شُبهة قتال أهل القبلة











شُبهة قتال أهل القبلة



انطلقت المواجهة في جميع الحروب التي سبقت العهد العلوي مع الکفّار، بحيث لم يکن بمقدور أحد أن يثير شبهة في هذا المجال.

أمّا الحروب التي اندلعت في ظلّ حکم الإمام، وتحرّکت في مسار إصلاح المجتمع الإسلامي ومن أجل إعادته إلي ظلال سيرة النبي صلي الله عليه و آله وسنّته، فقد وقعت مع أهل القبلة. لقد انطلقت هذه الحروب في مواجهة اُناسٍ يدّعون الانتماء إلي

[صفحه 184]

الإسلام أيضاً، بل لبعضهم سوابق مشرقة في خدمة هذا الدين. من هنا کان النبيّ صلي الله عليه و آله قد أطلق في تنبّؤاته علي هذه الحروب صفة القتال علي أساس تأويل القرآن.[1] .

أجل، لقد هيّأت حروب أهل القبلة التي اشتعلت في أيّام حکم الإمام الأرضيّةَ المناسبة لإيجاد الشبهة، وانفصال الناس عن الإمام، ومنابذتهم له.

وعلي هذا الأساس اختارت شخصيّات بارزة موقفها منذ البدء في أن لا تکون إلي جوار علي عليه السلام في هذه الحروب. ولمّا استوضح الإمام من هؤلاء بواعث موقفهم هذا، أجاب سعد بن أبي وقّاص: «إنّي أکره الخروج في هذه الحرب لئلّا اُصيب مؤمناً، فإن أعطيتني سيفاً يعرف المؤمن من الکافر قاتلتُ معک».

وقال له اُسامة: «أنت أعزّ الخلق عليّ، ولکنّي عاهدت اللَّه أن لا اُقاتل أهل لا إله إلّا اللَّه».[2] .

وقال عبد اللَّه بن عمر: «لست أعرف في هذة الحرب شيئاً، أسألک ألّا تحملني علي مالا أعرف».[3] .

[صفحه 185]

لقد التقي استعداد الناس ذهنيّاً بشبهة عدم استساغة قتال أهل القبلة، مع تلک الشبهات التي أثارها المناوئون لمنهج الإصلاح العلوي، بالأخصّ معاوية في حربه الدعائيّة الشعواء ضدّ الإمام؛[4] التقي هذا بذاک، وصارا سبباً في عرقلة حرکة التعبئة العامّة وتهديدها بأخطار جدّيّة، بحيث لم يجد الإمام مناصّاً من أن يلج الميدان بنفسه أغلب الأحيان، وينهض شخصيّاً بإرشاد الناس وتوجيههم.

خاطبهم عليه السلام في البدء: «وقد فتح باب الحرب بينکم وبين أهل القبلة، ولا يحمل هذا العلم إلّا أهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحقّ، فامضوا لما تؤمرون به، وقِفوا عند ما تُنهون عنه، ولا تعجلوا في أمرٍ حتّي تبيّنوا؛ فإنّ لنا مع کلّ أمرٍ تنکرونه غيراً».[5] .

مع أنّ الإمام لم يألُ جهداً في أن يستفيد من أيّ فرصة تسنح لتوجيه الناس وإرشادهم، إلّا أنّه کان عسيراً علي کثيرين أن يهضموا أنّ علياً عليه السلام ينطق بالحقّ، وأنّ طلحة والزبير وعائشة- في الوقت ذاته- سادرون في الغيّ.[6] .



صفحه 184، 185.





  1. راجع: القسم السادس:نظرة عامّة:أهداف الإمام في قتال البغاة.
  2. الجمل: 95. وکان أسامة قد أهوي برمحه في عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي رجل في الحرب من المشرکين، فخافه الرجل فقال: لا إله إلّا اللَّه فشجره بالرمح فقتله، فبلغ النبي صلي الله عليه و آله خبره، فقال: يا أسامة أقتلت رجلاً يشهد ألّا إله إلّا اللَّه؟ فقال: يارسول إنّما قالها تعوّذاً، فقال صلي الله عليه و آله له: ألا شققت عن قلبه؟ فزعم أسامة أنّ النبي صلي الله عليه و آله أمره أن يقاتل بالسيف من قاتل من المشرکين، فإذا قوتل به المسلمون ضرب بسيفه الحجر فکسره.
  3. راجع: القسم الخامس:بيعة النور:من تخلّف عن بيعته.
  4. راجع: القسم السادس:وقعة صفّين:حرب الدعاية.
  5. نهج البلاغة: الخطبة 173.
  6. راجع: القسم السادس:وقعة الجمل:تأهّب الإمام لمواجهة الناکثين:التباس الأمر علي من لا بصيرة له.