التحذير من غلبة أهل الشام











التحذير من غلبة أهل الشام



2755- الإمام عليّ عليه السلام- من کلام له في أصحابه-: أما والذي نفسي بيده، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليکم؛ ليس لأنّهم أولي بالحقّ منکم، ولکن لإسراعهم إلي باطل صاحبهم، وإبطائکم عن حقّي. ولقد أصبحت الاُمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحتُ أخاف ظلم رعيّتي.

استنفرتکم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتکم فلم تسمعوا، ودعوتکم سرّاً وجهراً فلم تستجيبوا، ونصحت لکم فلم تقبلوا، أشهود کغيّاب، وعبيد کأرباب! أتلو عليکم الحِکَم فتنفرون منها، وأعظکم بالموعظة البالغة فتتفرّقون عنها، وأحثّکم علي جهاد أهل البغي فما آتي علي آخر قولي حتي أراکم متفرّقين أيادي سبأ،[1] .

[صفحه 14]

ترجعون إلي مجالسکم، وتتخادعون عن مواعظکم، اُقوّمکم غُدوةً، وترجعون إليّ عشيّةً، کظهر الحَنِيّة،[2] عَجَز المقوِّم، وأعضلَ المُقوَّم.

أيّها القوم الشاهدة أبدانُهم، الغائبة عنهم عقولُهم، المختلفة أهواؤهم، المُبتلَي بهم اُمراؤهم، صاحبکم يُطيع اللَّه وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي اللَّه وهم يطيعونه، لوددت واللَّه أنّ معاوية صارفني بکم صرف الدينار بالدرهم؛ فأخذ منّي عشرة منکم، وأعطاني رجلاً منهم!

يا أهل الکوفة! مُنيت منکم بثلاث واثنتين: صُمٌّ ذوو أسماع، وبکمٌ ذوو کلام، وعُميٌ ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء! تَرِبت أيديکم! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها! کلّما جُمعت من جانب تفرّقت من آخر، واللَّه لکأنّي بکم فيما إخالُکم[3] أن لو حَمِس الوغي، وحمي الضراب، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قُبُلِها،[4] وإنّي لعلي بيّنة من ربّي، ومنهاج من نبيّي، وإنّي لعلي الطريق الواضح أَلقُطُه لَقْطاً.[5] .

2756- عنه عليه السلام- في استنفار الناس إلي أهل الشام-: أ لا ترون يا معاشر أهل الکوفة، واللَّه لقد ضربتکم بالدرّة التي أعظ بها السفهاء، فما أراکم تنتهون، ولقد ضربتکم بالسياط التي اُقيم بها الحدود، فما أراکم ترعوون، فما بقي إلّا سيفي، وإنّي لأعلم الذي يقوّمکم بإذن اللَّه، ولکنّي لا اُحبّ أن ألي تلک منکم.

[صفحه 15]

والعجب منکم ومن أهل الشام، أنّ أميرهم يعصي اللَّه وهم يُطيعونه، وأنّ أميرکم يطيع اللَّه وأنتم تعصونه! إن قلت لکم: انفروا إلي عدوّکم، قلتم: القرّ يمنعنا! أفترَون عدوّکم لا يجدون القرّ کما تجدونه؟ ولکنّکم أشبهتم قوماً قال لهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: انفروا في سبيل اللَّه، فقال کبراؤهم: لا تنفروا في الحرّ، فقال اللَّه لنبيّه: «قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ کَانُواْ يَفْقَهُونَ».[6] .

واللَّه لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا علي أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بحذافيرها علي الکافر ما أحبّني، وذلک أنّه قضي ما قضي علي لسان النبيّ الاُمّي أنّه لا يبغضک مؤمن، ولا يحبّک کافر، وقد خاب من حمل ظلماً وافتري.

يا معاشر أهل الکوفة! واللَّه لتصبرُنّ علي قتال عدوّکم، أو ليسلّطن اللَّه عليکم قوماً أنتم أولي بالحقّ منهم، فليعذِّبُنّکم، وليعذِّبَنّهم اللَّه بأيديکم أو بما شاء من عنده، أفمِن قتلةٍ بالسيف تحيدون إلي موتةٍ علي الفراش؟! فاشهدوا أنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: موتةٌ علي الفراش أشدُّ من ضربة ألف سيف.[7] .

2757- الإرشاد- من کلامه عليه السلام في استبطاء من قعد عن نصرته-: ما أظنّ هؤلاء القوم- يعني أهل الشام- إلّا ظاهرين عليکم، فقالوا له: بماذا يا أميرالمؤمنين؟

قال: أري اُمورهم قد علت ونيرانکم قد خَبتْ، وأراهم جادّين وأراکم وانين، وأراهم مجتمعين وأراکم متفرّقين، وأراهم لصاحبهم مطيعين وأراکم لي عاصين.

[صفحه 16]

أمَ واللَّه لئن ظهروا عليکم لتجدنّهم أرباب سوء من بعدي لکم، لکأنّي أنظر إليهم وقد شارکوکم في بلادکم، وحملوا إلي بلادهم فيئکم، وکأنّي أنظر إليکم تَکِشّون[8] کشيش الضِّباب؛ لا تأخذون حقّاً ولا تمنعون للَّه حرمة، وکأنّي أنظر إليهم يقتلون صالحيکم، ويُخيفون قرّاءکم، ويحرمونکم ويحجبونکم، ويُدنون الناس دونکم، فلو قد رأيتم الحرمان والأثَرة، ووقع السيف، ونزول الخوف، لقد ندمتم وخسرتم علي تفريطکم في جهادهم، وتذاکرتم ما أنتم فيه اليوم من الخَفْض[9] والعافية حين لا ينفعکم التَّذکار.[10] .



صفحه 14، 15، 16.





  1. أيادي سبأ: مَثَل يضرب للمتفرّقين وأصله قوله تعالي عن أهل سبأ: «وَ مَزَّقْنَهُمْ کُلَّ مُمَزَّقٍ» (شرح نهج البلاغة: 74:7).
  2. الحَنِيّة: القوس (لسان العرب: 203:14).
  3. إخالُکَ: أظنّکَ (لسان العرب: 226:11).
  4. انفراج المرأة عن قبلها يکون عند الولادة أو عندما يُشرع عليها سلاح. وفيه کناية عن العجز والدناءة في العمل.
  5. نهج البلاغة: الخطبة 97.
  6. التوبة: 81.
  7. الغارات: 42:1 عن فرقد البجلي؛ شرح نهج البلاغة: 195:2 عن رفيع بن فرقد البجلي نحوه.
  8. الکَشيش: الصوت يشوبه خَوَر مثل الخشخشة وکشيش الافعي: صوتها من جلدها لا من فمها. يقرّع عليه السلام أصحابه بالجبن والفشل ويقول لهم لکأنّي انظر إليکم واصواتکم غمغمة بينکم من الهلع الذي قد اعتراکم فهي أشبه شي ء بأصوات الضباب المجتمعة (شرح نهج البلاغة: 304:7).
  9. الخَفْض: الدَّعة والسکون (النهاية: 54:2).
  10. الإرشاد: 274:1، الغارات: 511:2 عن عمرو بن محصن؛ الإمامة والسياسة: 172:1 کلاهما نحوه.