هجوم ابن الحضرمي علي البصرة











هجوم ابن الحضرمي علي البصرة



2839- تاريخ الطبري عن أبي نعامة: لما قتل محمّد بن أبي بکر بمصر، خرج ابن عبّاس من البصرة إلي علي بالکوفة واستخلف زياداً، وقدم ابن الحضرمي من قبل معاوية فنزل في بني تميم، فأرسل زياد إلي حضين بن المنذر ومالک بن مسمع فقال: أنتم يا معشر بکر بن وائل من أنصار أميرالمؤمنين وثقاته، وقد نزل ابن الحضرمي حيث ترون وأتاه من أتاه، فامنعوني حتي يأتيني رأي أميرالمؤمنين.

فقال حضين: نعم. وقال مالک:- وکان رأيه مائلاً إلي بني أمية وکان مروان لجأ إليه يوم الجمل- هذا أمر لي فيه شرکاء أستشير وأنظر.

فلما رأي زياد تثاقل مالک خاف أن تختلف ربيعة، فأرسل إلي نافع أن أشر علي فأشار عليه نافع بصبرة بن شيمان الحدّاني، فأرسل إليه زياد فقال: ألا تجيرني وبيت مال المسلمين فإنه فيؤکم وأنا أمين أميرالمؤمنين؟

[صفحه 112]

قال: بلي إن حملته إلي ونزلت داري.

قال: فإني حامله، فحمله وخرج زياد حتي أتي الحدّان ونزل في دار صبرة بن شيمان، وحوّل بيت المال والمنبر فوضعه في مسجد الحدّان، وتحوّل مع زياد خمسون رجلاً منهم أبو أبي حاضر.

وکان زياد يصلّي الجمعة في مسجد الحدّان ويطعم الطعام.

فقال زياد لجابر بن وهب الراسبي: يا أبا محمّد إنّي لا أري ابن الحضرمي يکفّ، ولا أراه إلّا سيقاتلکم، ولا أدري ما عند أصحابک فآمرهم وانظر ما عندهم، فلما صلّي زياد جلس في المسجد، واجتمع الناس إليه فقال جابر: يا معشر الأزد، تميم تزعم أنهم هم الناس وأنهم أصبر منکم عند البأس، وقد بلغني أنهم يريدون أن يسيروا إليکم حتي يأخذوا جارکم ويخرجوه من المصر قسراً، فکيف أنتم إذا فعلوا ذلک وقد أجرتموه وبيت مال المسلمين؟!

فقال صبرة بن شيمان، وکان مفخّماً: إن جاء الأحنف جئت، وإن جاء الحُتات جئت، وإن جاء شُبّان ففينا شُبّان.

فکان زياد يقول: إنّني استضحکت ونهضت، وما کدت مکيدة قطّ کنت إلي الفضيحة بها أقرب منّي للفضيحة يومئذٍ لما غلبني من الضحک.

قال: ثمّ کتب زياد إلي عليّ: إنّ ابن الحضرمي أقبل من الشام فنزل في دار بني تميم، ونعي عثمان ودعا إلي الحرب وبايعته تميم وجلّ أهل البصرة، ولم يبقَ معي من أمتنع به، فاستجرت لنفسي ولبيت المال صبرة بن شيمان، وتحوّلت فنزلت معهم، فشيعة عثمان يختلفون إلي ابن الحضرمي.

فوجّه عليّ أعين بن ضُبيعة المجاشعي ليفرّق قومه عن ابن الحضرمي، فانظر

[صفحه 113]

ما يکون منه، فإن فرّق جمع ابن الحضرمي فذلک ما تريد، وان ترقت بهم الأمور إلي التمادي في العصيان فانهض اليهم فجاهدهم، فإن رأيت ممّن قِبلک تثاقلاً وخفت أن لا تبلغ ما تريد، فدارهم وطاولهم ثمّ تسمّع وأبصر، فکأن جنود اللَّه قد أظلتک تقتل الظالمين.

فقدم أعين فأتي زياداً فنزل عنده، ثمّ أتي قومه وجمع رجالاً ونهض إلي ابن الحضرمي، فدعاهم فشتموه وناوشوه فانصرف عنهم، ودخل عليه قوم فقتلوه.

فلما قتل أعين بن ضبيعة أراد زياد قتالهم، فأرسلت بنو تميم إلي الأزد: إنّا لم نعرض لجارکم ولا لأحد من أصحابه، فماذا تريدون إلي جارنا وحربنا؟ فکرهت الأزد القتال وقالوا: إن عرضوا لجارنا منعناهم، وإن يکفّوا عن جارنا کففنا عن جارهم فأمسکوا.

وکتب زياد إلي عليّ: أنّ أعين بن ضُبيعة قدم فجمع من أطاعه من عشيرته، ثمّ نهض بهم بجدّ وصدق نيّة إلي ابن الحضرمي، فحثّهم علي الطاعة ودعاهم إلي الکفّ والرجوع عن شقاقهم، ووافقتهم عامّة قوم فهالهم ذلک، وتصدّع عنهم کثير ممّن کان معهم يمنّيهم نصرته، وکانت بينهم مناوشة، ثمّ انصرف إلي أهله فدخلوا عليه فاغتالوه فاُصيب رحم اللَّه أعين، فأردت قتالهم عند ذلک فلم يخفّ معي من أقوي به عليهم، وتراسل الحيّان فأمسک بعضهم عن بعض.

فلما قرأ علي کتابه دعا جارية بن قدامة السعدي فوجهه في خمسين رجلاً من بني تميم، وبعث معه شريک بن الأعور ويقال: بعث جارية في خمسمائة رجل، وکتب إلي زياد کتاباً يصوّب رأيه فيما صنع وأمره بمعونة جارية بن قدامة والإشارة عليه، فقدم جارية البصرة، فأتي زياداً فقال له: احتفز واحذر أن يصيبک ما أصاب صاحبک، ولا تثقنّ بأحد من القوم.

[صفحه 114]

فسار جارية إلي قومه فقرأ عليهم کتاب عليّ ووعدهم، فأجابه أکثرهم، فسار إلي ابن الحضرمي فحصره في دار سُنبيل ثمّ أحرق عليه الدار وعلي من معه، وکان معه سبعون رجلاً- ويقال أربعون- وتفرّق الناس ورجع زياد إلي دار الإمارة، وکتب إلي عليّ مع ظبيان بن عمارة وکان ممّن قدم مع جارية... وأنّ جارية قدم علينا فسار إلي ابن الحضرمي فقتله حتي اضطره إلي دار من دور بني تميم في عدّة رجال من أصحابه بعد الإعذار والإنذار والدعاء إلي الطاعة، فلم ينيبوا ولم يرجعوا، فأضرم عليهم الدار فأحرقهم فيها وهدمت عليهم، فبُعداً لمن طغي وعصي.[1] .



صفحه 112، 113، 114.





  1. تاريخ الطبري: 110:5، الکامل في التاريخ: 415:2 نحوه وراجع الغارات: 373:2 تا 412.