم يعرض العبد بأمله عني،وقد أعطيته مالم يسألني فلم يسألني وسأل غيري؟ أفتراني أبتدئ خلقي من غير مسألة، ثمّ اُسأل فلا اُجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخّلني عبدي؟! أ وَليس الدنيا والآخرة لي؟ أ وَليس الکرم والجود صفتَي؟ أ وَليس الفضل والرحمة بيدي؟ أ وَليس الآمال لا تنتهي إلّا إلَيَّ؟ فمن يقطعها دوني؟ وما عسي أن يؤمّل المؤمّلون من سواي؟!

وعزّتي وجلالي لو جمعت آمال أهل الأرض والسماء ثمّ أعطيت کلّ واحد

[صفحه 236]

منهم، ما نقص من ملکي بعض عضو الذرّة! وکيف ينقص نائل أنا أفضته؟ يا بؤساً للقانطين من رحمتي! يا بؤساً لمن عصاني وتوثّب علي محارمي، ولم يراقبني واجترأ عليَّ!

ثمّ قال عليه السلام لي: يا نوف ادعُ بهذا الدعاء:

إلهي إن حمدتک فبمواهبک، وإن مجّدتک فبمرادک، وإن قدّستک فبقوّتک، وإن هلّلتک فبقدرتک، وإن نظرت فإلي رحمتک، وإن عضضت فعلي نعمتک.

إلهي إنّه مَن لم يشغله الولوع بذکرک، ولم يزوه السفر بقربک، کانت حياته عليه ميتة، وميتته عليه حسرة.

إلهي تناهت أبصار الناظرين إليک بسرائر القلوب، وطالعت أصغي السامعين لک نجيّات الصدور، فلم يلق أبصارهم ردّ دون ما يريدون، هتکت بينک وبينهم حجب الغفلة، فسکنوا في نورک، وتنفّسوا بروحک، فصارت قلوبهم مغارساً لهيبتک، وأبصارهم ماکفاً لقدرتک، وقربت أرواحهم من قدسک، فجالسوا اسمک بوقار المجالسة، وخضوع المخاطبة، فأقبلت إليهم إقبال الشفيق، وأنصتَّ لهم إنصات الرفيق، وأجبتهم إجابات الأحبّاء، وناجيتهم مناجاة الأخلّاء، فبلّغ بي المحلّ الذي إليه وصلوا، وانقلني من ذکري إلي ذکرک، ولا تترک بيني وبين ملکوت عزّک باباً إلّا فتحته، ولا حجاباً من حجب الغفلة إلّا هتکته، حتي تقيم روحي بين ضياء عرشک، وتجعل لها مقاماً نصب نورک، إنّک علي کلّ شي ء قدير.

إلهي ما أوحش طريقاً لا يکون رفيقي فيه أملي فيک! وأبعد سفراً لا يکون رجائي منه دليلي منک! خاب من اعتصم بحبل غيرک، وضعف رکن من استند

[صفحه 237]

إلي غير رکنک، فيا معلّم مؤمّليه الأمل فيُذهب عنهم کآبة الوجل، ولا ترمني صالح العمل، واکلأني کلاءة من فارقته الحيل، فکيف يلحق مؤمّليک ذلّ الفقر وأنت الغنيّ عن مضارّ المذنبين؟!

إلهي وإنّ کلّ حلاوة منقطعة، وحلاوة الإيمان تزداد حلاوتها اتّصالاً بک.

إلهي وإنّ قلبي قد بسط أمله فيک، فأذقه من حلاوة بسطک إيّاه البلوغ لما أمّل، إنّک علي کلّ شي ءٍ قدير.

إلهي أسألک مسألة من يعرفک کنه معرفتک من کلّ خيرٍ ينبغي للمؤمن أن يسلکه، وأعوذ بک من کلّ شرّ وفتنة أعذت بها أحبّاءک من خلقک، إنّک علي کلّ شي ءٍ قدير. إلهي أسألک مسألة المسکين، الذي قد تحيّر في رجاه، فلا يجد ملجأً ولا مسنداً يصل به إليک، ولا يستدلّ به عليک إلّا بک وبأرکانک ومقاماتک التي لا تعطيل لها منک، فأسألک باسمک الذي ظهرت به لخاصّة أوليائک، فوحّدوک وعرفوک فعبدوک بحقيقتک، أن تعرّفني نفسک لاُقرّ لک بربوبيّتک علي حقيقة الإيمان بک، ولا تجعلني يا إلهي ممّن يعبد الاسم دون المعني، والحظني بلحظة من لحظاتک تنوّر بها قلبي بمعرفتک خاصّة ومعرفة أوليائک، إنّک علي کلّ شي ء قدير[2] .



صفحه 235، 236، 237.





  1. الفادِحة: النازِلة (لسان العرب: 540: 2).
  2. بحارالأنوار: 12:94:94 نقلاً عن الکتاب العتيق الغروي.