تضادّ الإرادات











تضادّ الإرادات



يبرز السبب الأوّل في ابتعاد الناس عن الإمام بذلک الاختلاف الأساسي الذي ظهر بين الرؤي، والتضادّ المبدئي الذي حصل بين دوافع القوم وأهدافهم؛ فلم يکن دافع أغلب الذين ثاروا علي عثمان-لاسيما بعض قادة الحرکة مثل طلحة والزبير- هو إعادة المجتمع إلي سيرة النبيّ وسنّته، واستئناف القيم الإسلاميّة الأصيلة، بل کان الباعث علي ذلک هو ضجر هؤلاء من الاستئثار القبلي والحزبي الذي مارسه بنو اُميّة وفي طليعتهم عثمان. وبذلک لم يکن هدف هؤلاء من قتل عثمان ومبايعة الإمام علي عليه السلام يتخطّي هذه النقطة، حيث لبثوا بانتظار حلّ الإمام لهذه المشکلة.

أمّا الإمام، فقد کان له في قبول الحکم هدف وباعث آخر، فقد کان يهدف من وراء الاستجابة أن يعيد المجتمع إلي سيرة النبيّ صلي الله عليه و آله وسنّته، ويبادر إلي إحياء القيم الإسلاميّة، ويطلق حرکة إصلاحيّة عميقة وواسعة في المجتمع والدولة تطال جميع المرافق الإداريّة والثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقضائيّة.

وخلاصة الکلام أنّ مطامح الجمهور کانت شخصيّة، وما يريده الإمام کان

[صفحه 162]

إلهيّاً. فبينما کانت الناس تدور حول منافعها الشخصيّة، کان الإمام يسعي إلي استئناف القيم الإسلاميّة وتطبيقها. وهذا ما أشار إليه بقوله عليه السلام: «وليس أمري وأمرکم واحداً؛ إنّي أريدکم للَّه، وأنتم تريدونني لأنفسکم».

في أجواء کهذه، عندما لمس الناس أنّ الإمام لا يتواءم وإيّاهم في الهدف، راحوا يتخلّون عن مساندته. ثمّ بمرور الزمان، وکلّما اتّضحت دوافع الإمام في العمل أکثر راح تأييد الناس يتضاءل، وتتّسع الفجوة بينهم وبين الإمام.

[صفحه 163]



صفحه 162، 163.