ذمّ الإمام أصحابه لمّا كرهوا المسير إلي الشام











ذمّ الإمام أصحابه لمّا کرهوا المسير إلي الشام



2753- الغارات عن قيس بن السکن/ سمعت عليّاً عليه السلام يقول ونحن بمَسکِن:[1] يا معشر المهاجرين! «ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي کَتَبَ اللَّهُ لَکُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَي أَدْبَارِکُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَسِرِينَ».[2] فتلکّؤوا، وقالوا: البرد شديد، وکان غزاتهم في البرد.

فقال عليه السلام: إنّ القوم يجدون البرد کما تجدون. قال: فلم يفعلوا وأبوا، فلمّا رأي ذلک منهم قال: اُفٍّ لکم! إنّها سُنّة جرت عليکم.[3] .

2754- شرح نهج البلاغة عن أبي ودّاک: لمّا کره القوم المسير إلي الشام عقيب

[صفحه 11]

واقعة النهروان أقبل بهم أميرالمؤمنين، فأنزلهم النُّخَيلة، وأمر الناس أن يلزموا معسکرهم ويوطّنوا علي الجهاد أنفسهم، وأن يُقِلّوا زيارة النساء وأبنائهم حتي يسير بهم إلي عدوّهم، وکان ذلک هو الرأي لو فعلوه، لکنّهم لم يفعلوا، واقبلوا يتسلّلون ويدخلون الکوفة، فترکوه عليه السلام وما معه من الناس إلّا رجال من وجوههم قليل، وبقي المعسکر خالياً، فلا مَن دخل الکوفة خرج إليه، ولا من أقام معه صبر، فلمّا رأي ذلک دخل الکوفة.

قال نصر بن مزاحم: فخطب الناسَ بالکوفة، وهي أوّل خطبة خطبها بعد قدومه من حرب الخوارج، فقال:

أيّها الناس! استعدّوا لقتال عدوّ في جهادهم القربة إلي اللَّه عزّ وجلّ، ودرک الوسيلة عنده؛ قوم حَياري عن الحقّ لا يبصرونه موزَعِين[4] بالجور والظلم لا يعدلون به، جفاة عن الکتاب، نُکْب عن الدين، يعمهون[5] في الطغيان، ويتسکّعون في غمرة الضلال، فاعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل وتوکّلوا علي اللَّه، وکفي باللَّه وکيلاً.

قال: فلم ينفروا ولم يَنشَروا،[6] فترکهم أيّاماً، ثمّ خطبهم فقال:[7] اُفٍّ لکم! لقد سئمت عتابکم! أ رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً، وبالذلّ من العزّ خلفاً؟ إذا دعوتکم إلي جهاد عدوّکم دارت أعينکم، کأنّکم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سکرة. يُرتَج عليکم حِواري فتعمهون، فکأنّ قلوبکم مألوسة، فأنتم

[صفحه 12]

لا تعقلون، ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم برکنٍ يُمال بکم، ولا زوافر[8] عزّ يُفتقر إليکم. ما أنتم إلّا کإبل ضلّ رعاتها، فکلّما جُمعت من جانب انتشرت من آخر.

لبئس- لعمر اللَّه- سَعْر نار الحرب أنتم! تُکادون ولا تکيدون، وتُنْتَقص أطرافکم فلا تمتعضون، لا يُنام عنکم وأنتم في غفلة ساهون، غُلب واللَّه المتخاذلون! وايم اللَّه إنّي لأظنّ بکم أن لو حَمِس الوغي، واستحرّ الموت، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس.

واللَّه إنّ امرأً يمکّن عدوّه من نفسه يعرُق لحمه، ويهشِم عظمه، ويفري جلده، لعظيم عجَزُه، ضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره.

أنت فکن ذاک إن شئت؛ فأمّا أنا فواللَّه دون أن اُعطي ذلک ضربٌ بالمشرفيّة تطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والأقدام، ويفعل اللَّه بعد ذلک ما يشاء.

أيّها الناس، إنّ عليکم حقّاً، ولکم عليَّ حقٌّ؛ فأمّا حقّکم عليَّ فالنصيحة لکم، وتوفير فيئکم عليکم، وتعليمکم کيلا تجهلوا، وتأديبکم کيما تعلموا. وأمّا حقّي عليکم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوکم، والطاعة حين آمرکم.

أنتم اُسود الشري في الدَّعة، وثعالب روّاغة حين البأس. إنّ أخا الحرب اليقظان. ألا إنّ المغلوب مقهور ومسلوب.[9] .

[صفحه 13]



صفحه 11، 12، 13.





  1. مَسْکِن: موضع بالکوفة قريب من أوانا علي نهر دُجيل عند دير الجاثليق، وقعت عندها معرکة بين عبد الملک بن مروان ومصعب بن الزبير، قُتل فيها مصعب، وبها قبره (راجع معجم البلدان: 127:5).
  2. المائدة: 21.
  3. الغارات: 26:1؛ شرح نهج البلاغة: 193:2 نحوه.
  4. مُوزَع به: أي مولَع به، وقد اُوزع بالشي ء: إذا اعتاده، وأکثر منه (النهاية: 181:5).
  5. من العَمَه: التحيّر والتردّد. والعَمَهُ في الرأي، والعَمَي في البصر (لسان العرب: 519:13).
  6. يُقال: جاء القوم نَشَراً؛ أي منتشرين متفرّقين (النهاية: 55:5).
  7. من هنا إلي آخر الخطبة نقلناه من نهج البلاغة: الخطبة 34.
  8. زوافر: جمع زافرة، وزافرة الرجل: أنصاره وخاصّته (النهاية: 304:2).
  9. شرح نهج البلاغة: 193:2 و ص 189، تاريخ الطبري: 90:5، أنساب الأشراف: 153:3، الکامل في التاريخ: 408:2، الإمامة والسياسة: 170:1؛ الغارات: 29:1 و ص 33 کلّها نحوه، نهج البلاغة: الخطبة 34، بحارالأنوار: 48:34.