اللهمّ مللتهم وملّوني











اللهمّ مللتهم وملّوني



2870- الغارات عن أبي صالح الحنفي: رأيت عليّاً عليه السلام يخطب وقد وضع المصحف علي رأسه حتي رأيت الورق يتقعقع علي رأسه.

قال: فقال: اللهمّ قد منعوني ما فيه فأعطني ما فيه، اللهمّ قد أبغضتهم وأبغضوني، ومللتهم وملّوني، وحملوني علي غير خلقي وطبيعتي وأخلاق لم تکن تُعرَف لي، اللهمّ فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً منّي، اللهمّ مُثّ[1] قلوبهم کما يُماثّ الملح في الماء.[2] .

2871- الغارات عن ابن أبي رافع: رأيت عليّاً عليه السلام قد ازدحموا عليه حتي أدمَوا

[صفحه 147]

رجله. فقال: اللهمّ قد کرهتهم وکرهوني، فأرِحني منهم وأرِحهم منّي.[3] .

2872- تاريخ الإسلام عن محمّد ابن الحنفيّة: کان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه ثمّ يحلف لا يحلّه حتي يسير، فيأبي عليه الناس، وينتشر عليه رأيهم ويجبنون، فيحلّه ويُکفّر عن يمينه، فعل ذلک أربع مرات، وکنت أري حالهم فأري مالا يسرّني. فکلّمت المِسْوَر بن مَخْرَمة يومئذٍ، وقلت: ألا تکلّمه أين يسير بقوم لا واللَّه ما أري عندهم طائلاً؟ قال: يا أبا القاسم، يسير لأمر[4] [5] قد کلَّمته فرأيته يأبي إلّا المسير.

قال ابن الحنفيّة: فلمّا رأي منهم ما رأي قال: اللهمّ إنّي قد مللتهم وقد ملّوني، وأبغضتهم وأبغضوني، فأبدلني خيراً منهم، وأبدلهم شرّاً منّي.[6] .

2873- الإمام عليّ عليه السلام- في خطبته عليه السلام عند وصول خبر الأنبار إليه-: أمَ واللَّه لوددت أنّ ربّي قد أخرجني من بين أظهرکم إلي رضوانه، وإنّ المنيّة لترصدني، فما يمنع أشقاها أن يخضبها؟- وترک يده علي رأسه ولحيته- عهد عهده إليّ النبيّ الاُمّيّ، وقد خاب من افتري، ونجا من اتّقي وصدّق بالحسني.[7] .

2874- عنه عليه السلام: يا أهل الکوفة! خذوا اُهبتکم لجهاد عدوّکم معاوية وأشياعه. قالوا: يا أميرالمؤمنين، أمهلنا يذهب عنّا القرّ.

فقال: أمَ واللَّه الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليکم، ليس

[صفحه 148]

بأنّهم أولي بالحقّ منکم، ولکن لطاعتهم معاوية ومعصيتکم لي. واللَّه لقد أصبحت الاُمم کلّها تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أنا أخاف ظلم رعيّتي، لقد استعملت منکم رجالاً فخانوا وغدروا، ولقد جمع بعضهم ما ائتمنته عليه من في ء المسلمين فحمله إلي معاوية، وآخر حمله إلي منزله تهاوناً بالقرآن، وجرأة علي الرحمن، حتي لو أنّني ائتمنت أحدکم علي علاقة سوط لخانني، ولقد أعييتموني!

ثمّ رفع يده إلي السماء فقال: اللهمّ إنّي قد سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء القوم، وتبرّمت الأمل. فأتِح لي صاحبي حتي أستريح منهم ويستريحوا منّي، ولن يُفلحوا بعدي.[8] .

2875- نهج البلاغة: من خطبة له عليه السلام وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية علي البلاد، وقدم عليه عاملاه علي اليمن، وهما عبيد اللَّه بن عبّاس وسعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة، فقام عليه السلام علي المنبر ضجراً بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأي فقال: ما هي إلّا الکوفة، أقبضها وأبسطها، إن لم تکوني إلّا أنتِ تهبّ أعاصيرکِ فقبّحکِ اللَّه!

وتمثّل بقول الشاعر:


لعمرُ أبيک الخير يا عمرو إنّني
علي وَضَرٍ[9] من ذا الإناء قليلُ


ثمّ قال عليه السلام: اُنبئت بُسراً قد اطّلع اليمن، وإنّي واللَّه لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيُدالون[10] منکم باجتماعهم علي باطلهم، وتفرّقکم عن حقّکم، وبمعصيتکم

[صفحه 149]

إمامکم في الحقّ، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلي صاحبهم وخيانتکم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادکم.

فلو ائتمنت أحدکم علي قَعْب[11] لخشيت أن يذهب بعلاقته.

اللهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدِلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً منّي، اللهمّ مُثّ قلوبهم کما يُماثّ الملح في الماء، أما واللَّه لوددت أنّ لي بکم ألف فارس من بني فراس بن غنم.


هنالک لو دعوت أتاک منهم
فوارس مثل أرمية الحميمِ


ثمّ نزل عليه السلام من المنبر.[12] .

2876- البداية والنهاية عن زهير بن الأرقم: خطبنا عليّ يوم جمعة، فقال: نبّئت أنّ بسراً قد طلع اليمن، وإنّي واللَّه لأحسب أنّ هؤلاء القوم سيظهرون عليکم، وما يظهرون عليکم إلّا بعصيانکم إمامکم وطاعتهم إمامهم، وخيانتکم وأمانتهم، وإفسادکم في أرضکم وإصلاحهم، قد بعثت فلاناً فخان وغدر، وبعثت فلاناً فخان وغدر، وبعث المال إلي معاوية، لو ائتمنت أحدکم علي قدح لأخذ علاقته، اللهمّ سئمتهم وسئموني، وکرهتهم وکرهوني، اللهمّ فأرحهم منّي وأرحني منهم.

قال: فما صلّي الجمعة الاُخري حتي قُتل رضي اللَّه عنه وأرضاه.[13] .

راجع: القسم الثامن/إخبار الإمام باستشهاده/ما ينتظر أشقاها؟!

[صفحه 151]



صفحه 147، 148، 149، 151.





  1. ماث: ذاب (مجمع البحرين: 1734:3).
  2. الغارات: 458:2؛ أنساب الأشراف: 156:3، تاريخ دمشق: 534:42 کلاهما نحوه وراجع الفتوح: 237:4.
  3. الغارات: 459:2؛ أنساب الأشراف: 250:3 وزاد في آخره «فما بات إلّا تلک الليلة».
  4. في المصدر: «الأمر»، والصحيح ما أثبتناه کما في الطبقات الکبري.
  5. حُمّ هذا الأمر: قُضِي (لسان العرب: 151:12).
  6. تاريخ الإسلام للذهبي: 606:3، الطبقات الکبري: 93:5.
  7. الإرشاد: 280:1، الاحتجاج: 89:413:1.
  8. الإرشاد: 277:1.
  9. الوَضَر:وسخ الدَسَم واللبن أو غسالة السقاء والقصعة ونحوهما (القاموس المحيط: 160:2).
  10. من الإدالة: الغَلَبة (النهاية: 141:2).
  11. القَعْبُ: القَدَح الصخمُ، الغلِيظُ، الجافي (لسان العرب: 683:1).
  12. نهج البلاغة: الخطبة 25، الغارات: 635:2 نحوه إلي «في الماء».
  13. لبداية والنهاية: 326:7، تاريخ دمشق: 535:42 نحوه.