غارة بسر بن أرطاة











غارة بسر بن أرطاة



2860- تاريخ الطبري عن عوانة: أرسل معاوية بن أبي سفيان بعد تحکيم الحکمين بسر بن أبي أرطاة- وهو رجل من بني عامر بن لؤي- في جيش،

[صفحه 133]

فساروا من الشام حتي قدموا المدينة، وعامل عليّ علي المدينة يومئذٍ أبو أيّوب الأنصاري، ففرّ منهم أبو أيّوب، فأتي عليّاً بالکوفة.

ودخل بُسر المدينة، قال: فصعد منبرها ولم يقاتله بها أحد، فنادي علي المنبر: يا دينار، ويا نجّار، ويا زريق، شيخي شيخي! عهدي به بالأمس، فأين هو! يعني عثمان.

ثمّ قال: يا أهل المدينة! واللَّه، لولا ما عهد إليّ معاوية ما ترکت بها محتلماً إلّا قتلته، ثمّ بايع أهل المدينة.

وأرسل إلي بني سلمة، فقال: واللَّه، ما لکم عندي من أمان، ولا مبايعة حتي تأتوني بجابر بن عبد اللَّه.

فانطلق جابر إلي اُمّ سلمة زوج النبيّ صلي الله عليه و آله فقال لها: ماذا ترَين؟ إنّي قد خشيت أن اُقتل، وهذه بيعة ضلالة.

قالت: أري أنْ تُبايع؛ فإنّي قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يُبايع، وأمرت ختني عبد اللَّه بن زمعة- وکانت ابنتها زينب ابنة أبي سلمة عند عبد اللَّه بن زمعة فأتاه جابر فبايعه.

وهدم بُسر دوراً بالمدينة، ثمّ مضي حتي أتي مکّة، فخافه أبو موسي أن يقتله، فقال له بُسْر: ما کنت لأفعل بصاحب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ذلک، فخلّي عنه.

وکتب أبو موسي قبل ذلک إلي اليمن: إنّ خيلاً مبعوثة من عند معاوية تقتل الناس، تقتل من أبي أن يقرّ بالحکومة.

ثمّ مضي بسر إلي اليمن، وکان عليها عبيد اللَّه بن عبّاس عاملاً لعليّ، فلمّا بلغه مسيره فرّ إلي الکوفة حتي أتي عليّاً، واستخلف عبد اللَّه بن عبد المدان الحارثي

[صفحه 134]

علي اليمن، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه، ولقي بُسْر ثَقَل[1] عبيد اللَّه بن عبّاس، وفيه ابنان له صغيران فذبحهما.

وقد قال بعض الناس: إنّه وجد ابني عبيد اللَّه بن عبّاس عند رجل من بني کنانة من أهل البادية، فلمّا أراد قتلهما، قال الکناني: عَلامَ تقتل هذين ولا ذنب لهما! فإن کنت قاتلهما فاقتلني.

قال: أفعل، فبدأ بالکنانيّ فقتله، ثمّ قتلهما، ثمّ رجع بسر إلي الشام.

وقد قيل: إنّ الکناني قاتل عن الطفلين حتي قُتل، وکان اسم أحد الطفلين اللذين قتلهما بسر: عبد الرحمن، والآخر قُثَم، وقتلَ بُسْر في مسيره ذلک جماعة کثيرة من شيعة عليّ باليمن.

وبلغ عليّاً خبر بسر، فوجّه جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين، فسار جارية حتي أتي نجران فحرّق بها، وأخذ ناساً من شيعة عثمان فقتلهم، وهرب بسر وأصحابه منه، وأتبعهم حتي بلغ مکّة.

فقال لهم جارية: بايِعونا.

فقالوا: قد هلک أميرالمؤمنين، فلمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب عليّ، فتثاقلوا، ثمّ بايَعوا.

ثمّ سار حتي أتي المدينة وأبو هريرة يصلّي بهم، فهرب منه، فقال جارية: واللَّه، لو أخذت أبا سنّور لضربت عنقه، ثمّ قال لأهل المدينة: بايِعوا الحسن بن عليّ، فبايعوه.

[صفحه 135]

وأقام يومه، ثمّ خرج منصرفاً إلي الکوفة، وعاد أبو هريرة فصلّي بهم.[2] .

2861- تاريخ اليعقوبي: وجّه معاوية بسر بن أبي أرطاة، وقيل: ابن أرطاة العامري من بني عامر بن لؤي- في ثلاثة آلاف رجل، فقال له: سرْ حتي تمرّ بالمدينة، فاطرد أهلها، وأخِف من مررت به، وانهب مال کلّ من أصبت له مالاً ممّن لم يکن دخل في طاعتنا.

وأوهمْ أهل المدينة أنّک تريد أنفسهم، وأنّه لا براءة لهم عندک، ولا عذر.

وسِر حتي تدخل مکّة، ولا تعرض فيها لأحد. وارهب الناس فيما بين مکّة والمدينة، واجعلهم شرادات، ثمّ امضِ حتي تأتي صنعاء؛ فإنّ لنا بها شيعة، وقد جاءني کتابهم.

فخرج بسر، فجعل لا يمرّ بحيٍّ من أحياء العرب إلّا فعل ما أمره معاوية، حتي قدم المدينة وعليها أبو أيّوب الأنصاري، فتنحّي عن المدينة.

ودخل بُسْر، فصعد المنبر ثمّ قال: يا أهل المدينة! مثل السَّوْء لکم، «قَرْيَةً کَانَتْء َامِنَةً مُّطْمَل-نَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن کُلِّ مَکَانٍ فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَ قَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا کَانُواْ يَصْنَعُونَ »،[3] ألا وإنّ اللَّه قد أوقع بکم هذا المثل وجعلکم أهله، شاهت الوجوه، ثمّ ما زال يشتمهم حتي نزل.

قال: فانطلق جابر بن عبد اللَّه الأنصاري إلي اُمّ سلمة- زوج النبيّ صلي الله عليه و آله، فقال: إنّي قد خشيت أن اُقتل، وهذه بيعة ضلال.

[صفحه 136]

قالت: إذاً فبايع؛ فإنّ التقيّة حملت أصحاب الکهف علي أن کانوا يلبسون الصُّلُب، ويحضرون الأعياد مع قومهم.

وهدم بسر دوراً بالمدينة، ثمّ مضي حتي أتي مکّة، ثمّ مضي حتي أتي اليمن، وکان علي اليمن عبيد اللَّه بن عبّاس عامل عليّ.

وبلغ عليّاً الخبر، فقام خطيباً فقال: أيّها الناس! إنّ أوّل نقصکم ذهاب اُولي النُّهي والرأي منکم؛ الذين يحدّثون فيصدقون، ويقولون فيفعلون، وإنّي قد دعوتکم عوداً وبدءاً، وسرّاً وجهراً، وليلاً ونهاراً؛ فما يزيدکم دعائي إلّا فراراً، ما ينفعکم الموعظة ولا الدعاء إلي الهدي والحکمة.

أما واللَّه، إنّي لعالمٌ بما يصلحکم، ولکن في ذلک فسادي، امهلوني قليلاً، فواللَّه، لقد جاءکم من يُحزنکم ويُعذّبکم ويعذّبه اللَّه بکم.

إنّ مِنْ ذلِّ الإسلام وهلاک الدين أنّ ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيُجيبون، وأدعوکم، وأنتم لا تصلحون، فتراعون، هذا بُسْر قد صار إلي اليمن وقبلها إلي مکّة والمدينة.

فقام جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أميرالمؤمنين! لا عدمنا اللَّه قربک، ولا أرانا فراقک، فنعم الأدب أدبک، ونعم الإمام واللَّه أنت، أنا لهؤلاء القوم فسرِّحْني إليهم!

قال: تجهّز؛ فإنّک ما علمتک رجل في الشدّة والرخاء، المبارک الميمون النقيبة.

ثمّ قام وهب بن مسعود الخثعمي فقال: أنا أنتدب يا أميرالمؤمنين. قال: انتدب، بارک اللَّه عليک.

[صفحه 137]

فخرج جارية في ألفين، ووهب ابن مسعود في ألفين، وأمرهما عليّ أن يطلبا بسراً حيث کان حتي يلحقاه، فإذا اجتمعا فرأس الناس جارية.

فخرج جارية من البصرة، ووهب من الکوفة، حتي التقيا بأرض الحجاز.

ونفذ بسر من الطائف، حتي قدم اليمن، وقد تنحّي عبيد اللَّه بن عبّاس عن اليمن، واستخلف بها عبد اللَّه بن عبد المدان الحارثي، فأتاه بسر فقتله، وقتل ابنه مالک بن عبد اللَّه، وقد کان عبيد اللَّه خلّف ابنيه عبد الرحمن وقثم عند جويرية ابنة قارظ الکنانيّة- وهي اُمّهما- وخلّف معها رجلاً من کنانة.

فلمّا انتهي بسر إليها دعا ابني عبيد اللَّه ليقتلهما، فقام الکناني فانتضي سيفه وقال: واللَّه لاُقتلنّ دونهما فاُلاقي عذراً لي عند اللَّه والناس، فضارب بسيفه حتي قُتل، وخرجت نسوة من بني کنانة فقلن: يا بُسْر! هذا الرجال يقتلون، فما بالُ الولدان؟! واللَّه ما کانت الجاهليّة تقتلهم، واللَّه إنّ سلطاناًلا يشتدّ إلّا بقتل الصبيان ورفع الرحمة لسلطانُ سوء.

فقال بسر: واللَّه، لقد هممت أن أضع فيکنّ السيف، وقدّم الطفلين فذبحهما....

ثمّ جمع بُسْر أهل نجران فقال: يا إخوان النصاري! أما والذي لا إله غيره لئن بلغني عنکم أمر أکرهه لاُکثرنَّ قتلاکم. ثمّ سار نحو جيشان- وهم شيعة لعليّ- فقاتلهم، فهزمهم، وقتل فيهم قتلاً ذريعاً، ثمّ رجع إلي صنعاء.

وسار جارية بن قدامة السعدي حتي أتي نجران وطلب بُسْراً، فهرب منه في الأرض، ولم يقُم له، وقتل من أصحابه خلقاً، وأتبعهم بقتل وأسر حتي بلغ مکّة، ومرّ بُسْر حتي دخل الحجازلا يلوي علي شي ء.

[صفحه 138]

فأخذ جارية بن قدامة أهل مکّة بالبيعة، فقالوا: قد هلک عليّ فلمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب عليّ بعده، فتثاقلوا.

فقال: واللَّه، لتبايعُنّ ولو بأستاهکم، فبايعوا ودخل المدينة، وقد اصطلحوا علي أبي هريرة فصلّي بهم، ففرّ منه أبو هريرة.

فقال جارية: يا أهل المدينة! بايعوا للحسن بن عليّ، فبايعوا.

ثمّ خرج يريد الکوفة، فردّ أهل المدينة أبا هريرة... وحدّث أبو الکنود أنّ جارية مرّ في طلب بُسْر فما کان يلتفت إلي مدينة، ولا يعرج علي شي ء حتي انتهي إلي اليمن ونجران، فقتل مَنْ قتل، وهرب منه بسر، وحرّق تحريقاً، فسمّي محرِّقاً.[4] .

2862- الاستيعاب: أرسل معاويةُ بسر بن أرطاة إلي اليمن، فسبي نساءً مسلمات، فاُقِمن في السوق.[5] .

2863- تاريخ اليعقوبي عن أبي خالد الوالبي: قرأت عهد عليّ لجارية بن قدامة: اُوصيک يا جارية بتقوي اللَّه؛ فإنّها جَموع الخير، وسِر علي عون اللَّه، فالقَ عدوّک الذي وجّهتک له، ولا تقاتل إلّا من قاتلک، ولا تُجهزْ علي جريح، ولا تسخّرنّ دابّة، وإن مشَيتَ ومشي أصحابک.

ولا تستأثر علي أهل المياه بمياههم، ولا تشربنّ إلّا فضلهم عن طيب نفوسهم، ولا تشتمنّ مسلماً ولا مسلمة؛ فتوجِب علي نفسک ما لعلّک تؤدّب غيرک عليه.

[صفحه 139]

ولا تظلمنّ معاهداً، ولا معاهدة، واذکر اللَّه، ولا تفتر ليلاً ولا نهاراً، واحملوا رجّالتکم، وتواسَوا في ذات أيديکم، وأجدد السير، وأجْلِ العدوّ من حيث کان، واقتله مقبلاً، واردده بغيظه صاغراً.

واسفک الدم في الحقّ، واحقنه في الحقّ، ومن تاب فاقبل توبته، وإخبارک في کلّ حين بکلّ حال، والصدقَ الصدقَ! فلا رأي لکذوب.[6] .

2864 - الغارات عن عبد الرحمن السلمي: رجع بُسْر فأخذ علي طريق السماوة، حتي أتي الشام فقدم علي معاوية فقال: يا أميرالمؤمنين! احمَدِ اللَّه؛ فإنّي سرت في هذا الجيش أقتل عدوّک- ذاهباً وراجعاً- لم ينکب رجل منهم نکبة.

فقال معاوية: اللَّه فعل ذلک لا أنت!!

وکان الذي قتل بسر في وجهه- ذاهباً وراجعاً- ثلاثين ألفاً، وحرّق قوماً بالنار.[7] .

2865- الغارات عن الکلبي ولوط بن يحيي الأزدي: إنّ ابن قيس بن زرارة الشاذي فخذ من همدان قدم علي عليّ عليه السلام فأخبره بخروج بسر، فندب عليّ عليه السلام الناس فتثاقلوا عنه، فقال: أ تريدون أن أخرج بنفسي في کتيبة تتبع کتيبة في الفَيافي[8] والجبال؟! ذهب واللَّه منکم اُولو النُّهي والفضل الذين کانوا يُدعَون فيجيبون، ويُؤمرون فيطيعون، لقد هممت أن أخرج عنکم فلا أطلب بنصرکم ما اختلف الجديدان.

[صفحه 140]

فقام جارية بن قدامة، فقال: أنا أکفيکهم يا أميرالمؤمنين، فقال: أنت لعمري لميمون النقيبة، حسن النيّة، صالح العشيرة. وندب معه ألفين، وقال بعضهم: ألفاً.

وأمره أن يأتي البصرة فيضمّ إليه مثلهم، فشخص جارية وخرج معه يشيّعه، فلمّا ودّعه قال: اتّقِ اللَّه الذي إليه تصير، ولا تحتقر مسلماً ولا معاهداً، ولا تغصبنّ مالاً ولا ولداً ولا دابّةً وإن حفيت وترجّلت، وصلِّ الصلاة لوقتها.

فقدم جارية البصرة فضمّ إليه مثل الذي معه ثمّ أخذ طريق الحجاز حتي قدم اليمن، لم يغصب أحداً، ولم يقتل أحداً إلّا قوماً ارتدّوا باليمن، فقتلهم وحرقهم، وسأل عن طريق بسر، فقالوا: أخذ علي بلاد بني تميم، فقال: أخذ في ديار قوم يمنعون أنفسهم، فانصرف جارية فأقام بجرش[9] [10] .

2866- الغارات عن أبي ودّاک الشاذي: قدم زرارة بن قيس الشاذي فخبّر عليّاً عليه السلام بالعدّة التي خرج فيها بسر، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد؛ أيّها الناس! فإنّ أوّل فرقتکم وبدء نقصکم ذهاب اُولي النُّهي وأهل الرأي منکم، الذين کانوا يُلقَون فيصدقون، ويقولون فيعدلون، ويُدعَون فيُجيبون، وأنا واللَّه قد دعوتکم عوداً وبدءاً وسرّاً وجهاراً، وفي الليل والنهار والغدوّ والآصال، فما يزيدکم دعائي إلّا فراراً وإدباراً، أ ما تنفعکم العظة والدعاء إلي الهدي والحکمة، وإنّي لعالم بما يصلحکم ويقيم أوَدکم، ولکنّي واللَّه لا

[صفحه 141]

اُصلحکم بإفساد نفسي، ولکن أمهلوني قليلاً، فکأنّکم واللَّه بامرئٍ قد جاءکم يحرمکم ويعذّبکم فيعذّبه اللَّه کما يعذّبکم.

إنّ مِن ذلّ المسلمين وهلاک الدين أنّ ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيُجاب، وأدعوکم وأنتم الأفضلون الأخيار فتُراوغون وتُدافعون، ما هذا بفعل المتّقين، إنّ بسر بن أبي أرطاة وجّه إلي الحجاز، وما بسر؟! لعنه اللَّه، لينتدب إليه منکم عصابة حتي تردّوه عن شنّته، فإنّما خرج في ستّمائة أو يزيدون.

قال: فسکت الناس مليّاًلا ينطقون، فقال: ما لکم أ مخرَسون أنتم لا تتکلّمون؟

فذکر عن الحارث بن حصيرة عن مسافر بن عفيف قال: قام أبو بردة بن عوف الأزدي فقال: إن سرت يا أميرالمؤمنين سرنا معک، فقال: اللهمّ ما لکم؟ لاُسدّدتم لمقال الرشد، أ في مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟! إنّما يخرج في مثل هذا رجل ممّن ترضون من فرسانکم وشجعانکم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر، وبيت المال، وجباية الأرض، والقضاء بين المسلمين، والنظر في حقوق الناس، ثمّ أخرج في کتيبة أتبع اُخري في الفلوات وشعف الجبال، هذا واللَّه الرأي السوء، واللَّه لولا رجائي عند لقائهم، لو قد حُمَّ لي لقاؤهم، لقرّبت رکابي ثمّ لشخصت عنکم فلا أطلبکم ما اختلف جنوب وشمال، فواللَّه إنّ في فراقکم لراحة للنفس والبدن.

فقام إليه جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أميرالمؤمنين لا أعدمنا اللَّه نفسک، ولا أرانا اللَّه فراقک، أنا لهؤلاء القوم، فسرِّحني إليهم، قال: فتجهّزْ؛ فإنّک ما علمتُ ميمون النقيبة. وقام إليه وهب بن مسعود الخثعمي، فقال: أنا أنتدب إليهم

[صفحه 142]

يا أميرالمؤمنين! قال: فانتدِب بارک اللَّه فيک، ونزل.[11] .

2867- الفتوح- بعد غارة بسر بن أرطاة علي حضرموت واستنفار الإمام عليه السلام أهل الکوفة-: قال لهم عليّ: ما لکم لا تردّون جواباً ولا تُرجعون قولاً؟ أدعوکم إلي جهاد عدوّکم سرّاً وجهراً فلم يزدکم دعائي إلّا فراراً، أ تتناشدون الأشعار وتتسلّون عن الأسفار، تربت يداکم! لقد نسيتم الحرب والاستعداد لها، فأصبحت قلوبکم فارغة عن ذکرها.

قال: فلم يجبه أحد منهم بشي ء.

فقال: أ وَليس من العجب أنّ معاوية يأمر فيُطاع ويدعو فيُجاب، وآمرکم فتُخالفون وأدعوکم فلا تُجيبون؟ ذهب واللَّه اُولو النُّهي والفضل والتُّقي، الذين کانوا يقولون فيصدقون، ويُدعون فيُجيبون، ويلقون عدوّهم فيصبرون، وبقيتُ في حثالة قومٍ لا ينتفعون بموعظةٍ ولا يُفکّرون في عاقبة.

لقد هممت أن أشخص عنکم فلا أطلب نصرکم ما اختلف الجديدان،[12] وإنّي لعالم بما يُصلحکم ويُقيم أوَدکم، وکأنّي بکم وقد ولّاکم من بعدي من يحرمکم عطاءکم ويسومکم سوء العذاب، واللَّه المستعان وعليه التکلان.

فلمّا فرغ عليّ رضي الله عنه ونظر أنّه ليس يُجيبه أحد، انصرف إلي منزله.[13] .

2868- الغارات عن عبد الرحمن بن نعيم: اجتمع ذات يوم هو [أي بُسْر]

[صفحه 143]

وعبيد اللَّه بن العبّاس عند معاوية- بعد صلح الحسن عليه السلام- فقال ابن عبّاس لمعاوية: أنت أمرت هذا القاطع البعيد الرحم القليل الرحم بقتل ابنيّ.

فقال معاوية: ما أمرته بذلک ولا هويت.

فغضب بُسْر ورمي بسيفه وقال: قلّدتني هذا السيف وقلت: اخبط به الناس حتي إذا بلغت ما بلغت، قلت: ما هويت ولا أمرت.

فقال معاوية: خذْ سيفک! فلعمري إنّک لعاجز حين تُلقي سيفک بين يدي رجل من بني عبد مناف، وقد قتلت ابنيه أمس.

فقال عبيد اللَّه بن عبّاس: أ تراني کنت قاتله بهما؟

فقال ابنٌ لعبيد اللَّه: ما کنّا نقتل بهما إلّا يزيد وعبد اللَّه ابني معاوية.

فضحک معاوية، وقال: وما ذنب يزيد وعبد اللَّه؟![14] .

[صفحه 145]



صفحه 133، 134، 135، 136، 137، 138، 139، 140، 141، 142، 143، 145.





  1. الثَّقَل: المتاع والحَشَم، وأصل الثَّقَلَ أنّ العرب تقول لکلّ شي ء نَفيس خَطير مَصون ثَقَل (لسان العرب: 87:11 و ص 88).
  2. تاريخ الطبري: 139:5، الکامل في التاريخ: 430:2، البداية والنهاية: 322:7 وراجع أنساب الأشراف: 211:3 تا 215.
  3. النحل: 112.
  4. تاريخ اليعقوبي: 197:2 وراجع الغارات: 607:2 تا 628 والفتوح: 231:4 تا 240.
  5. الاستيعاب: 175:243:1.
  6. تاريخ اليعقوبي: 200:2.
  7. الغارات: 639:2؛ شرح نهج البلاغة: 17:2 وفيه من «أحمدُ اللَّه...».
  8. هي البَرارِي الواسِعة، جمع فَيْفاء (النهاية: 485:3).
  9. جُرَش: من مخاليف اليمن من جهة مکّة (معجم البلدان: 126:2). فتحها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله صلحاً سنة 10 ه، وهي اليوم من مدن الحجاز.
  10. الغارات: 622:2.
  11. الغارات: 624:2، الإرشاد: 272:1؛ أنساب الأشراف: 215:3 کلاهما نحوه وليس فيهما من «إنّ بسر بن أبي أرطاة...».
  12. الجديدان: الليل والنهار (لسان العرب: 111:3).
  13. الفتوح: 237:4.
  14. الغارات: 661:2؛ أنساب الأشراف: 216:3 عن هشام، شرح نهج البلاغة: 17:2 عن أبي الحسن المدائني وکلاهما نحوه الغارات: 661:2؛ أنساب الأشراف: 216:3 عن هشام، شرح نهج البلاغة: 17:2 عن أبي الحسن المدائني وکلاهما نحوه.