القتال بلا غنيمة











القتال بلا غنيمة



من العوامل السلبيّة التي أثّرت في الجماهير غيابُ الغنيمة؛ فمع تدنّي مستوي الوعي الثقافي للقاعدة الشعبيّة العريضة صار لغياب الغنائم الحربيّة الکبري أثر في تخريب الحالة النفسيّة للقوّات المقاتلة، ودفعها إلي الملالة

[صفحه 186]

والإحباط والتعب من الحرب، ومن ثمّ عدم طاعة الإمام والانقياد له، يفوق ما کان لشبهة قتال أهل القبلة.

لقد اعتاد المقاتلون الحصول علي غنائم وافرة في العهود التي سبقت عهد الإمام، من خلال حروب الکفّار، وبالأخصّ حروب فارس والروم. أمّا الآن فقد راح الإمام عليه السلام يدعوهم منذ أوائل أيّام حکمه- ولأوّل مرّة- إلي حرب لا غنيمة من ورائها، أو أن يکون نصيبهم منها ضئيلاًلا قيمة له. وهذا ما لم يألفه الناس قبل ذلک، ومن ثمّ لم يکونوا علي استعداد لقبوله کما يبدو.

لقد کان اقتران الحرب بالغنيمة أمراً ذا مغزي للجمهور الذي يعيش في ذلک العصر. وعندما ننظر إلي القاعدة الشعبيّة التي رافقت الإمام عليه السلام في حروبه وشهرت السيف معه ضدّ أصحاب الفتنة، نجدها في الغالب غير متحلّية بالبصيرة، ولا ملتمسة منار الحقّ، بحيث يکون الحقّ هو هدفها في إشهار السيف، ورضا اللَّه هو الغاية القصوي التي تتمنّاها من القتال، بل کان الجمّ الغفير من هؤلاء يفکّر بمنافعه الشخصيّة قبل أن يفکّر بالحقّ ومصلحة الدين.

فمن بين الاعتراضات التي طالما کرّرها جند الإمام في حربي الجمل والنهروان، هو: لماذالا يسلبون نساء القوم ويتّخذونهنّ سبايا واُساري؟ ولماذالا توزّع عليهم أموالهم؟

قال ابن أبي الحديد بهذا الصدد: «اتّفقت الرواة کلّها علي أنّه عليه السلام قبض ما وجد في عسکر الجمل؛ من سلاح ودابّة ومملوک ومتاع وعروض، فقسّمه بين أصحابه، وأنّهم قالوا له: اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقاً، فقال:لا. فقالوا: فکيف تحلّ لنا دماءهم وتحرِّم علينا سبيهم؟!».[1] .

[صفحه 187]

لقد تلاقحت عوامل الملالة والتعب والإحباط التي عاشها الجند بعد سنتين من ممارسة القتال بدون غنائم وعوائد مادّيّة، مع التبعات السلبيّة لشبهة عدم شرعيّة قتال أهل القبلة؛ حتي إذا ضُمّت هذه إلي تلک، ثمّ التقت الحصيلة مع العناصر الأساسيّة للتخاذل، صار من الطبيعي أن تجرّ الحالة إلي عدم انقياد هؤلاء وعصيانهم، بحيث راح الإمام يواجه مشکلة حقيقيّة جادّة في استنفار القوّات وتعبئتها أواخر عهد حکمه.



صفحه 186، 187.





  1. شرح نهج البلاغة: 250:1. راجع: القسم السادس:وقعة الجمل:بعد الظفر:غنائم الحرب.