غارة الضحّاك بن قيس











غارة الضحّاک بن قيس



2853- الغارات عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري: دعا معاوية الضحّاک بن قيس الفهري، وقال له: سِرْ حتي تمرَّ بناحية الکوفة، وترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغِرْ عليه، وإن وجدت له مَسْلَحة[1] أو خَيلاً فأغِر عليهما، وإذا أصبحت في بلدة فأمسِ في اُخري، ولا تقيمنّ لخيل بلغک أنّها قد سرّحت إليک لتلقاها فتقاتلها، فسرّحه فيما بين ثلاثة آلاف إلي

[صفحه 127]

أربعة آلاف جريدة خيل.

فأقبل الضحّاک يأخذ الأموال، ويقتل من لقي من الأعراب حتي مرّ بالثعلبيّة فأغار خيله علي الحاجّ، فأخذ أمتعتهم، ثمّ أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي- وهو ابن أخي عبد اللَّه بن مسعود صاحب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله- فقتله في طريق الحاجّ عند القطقطانة[2] وقتل معه ناساً من أصحابه.

قال أبو روق: فحدّثني أبي أنّه سمع عليّاً عليه السلام وقد خرج إلي الناس وهو يقول علي المنبر: يا أهل الکوفة! اخرجوا إلي العبد الصالح عمرو بن عميس، وإلي جيوش لکم قد اُصيب منها طرف؛ اخرجوا فقاتلوا عدوّکم وامنعوا حريمکم، إن کنتم فاعلين.

قال: فردّوا عليه ردّاً ضعيفاً، ورأي منهم عجزاً وفشلاً فقال:

واللَّه، لوددت أنّ لي بکلّ مائة منکم رجلاً منهم، ويَحکم اخرجوا معي، ثمّ فِرّوا عنّي إنْ بدا لکم، فواللَّه ما أکره لقاء ربّي علي نيّتي وبصيرتي، وفي ذلک رَوْح لي عظيم، وفرج من مناجاتکم ومقاساتکم ومداراتکم مثل ما تُداري البِکار العَمِدة، والثياب المتهتّرة، کلّما خِيطت من جانب تهتّکت علي صاحبها من جانب آخر، ثمّ نزل.

فخرج يمشي حتي بلغ الغريّين،[3] ثمّ دعا حجر بن عديّ الکندي من خيله فعقد له ثَمَّ رايةً علي أربعة آلاف، ثمّ سرّحه.[4] .

[صفحه 128]

فخرج حتي مرّ بالسَّماوة-[5] وهي أرض کلب- فلقي بها امرأ القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن کعب بن عليم الکلبي أصهار الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، فکانوا أدلّاءه علي طريقه وعلي المياه، فلم يزل مُغِذّاً في أثر الضحّاک حتي لقيه بناحية تدمر فواقفه فاقتتلوا ساعة، فقتل من أصحاب الضحّاک تسعة عشر رجلاً، وقُتل من أصحاب حجر رجلان: عبد الرحمن وعبد اللَّه الغامدي، وحجز الليل بينهم، فمضي الضحّاک، فلمّا أصبحوا لم يجدوا له ولأصحابه أثراً.[6] .

2854- تاريخ الطبري عن عوانة: وجّه معاوية الضحّاک بن قيس، وأمره أن يمرّ بأسفل واقصة،[7] وأن يُغير علي کلّ من مرّ به ممّن هو في طاعة عليّ من الأعراب، ووجّه معه ثلاثة آلاف رجل.

فسار فأخذ أموال الناس، وقتل من لقي من الأعراب، ومرّ بالثعلبيّة فأغار علي مسالح عليّ، وأخذ أمتعتهم، ومضي حتي انتهي إلي القطقطانة.

فأتي عمرو بن عميس بن مسعود، وکان في خيل لعليّ وأمامه أهله، وهو يريد الحجّ، فأغار علي من کان معه، وحبسه عن المسير.

فلمّا بلغ ذلک عليّاً سرّح حجر بن عديّ الکندي في أربعة آلاف، وأعطاهم خمسين خمسين، فلحق الضحّاکَ بتَدْمُر فقتل منهم تسعة عشر رجلاً، وقُتل من

[صفحه 129]

أصحابه رجلان، وحال بينهم الليل، فهرب الضحّاک وأصحابه، ورجع حجر ومن معه.[8] .

2855- تاريخ اليعقوبي: جلس عليّ في المسجد، فندب الناس، وانتدب أربعة آلاف، فسار بهم في طلب القوم، وأغذَّ المسير حتي لقيهم بتدمر من عمل حمص، فقاتلهم فهزمهم، حتي انتهوا إلي الضحّاک، وحجز بينهم الليل، فأدلجَ[9] الضحّاک علي وجهه منصرفاً، وشنّ حجر بن عديّ ومن معه الغارة في تلک البلاد يومين وليلتين.[10] .

2856- الإمام عليّ عليه السلام- بعدما أغار الضحّاک بن قيس علي القطقطانة، فبلغ عليّاً إقباله وأنّه قد قتل ابن عميس-: يا أهل الکوفة! اخرجوا إلي جيش لکم قد اُصيب منه طرف، وإلي الرجل الصالح ابن عميس[11] .فامنعوا حريمکم وقاتلوا عدوّکم، فرَدّوا ردّاً ضعيفاً. فقال:

يا أهل العراق! وددت أنّ لي بکم بکلّ ثمانية منکم رجلاً من أهل الشام، وويل لهم! قاتلوا مع تصبّرهم علي جور. ويحکم! اخرجوا معي، ثمّ فرّوا عنّي إن بدا لکم، فواللَّه إنّي لأرجو شهادة، وإنّها لتدور علي رأسي مع ما لي من الرَّوْح العظيم في ترک مداراتکم کما تُداري البِکار الغُمْرة،[12] أو الثياب المتهتّکة، کلّما

[صفحه 130]

حِيصت[13] من جانب تهتّکت من جانب.[14] .

2857- الإرشاد- لمّا بلغ عليّاً عليه السلام غارة الضحّاک بن قيس وقتله ابن عميس-: يا أهل الکوفة! اخرجوا إلي العبد الصالح وإلي جيش لکم قد اُصيب منه طرف، اخرجوا فقاتلوا عدوّکم، وامنعوا حريمکم إن کنتم فاعلين.

قال: فردّوا عليه ردّاً ضعيفاً، ورأي منهم عجزاً وفشلاً.

فقال: واللَّه لوددت أنّ لي بکلّ ثمانية منکم رجلاً منهم، ويحَکم! اخرجوا معي ثمّ فرّوا عليَّ إن بدا لکم، فواللَّه ما أکره لقاء ربّي علي نيّتي وبصيرتي، وفي ذلک رَوْح لي عظيم، وفرج من مناجاتکم ومقاساتکم ومداراتکم مثل ما تُداري البَکار العَمِدة أو الثياب المتهتّرة، کلّما خِيطت من جانب تهتکّت من جانب علي صاحبها.[15] .

2858- الإمام عليّ عليه السلام- من کلام له بعد غارة الضحّاک بن قيس صاحب معاوية علي الحاجّ بعد قصّة الحَکَمين وفيها يستنهض أصحابه لِما حدث في الأطراف-: أيّها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، کلامکم يُوهي الصمّ الصلاب، وفعلکم يُطمع فيکم الأعداء؛ تقولون في المجالس کيت وکيت، فإذا جاء القتال قلتم: حِيدي حَيادِ.[16] .

ما عزّت دعوة من دعاکم، ولا استراح قلب من قاساکم، أعاليل بأضاليل،

[صفحه 131]

وسألتموني التطويل، دفاع ذي الدَّين المَطول، لا يمنع الضيمَ الذليلُ، ولا يُدرَک الحقُّ إلّا بالجدّ.

أيَّ دار بعد دارکم تمنعون، ومع أيّ إمام بعدي تُقاتلون؟ المغرور واللَّه من غررتموه.

ومن فاز بکم فقد فاز- واللَّه- بالسهم الأخيب، ومن رمي بکم فقد رمي بأفْوَقَ[17] ناصل، أصبحت واللَّه لا اُصدّق قولکم، ولا أطمع في نصرکم، ولا اُوعد العدوّ بکم، ما بالُکم ؟ ما دواؤکم؟ ما طبُّکم؟ القوم رجال أمثالکم، أ قَولاً بغير علمٍ، وغفلة من غير ورع، وطمعاً في غير حقّ؟[18] .



صفحه 127، 128، 129، 130، 131.





  1. المَسْلَحة: القومُ الذين يَحفَظُون الثُّغور من العدوّ. والجمع: مسالح (النهاية: 388:2).
  2. القطقطانة: موضع قرب الکوفة من جهة البرّية (معجم البلدان: 374:4).
  3. الغَرِيّان: تثنية الغريّ، وهما بناءان کالصومعتين بظاهر الکوفة (معجم البلدان: 196:4).
  4. سرَّحتُ فلاناً إلي موضع کذا: إذا أرسلته (لسان العرب: 479:2).
  5. السَّمَاوَة: بادية بين الکوفة والشام قفري (معجم البلدان: 245:3). واليوم هي مدينة من مدن العراق الجنوبيّة الواقعة علي ضفاف الفرات، بين مدينتي الناصريّة والديوانيّة.
  6. الغارات: 421:2، الإرشاد: 271:1 نحوه إلي «من جانب آخر»؛ أنساب الأشراف: 197:3 نحوه.
  7. وَاقِصَة: منزل بطريق مکّة بين القرعاء وعقبة الشيطان (راجع معجم البلدان: 354:5).
  8. تاريخ الطبري: 135:5، الکامل في التاريخ: 426:2 نحوه.
  9. يُقال أدلج: إذا سار من أوّل الليل (النهاية: 129:2).
  10. تاريخ اليعقوبي: 196:2.
  11. في المصدر: «ابن عميش»، والصحيح ما أثبتناه.
  12. الغُمر: الجاهل الغرّ الذي لم يجرّب الاُمور (النهاية: 385:3).
  13. حاصَ الثوبَ: خاطَه (النهاية: 461:1).
  14. تاريخ اليعقوبي:195:2.
  15. الإرشاد: 271:1، الغارات: 423:2 عن أبي روق عن أبيه؛ أنساب الأشراف: 198:3 کلاهما نحوه وراجع تاريخ اليعقوبي: 195:2.
  16. حِيدِي: أي مِيلي. وحَيَادِ بوَزن قَطَامِ (النهاية: 466:1).
  17. أي رَمَي بسَهم مُنکسر الفُوْق لانَصلَ فيه. والفُوْق: مَوضع الوَتَر منه (النهاية: 480:3).
  18. نهج البلاغة: الخطبة 29، الإرشاد: 273:1، الأمالي للطوسي: 302:180؛ أنساب الأشراف: 154:3 کلاهما عن جندب بن عبد اللَّه الأزدي، البيان والتبيين: 56:2، الإمامة والسياسة: 171:1 کلّها نحوه إلي «لا أطمع في نصرکم».