السياسة العلوية والسياسة الاُمويّة











السياسة العلوية والسياسة الاُمويّة



بعد أن تحمّل معاوية مرارة الانکسار في صفّين توصّل إلي هذه النتيجة وهي عدم قدرته علي مواجهة الإمام وجهاً لوجه، فانتهج اُسلوباً آخر من أجل الوصول إلي أهدافه وأطماعه المشؤومة، فاتّخذ سياسة غير إسلاميّة و غير إنسانيّة في مواجهة الإمام؛ وهي سياسة الإيذاء المباغت، من قبيل: الاغتيال، وإحراق المنازل والبيوت، ونهب الأموال، وإثارة الرعب والخوف بين الناس، وسلب الأمن عن البلاد الإسلاميّة.

وفي هذا المجال کتب المسعودي- المؤرّخ المعروف-: «وکان معاوية في بقيّة أيّام عليّ يبعث سرايا تُغير، وکذلک عليّ کان يبعث من يمنع سرايا معاوية من أذيّة الناس».[1] .

[صفحه 110]

وقد رام معاويةُ بانتهاجه هذه السياسة اللئيمة الخطرة الأهدافَ التالية:

1- زرع اليأس في قلوب الناس من حکومة الإمام عليه السلام، وکسر مقاومتهم ومنعهم عن الاستمرار في معاضدة الإمام.

2- السيطرة علي المحالّ التي لها موقع سياسي هامّ کالبصرة ومصر.

3- إلجاء الإمام إلي المقابلة بالمثل، وإزالة قدسيّة الإمام من أذهان الناس.

4- استغلال غطاء «عهد الصلح» المشروط- الذي أمضاه الإمام في التحکيم- لخدمة مصالحه وأهدافه، وبالتالي دفع الإمام لنقض العهد المذکور.

والذي ساعد علي إيجاد أرضيّة مناسبة لهذه السياسة الخطرة هو استشهاد جملة من أرکان جيش الإمام من جانب، ومن جانب آخر تعب جيش الإمام وعدم طاعتهم لقائدهم.

لکنّ الإمام عليه السلام- في ذلک الظرف الحسّاس- لم يتخطّ حدود العدالة مقدار أنملة، وأبقي درساً عمليّاً للحکومات التي تريد الاستنارة بنهجه في الوفاء والثبات علي هذه السياسة المبارکة، بل لم يکن حاضراً لنقض ذلک العهد المشروط الذي اُلجئ إلي قبوله. وإليک کلام الإمام عليه السلام في هذا المجال:

2838- الإرشاد: ومن کلامه عليه السلام لما نقض معاوية بن أبي سفيان شرط الموادعة وأقبل يشنّ الغارات علي أهل العراق، فقال بعد حمد اللَّه والثناء عليه:

ما لمعاوية قاتله اللَّه؟! لقد أرادني علي أمر عظيم، أراد أنْ أفعل کما يفعل، فأکون قد هتکتُ ذمّتي ونقضتُ عهدي، فيتّخذها عليَّ حجّة، فتکون عليَّ شيناً إلي يوم القيامة کلّما ذُکرت.

فإن قيل له: أنت بدأت، قال: ما علمتُ ولا أمرتُ، فمن قائل يقول: قد

[صفحه 111]

صدق، ومن قائل يقول: کذب.

أمَ واللَّه، إنّ اللَّه لذو أناة وحلم عظيم، لقد حلُم عن کثير من فراعنة الأوّلين وعاقب فراعنة، فإنْ يُمهله اللَّه فلن يفوته، وهو له بالمرصاد علي مجاز طريقه.

فليصنع ما بدا له فإنّا غير غادرين بذمّتنا، ولا ناقضين لعهدنا، ولا مروّعين لمسلم ولا معاهد، حتي ينقضي شرط الموادعة بيننا، إن شاء اللَّه.[2] .



صفحه 110، 111.





  1. مروج الذهب: 421:2.
  2. الإرشاد: 275:1.