تحذير للعوام











تحذير للعوام



وفي إدامة خطابه راح الإمام يرکّز بکثافة علي جماهير الناس، وهو يحذّرها من السادة والکبراء، فلو أنّ اُولئک لم ينثنوا عن علوّهم وتکبّرهم فلا ينبغي للجمهور أن يتّبعهم، ويکون أداة يستغلّها الکبراء في تحقيق أهدافهم اللامشروعة.

ثم ألفتَ نظر الجماهير إلي أن جميع الفتن وضروب الفساد تنبع من تلکم الرؤوس فقال: «ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتکم وکبرائکم الذين تکبّروا عن حَسَبهم، وترفّعوا فوق نسبهم...؛ فإنّهم قواعد العصبيّة، ودعائم أرکان الفتنة... وهم أساس الفسوق، وأحلاس العقوق، اتّحذهم إبليس مطايا ضلال،

[صفحه 169]

وجنداً بهم يصول علي الناس».

وبعد أن انتهي الإمام من بيان عدد من المقدّمات الضروريّة في هذا المجال، انعطف إلي بحث أخلاقي سياسي مهمّ، وهو يتحدث عن الامتحانات الإلهيّة الصعبة ودورها في تربية الإنسانيّة، فقد أکّد أنّ فلسفة ما يلاقيه الإنسان من ضروب المحن والمصائب وما يعانيه من مشاقّ الحياة، هي عين حکمة الصلاة والصوم والزکاة، حيث أنّها تهدف أيضاً إلي بناء الإنسان معنويّاً، وتزکيته من الرذائل الخلقيّة، بالأخصّ الأثرة والکبر والغرور.

ثم دعا الناس أن يعتبروا بمصير النهضات الدينيّة التي سبقت الإسلام، وما آلت إليه من انکسار إثر الفرقة والاختلاف، فحذّرهم أن لا يجرّ کِبرُ الخواصّ وعلوّهم واتّباع العوامّ الحکومةَ الإسلاميّة إلي مصير مماثل لما انتهت إليه النهضات السابقة.

وعند هذه النقطة راح الإمام يدقّ أجراس الخطر بصراحة، وهو يتمّ الحجة علي الخواصّ والعوامّ معاً، بقوله لهم: «ألا وإنّکم قد نفضتم أيديکم من حبل الطاعة، وثلمتم حصن اللَّه المضروب عليکم، بأحکام الجاهليّة... واعلموا أنّکم صِرتم بعد الهجرة أعراباً، وبعد الموالاة أحزاباً؛ ما تتعلّقون من الإسلام إلّا باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلّا رسمه... ألا وإنّکم قد قطعتم قيد الإسلام، وعطّلتم حدوده، وأمتُّم أحکامه».[1] .

[صفحه 171]



صفحه 169، 171.





  1. نهج البلاغة: الخطبة 192.