صراحة أكثر في بيان الانحراف











صراحة أکثر في بيان الانحراف



تناول الإمام في حديث خاصّ مشکلاته مع الناس بصراحة أکثر، ففي هذا الحديث- الذي أدلي به الإمام إلي عائلته وعدد من خواصّه- أوضح أين تکمن جذور الفتنة، ولماذا ابتلي المجتمع الإسلامي بالفرقة والاختلاف علي عهده، ولماذا لم يستطِع تنفيذ برنامجه لإصلاح المجتمع وإعادته إلي سيرة النبي صلي الله عليه و آله وسنّته، وأخيراً لماذا لم ينهض الجمهور لتأييد سياسته والدفاع عنها.

لقد بدأ أميرالمؤمنين عليه السلام کلامه- في المجلس المذکور- بالحديث النبوي

[صفحه 166]

التالي: «ألا إنّ أخوف ما أخاف عليکم خُلّتان: اتّباع الهوي، وطول الأمل»، ثم أوضح أنّ الفتن السياسيّة التي دفعت المجتمع الإسلامي إلي الفرقة والاختلاف، وأدّت به إلي الانقسام والتوزّع إلي ولاءات وخطوط مختلفة، إنّما تکمن جذورها في المفاسد الأخلاقيّة، والأثرة، وضروب البدع والأهواء. وفي هذا يفيد النصّ العلوي: «إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتّبع، وأحکام تُبتدع يخالف فيها حکم اللَّه، يتولّي فيها رجالٌ رجالاً».

وهکذا تتبدّل الأهواء والأنانيات إلي بدعٍ ضدّ الدين، لکنّها متلبّسة بدثار الدين. ثم تنشأ في هذا الاتّجاه البُؤر المتعصّبة، والتجمّعات العمياء، وتتبدّل الفتنة الأخلاقيّة إلي فتنة ثقافيّة، ثمّ إلي فتنة سياسيّة واجتماعيّة، حيث يسعي أصحاب الفتنة إلي تسويغ مقاصدهم من خلال استغلال نصاعة الحق.

يقول عليه السلام: «ألا إنّ الحقّ لو خلص لم يکن اختلاف، ولو أنّ الباطل خلص لم يخفَ علي ذي حجي، لکنّه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث».

ثمّ يواصل أميرالمؤمنين استعراضه الموقف. فبعد مرور جيل تستحکم البدعة، وترسخ مواقعها بدلاً من السنّة بحيث صار يستعصي عمليّاً معرفة السنّة مجدّداً. وفي هذا المضمار يستعين الإمام بحديث من السنّة النبويّة- حيث کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد تنبّأ بشيوع مثل هذه الأجواء وسط المجتمع الإسلامي- وهو يقول: «إنّي سمعت رسول اللَّه يقول: کيف أنتم إذا لبستکم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الکبير، يجري الناس عليها، ويتّخذونها سنّة، فإذا غُيِّر منها شي ء قيل: قد غُيّرت السنّة».

في فضاء ثقافي مثل هذا تتعذّر الإصلاحات الجذريّة، وتستعصي عمليّاً عمليّة العودة إلي السنّة النبويّة.

[صفحه 167]

بعد بيان هذه المقدمة انعطف الإمام صوب جوهر القضيّة، وراح يعدّد صراحة عدداً من البدع التي شاعت في المجتمع الإسلامي ممّا ورثه من السابقين عليه، ثم أکّد بألم أن ليس في وسعه أن يفعل شيئاً في هذا المجال؛ لأنّ مواجهة هذه الانحرافات الثقافيّة تنتهي بتفرّق الجند عنه وبقائه وحيداً، فقال عليه السلام: «ولو حملتُ الناس علي ترکها وحوّلتها إلي مواضعها وإلي ما کانت في عهد رسول صلي الله عليه و آله لتفرّق عنّي جندي، حتي أبقي وحدي، أو قليل من شيعتي».[1] .



صفحه 166، 167.





  1. راجع: القسم الخامس:الإصلاحات العلويّة:تعذّر بعض الإصلاحات.