غارة سفيان بن عوف











غارة سفيان بن عوف



2843- الغارات عن سفيان بن عوف الغامدي: دعاني معاوية فقال:

إنّي باعثک في جيش کثيف ذي أداة وجلادة فالزم لي جانب الفرات حتي تمرّ بهيت[1] فتقطعها، فإن وجدت بها جنداً فأغر عليهم وإلّا فامض حتي تغير علي الأنبار، فإن لم تجد بها جنداً فامض حتي تغير علي المدائن ثمّ أقبل إليّ، واتّق أن تقرب الکوفة، واعلم أنّک إن أغرت علي أهل الأنبار وأهل المدائن فکأنّک أغرت علي الکوفة، إنّ هذه الغارات يا سفيان علي أهل العراق ترهب قلوبهم وتجرّئ کلّ من کان له فينا هويً منهم ويري فراقهم، وتدعو إلينا کلّ من کان

[صفحه 117]

يخاف الدوائر، وخرّب کلّ ما مررت به من القري، واقتل کلّ من لقيت ممّن ليس هو علي رأيک، واحرب[2] الأموال، فإنّه شبيه بالقتل وهو أوجع للقلوب.[3] .

2844- الکامل في التاريخ: وجّه معاوية في هذه السنة ]39 ه] أيضاً سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل، وأمره أن يأتي هيت فيقطعها، ثمّ يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها.

فأتي هيت فلم يجد بها أحداً، ثمّ أتي الأنبار وفيها مسلحة لعليّ تکون خمسمائة رجل وقد تفرّقوا ولم يبق منهم إلّا مائتا رجل، وکان سبب تفرّقهم أنّه کان عليهم کميل بن زياد، فبلغه أنّ قوماً بقرقيسيا يريدون الغارة علي هيت فسار إليهم بغير أمر عليّ.

فأتي أصحاب سفيان وکميل غائب عنها، فأغضب ذلک عليّاً علي کميل، فکتب إليه ينکر ذلک عليه. وطمع سفيان في أصحاب عليّ لقلّتهم فقاتلهم، فصبر أصحاب عليّ ثمّ قُتل صاحبهم، وهو أشرس بن حسان البکري، وثلاثون رجلاً، واحتملوا ما في الأنبار من أموال أهلها ورجعوا إلي معاوية. وبلغ الخبر عليّاً فأرسل في طلبهم فلم يدرکوا.[4] .

2845- تاريخ اليعقوبي: أغار سفيان بن عوف علي الأنبار، فقتل أشرس بن

[صفحه 118]

حسان البکري، فأتبعه عليّ سعيد بن قيس، فلمّا أحسّ به انصرف مولّياً، وتبعه سعيد إلي عانات فلم يلحقه.[5] .

2846- الغارات عن محمّد بن مخنف: إنّ سفيان بن عوف لمّا أغار علي الأنبار قدم علج[6] من أهلها علي عليّ عليه السلام فأخبره الخبر.

فصعد المنبر فقال: أيّها الناس! إنّ أخاکم البکري قد اُصيب بالأنبار وهو معتزّلا يخاف ما کان، فاختار ما عند اللَّه علي الدنيا فانتدبوا إليهم حتي تلاقوهم، فإنْ أصبتم منهم طرفاً أنکلتموهم عن العراق أبداً ما بقوا.

ثمّ سکت عنهم رجاء أنْ يجيبوه أو يتکلّموا، أو يتکلّم متکلّم منهم بخير فلم ينبس أحد منهم بکلمة، فلمّا رأي صمتهم علي ما في أنفسهم نزل فخرج يمشي راجلاً حتي أتي النخيلة والناس يمشون خلفه حتي أحاط به قوم من أشرافهم، فقالوا: ارجع يا أميرالمؤمنين نحن نکفيک.

فقال: ما تکفونني ولا تکفون أنفسکم، فلم يزالوا به حتي صرفوه إلي منزله، فرجع وهو واجم کئيب.

ودعا سعيد بن قيس الهمداني فبعثه من النخيلة بثمانية آلاف، وذلک أنّه أخبر: أنّ القوم جاؤوا في جمع کثيف.

فقال له: إنّي قد بعثتک في ثمانية آلاف، فاتّبع هذا الجيش حتي تخرجه من أرض العراق.

[صفحه 119]

فخرج علي شاطئ الفرات في طلبه حتي إذا بلغ عانات سرّح أمامه هانئ بن الخطّاب الهمداني، فاتّبع آثارهم حتي إذا بلغ أداني أرض قنسرين[7] وقد فاتوه، ثمّ انصرف.

قال: فلبث عليّ عليه السلام تري فيه الکآبة والحزن حتي قدم عليه سعيد بن قيس فکتب کتاباً، وکان في تلک الأيّام عليلاً فلم يطق علي القيام في الناس بکلّ ما أراد من القول، فجلس بباب السدّة التي تصل إلي المسجد، ومعه الحسن والحسين عليهماالسلام وعبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب، فدعا سعداً مولاه فدفع الکتاب إليه فأمره أن يقرأه علي الناس، فقام سعد بحيث يسمع عليّ قراءته وما يردّ عليه الناس، ثمّ قرأ الکتاب:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

من عبد اللَّه عليّ إلي مَنْ قُرئ عليه کتابي من المسلمين، سلام عليکم.

أمّا بعد، فالحمد للَّه ربّ العالمين، وسلام علي المرسلين، ولا شريک للَّه الأحد القيّوم، وصلوات اللَّه علي محمّد والسلام عليه في العالمين.

أمّا بعد، فإنّي قد عاتبتکم في رشدکم حتي سئمت، أرجعتموني بالهزء من قولکم حتي برمت، هزء من القول لا يعاديه، وخطل من يعزّ أهله، ولو وجدت بدّاً من خطابکم والعتاب إليکم ما فعلت، وهذا کتابي يقرأ عليکم فردّوا خيراً وافعلوه، وما أظنّ أن تفعلوا، فاللَّه المستعان.[8] .

[صفحه 120]

2847- الإمام عليّ عليه السلام- لمّا بلغه إغارة أصحاب معاوية علي الأنبار،[9] فخرج بنفسه ماشياً حتي أتي النخيلة فأدرکه الناس، وقالوا: يا أميرالمؤمنين نحن نکفيکهم:

ما تکفونني أنفسکم، فکيف تکفونني غيرکم؟ إن کانت الرعايا قبلي لتشکو حيف رعاتها، وإنّني اليوم لأشکو حيف رعيّتي، کأنّني المقود وهم القادة، أو الموزوع وهم الوزعة.[10] .

2848- عنه عليه السلام- من خطبته لأهل الکوفة بعد تحريضهم علي قتال سفيان بن عوف الذي غار علي الأنبار، بعد إباء أصحابه عليه السلام عن القتال-: أيّها الناس المجتمعة أبدانُهم، المتفرّقة أهواؤهم، ما عزّ من دعاکم، ولا استراح من قاساکم، کلامکم يُوِهن الصمّ الصلاب، وفعلکم يُطمع فيکم عدوّکم، إن قلت لکم: سيروا إليهم في الحرّ، قلتم: أمهلنا ينسلخ عنّا الحرّ، وإن قلت لکم: سيروا إليهم في الشتاء، قلتم: أمهلنا حتي ينسلخ عنّا البرد، فعْلَ ذي الدَّين المَطول. من فاز بکم فاز بالسهم الأخيب. أصبحت لا اُصدّق قولکم، ولا أطمع في نصرکم، فرّق اللَّه بيني وبينکم.

أيّ دار بعد دارکم تمنعون؟! ومع أيّ إمام بعدي تقاتلون؟! أما إنّکم ستلقَون

[صفحه 121]

بعدي أثَرةً يتّخذها عليکم الضُّلّال سُنّة، وفقراً يدخل بيوتکم، وسيفاً قاطعاً، وتتمنّون عند ذلک أنّکم رأيتموني وقاتلتم معي وقُتلتم دوني.[11] .

2849- عنه عليه السلام- من کلام له عليه السلام في استنهاض الناس-: ألا وإنّي قد دعوتکم إلي قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسرّاً وإعلاناً، وقلت لکم: اغزوهم قبل أن يغزوکم، فواللَّه ما غُزِي قوم قطّ في عقر دارهم إلّا ذلّوا. فتواکلتم وتخاذلتم حتي شُنّت عليکم الغارات، ومُلکت عليکم الأوطان.

هذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار، وقتل حسّان بن حسّان البکري، وأزال خيلکم عن مَسالحها، وقد بلغني أنّ الرجل منهم کان يدخل علي المرأة المسلمة، والاُخري المعاهدة، فينتزع حجلها، وقُلْبها[12] وقلائدها ورعاثها،[13] ما تمنع منه إلّا بالاسترجاع والاسترحام.

ثمّ انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم کَلْم،[14] ولا اُريق لهم دم، فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما کان به ملوماً، بل کان عندي به جديراً، فيا عجباً عجباً واللَّه يُميث القلب ويجلب الهمّ من اجتماع هؤلاء علي باطلهم، وتفرّقکم عن حقّکم! فقبحاً لکم وتَرَحاً، حين صرتم غرضاً يُرمي، يغار عليکم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تَغزون، ويُعصي اللَّه وترضَون! فإذا أمرتکم بالسير إليهم في أيّام الحرّ قلتم: هذه حمارّة القيظ، أمهِلْنا يُسَبَّخُ[15] عنَّا الحرّ، وإذا أمرتکم

[صفحه 122]

بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارّة القرّ، أمهلنا ينسلخ عنّا البرد، کلّ هذا فراراً من الحرّ والقرّ، فإذا کنتم من الحرّ والقرّ تفرّون، فأنتم واللَّه من السيف أفرّ! يا أشباه الرجال ولا رجال! حُلوم الأطفال، وعقول ربّات الحجال، لوددت أنّي لم أرَکم ولم أعرفکم معرفةً واللَّه جرّت ندماً، وأعقبت ذمّاً.

قاتلکم اللَّه! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرّعتموني نُغَبَ التَّهْمامِ[16] أنفاساً، وأفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان حتي لقد قالت قريش: إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع، ولکن لا علم له بالحرب.

للَّه أبوهم! وهل أحد منهم أشدّ لها مِراساً، وأقدم فيها مقاماً منّي! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا قد ذرّفت علي الستّين! ولکن لا رأيَ لمن لا يُطاع![17] .

2850- الأمالي للطوسي عن ربيعة بن ناجذ: لمّا وجّه معاوية بن أبي سفيان، سفيانَ بن عوف الغامدي إلي الأنبار للغارة، بعثه في ستّة آلاف فارس، فأغار علي هِيت والأنبار، وقتل المسلمين، وسبي الحريم، وعرض الناس علي البراءة من أميرالمؤمنين عليه السلام، استنفر أميرالمؤمنين عليه السلام الناس، وقد کانوا تقاعدوا عنه، واجتمعوا علي خذلانه، وأمر مناديه في الناس فاجتمعوا، فقام خطيباً، فحمد اللَّه واثني عليه وصلّي علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثمّ قال:

أمّا بعد: أيّها الناس، فو اللَّه لأهل مصرکم في الأمصار أکثر في العرب من

[صفحه 123]

الأنصار، وما کانوا يوم عاهدوا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن يمنعوه ومن معه من المهاجرين حتي يُبلِّغ رسالات اللَّه إلّا قبيلتين صغيرٌ مولدُهما، ما هما بأقدم العرب ميلاداً، ولا بأکثره عدداً، فلما آوَوا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأصحابه، ونصروا اللَّه ودينه، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحالفت عليهم اليهود، وغزتهم القبائل قبيلة بعد قبيلة، فتجرّدوا للدين، وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل، وما بينهم وبين اليهود من العهود، ونصبوا لأهل نجد وتهامة، وأهل مکّة واليمامة، وأهل الحَزَن وأهل السهل؛ قناةَ الدين والصبر تحت حماس الجلاد، حتي دانت لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله العرب، فرأي فيهم قرّة العين قبل أن يقبضه اللَّه إليه، فأنتم في الناس أکثر من اُولئک في أهل ذلک الزمان من العرب.

فقام إليه رجل آدم طوال، فقال: ما أنت کمحمّد! ولا نحن کاُولئک الذين ذکرت؛ فلا تُکلِّفنا مالا طاقة لنا به! فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: أحسِنْ مسمعاً تُحِسن إجابةً، ثکلتکم الثواکل! ما تزيدونني إلّا غمّاً، هل أخبرتکم أنّي مثل محمّد صلي الله عليه و آله، وأنّکم مثل أنصاره، وإنّما ضربت لکم مثلاً، وأنا أرجو أن تأسَوا بهم.

ثمّ قام رجل آخر فقال: ما أحوج أميرالمؤمنين عليه السلام ومن معه إلي أصحاب النهروان، ثمّ تکلّم الناس من کلّ ناحية ولغطوا، فقام رجل فقال بأعلي صوته: استبان فَقْدُ الأشتر علي أهل العراق؛ لو کان حيّاً لقلّ اللغط، ولعلم کلّ امرئ ما يقول.

فقال لهم أميرالمؤمنين- صلوات اللَّه عليه-: هبلتکم الهوابل! لأنا أوجب عليکم حقّاً من الأشتر، وهل للأشتر عليکم من الحقّ إلّا حقّ المسلم علي المسلم؟ وغضب فنزل.

فقام حجر بن عديّ وسعد بن قيس، فقالا:لا يسوؤک اللَّه يا أميرالمؤمنين،

[صفحه 124]

مُرْنا بأمرک نتَّبْعه، فو اللَّه العظيم ما يعظم جزعنا علي أموالنا أن تفرّق، ولا علي عشائرنا أن تُقتل في طاعتک، فقال لهم: تجهّزوا للسير إلي عدوّناً.

ثمّ دخل منزله عليه السلام ودخل عليه وجوه أصحابه، فقال لهم: اشيروا عليّ برجل صليب ناصح يحشر الناس من السواد، فقال سعد بن قيس: عليک يا أمير المؤمنين بالناصح الأريب الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمي، قال: نعم، ثمّ دعاه فوجّهه وسار، ولم يعُد حتي اُصيب أميرالمؤمنين عليه السلام.[18] .



صفحه 117، 118، 119، 120، 121، 122، 123، 124.





  1. هِيْت: مدينة علي الفرات فوق الأنبار (تقويم البلدان: 299).
  2. الحَرَب: نهبُ مَالِ الإنسان وتَرْکُه لا شي ء له (النهاية: 358:1).
  3. الغارات: 464:2؛ شرح نهج البلاغة: 85:2.
  4. الکامل في التاريخ: 425:2، تاريخ الطبري: 134:5، البداية والنهاية: 320:7 وزاد في آخرهما «بلغ الخبر عليّاً عليه السلام فخرج حتي أتي النُّخَيلة، فقال له الناس: نحن نکفيک، قال: ما تکفونني ولا أنفسکم، وسرّح سعيد بن قيس في أثر القوم، فخرج في طلبهم حتي جاز هيت، فلم يلحقهم فرجع»، الفتوح: 225:4 کلّها نحوه وراجع أنساب الأشراف: 231:3 ودعائم الإسلام: 390:1.
  5. تاريخ اليعقوبي: 196:2.
  6. العِلْجُ: الرَّجُل القَويّ الضَّخْم (النهاية: 286:3).
  7. قِنَّسْرِين: مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص، وفي جبلها مشهد يقال إنّه قبر صالح النبي عليه السلام (معجم البلدان: 403:4).
  8. الغارات: 470:2.
  9. الأنبار: مدينة صغيرة کانت عامرة أيّام الساسانيّين، وآثارها غرب بغداد علي بُعد ستين کيلو متراً مشهودة. وسبب تسميتها بالأنبار هو أنّها کانت مرکزاً لخزن الحنطة والشعير والتبن للجيوش، وإلّا فإنّ الإيرانيّين کانوا يسمّونها «فيروز شاپور». فتحت علي يد خالد بن الوليد عام (12 ه) وقد اتّخذها السفّاح - أوّل خلفاء بني العبّاس - مقرّاً له مدّة من الزمان.
  10. نهج البلاغة: الحکمة 261، عيون الحکم والمواعظ: 3490:164 وفيه من «إن کانت الرعايا».
  11. الغارات: 483:2 عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي.
  12. القُلْب: السِّوار (النهاية: 98:4).
  13. الرَّعْث: القِرَطة؛ وهي من حُلِيّ الاُذُن (النهاية: 234:2).
  14. الکَلْم: الجَرْح (النهاية: 199:4).
  15. أي يخفّ، وتسبّخ الحرّ: سکن وفتر (لسان العرب: 23:3).
  16. نُغَب: جمع نُغبة؛ أي جُرْعة (لسان العرب: 765:1) والتهمام، من الهمّ.
  17. الکافي: 6:4:5 عن أبي عبد الرحمن السلمي، نهج البلاغة: الخطبة 27، الغارات: 475:2 عن محمّد بن مخنف؛ البيان والتبيين: 53:2، أنساب الأشراف: 201:3 والثلاثة الأخيرة نحوه وراجع الإرشاد: 279:1.
  18. الأمالي للطوسي: 293:173، الغارات: 479:2؛ شرح نهج البلاغة: 89:2 کلاهما نحوه.