العزم علي قتال معاوية بعد الفراغ من الخوارج











العزم علي قتال معاوية بعد الفراغ من الخوارج



2750- تاريخ الطبري عن أبي الدرداء/ کان عليّ لمّا فرغ من أهل النهروان حمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال/ إنّ اللَّه قد أحسن بکم، وأعزّ نصرکم، فتوجّهوا من فَوْرکم هذا إلي عدوّکم.

قالوا/ يا أميرالمؤمنين، نفدت نبالنا، وکلّت سيوفنا، ونصلت أسنّة رماحنا، وعاد أکثرها قصداً، فارجع إلي مصرنا، فلنستعدّ بأحسن عدّتنا، ولعلّ أميرالمؤمنين يزيد في عدّتنا عدّة مَن هلک منّا؛ فإنّه أوفي لنا علي عدوّنا. وکان الذي تولّي ذلک الکلام الأشعث بن قيس.

فأقبل حتي نزل النُّخَيلة،[1] فأمر الناس أن يلزموا عسکرهم، ويوطّنوا علي

[صفحه 8]

الجهاد أنفسهم، وأن يُقلّوا زيارة نسائهم وأبنائهم حتي يسيروا إلي عدوّهم.

فأقاموا فيه أيّاماً، ثمّ تسلّلوا من معسکرهم، فدخلوا إلّا رجالاً من وجوه الناس قليلاً، وتُرک العسکر خالياً، فلمّا رأي ذلک دخل الکوفة، وانکسر عليه رأيُه في المسير.[2] .

2751- الغارات عن طارق بن شهاب: إنّ عليّاً عليه السلام انصرف من حرب النهروان حتي إذا کان في بعض الطريق نادي في الناس فاجتمعوا، فحمد اللَّه وأثني عليه، ورغّبهم في الجهاد، ودعاهم إلي المسير إلي الشام من وجهه ذلک، فأبوا وشکوا البرد والجراحات، وکان أهل النهروان قد أکثروا الجراحات في الناس.

فقال: إنّ عدوّکم يألمون کما تألمون، ويجدون البرد کما تجدون.

فأعيوه وأبوا، فلمّا رأي کراهيتهم رجع إلي الکوفة وأقام بها أيّاماً، وتفرّق عنه ناس کثير من أصحابه؛ فمنهم مَنْ أقام يري رأي الخوارج، ومنهم مَنْ أقام شاکّاً في أمره.[3] .

2752- تاريخ الطبري عن زيد بن وهب: إنّ عليّاً قال للناس- وهو أوّل کلام قاله لهم بعد النهر-:

أيّها الناس، استعدّوا إلي عدوّ في جهاده القربة إلي اللَّه، ودرک الوسيلة عنده. حَياري في الحقّ، جفاة عن الکتاب، نُکْب[4] عن الدين، يَعْمَهون في الطغيان،

[صفحه 9]

ويُعْکَسون في غمرة الضلال، ف «أَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ»[5] وتوکّلوا علي اللَّه، وکفي باللَّه وکيلاً، وکفي باللَّه نصيراً.

قال: فلا هم نفروا ولا تيسّروا، فترکهم أيّاماً حتي إذا أيِس من أن يفعلوا، دعا رؤساءهم ووجوههم فسألهم عن رأيهم وما الذي يُنظِرهم؟[6] فمنهم المعتلّ، ومنهم المکرَه، وأقلّهم من نشط، فقام فيهم خطيباً فقال: عبادَ اللَّه!

ما لکم إذا أمرتکم أن تنفروا اثّاقلتم إلي الأرض! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، وبالذلّ والهوان من العزّ! أوَ کلّما ندبتکم إلي الجهاد دارت أعينکم کأنّکم من الموت في سَکرة، وکأنّ قلوبکم مألوسة[7] فأنتم لا تعقلون! وکأنّ أبصارکم کُمْه فأنتم لا تبصرون.

للَّه أنتم! ما أنتم إلّا اُسود الشَّري في الدَّعة، وثعالب روّاغة حين تُدعون إلي البأس، ما أنتم لي بثقة سَجِيس الليالي،[8] ما أنتم برَکب يُصال بکم، ولا ذي عزّ يُعتصم إليه.

لعمر اللَّه، لبئس حُشّاش الحرب أنتم! إنّکم تُکادون ولا تکيدون، ويُتنقّص أطرافکم ولا تتحاشون، ولا يُنام عنکم وأنتم في غفلة ساهون، إنّ أخا الحرب اليقظانُ ذو عقل، وبات لذلٍّ مَن وادَعَ، وغلب المتجادلون، والمغلوب مقهور ومسلوب.

ثمّ قال: أمّا بعد؛ فإنّ لي عليکم حقّاً؛ وإنّ لکم عليَّ حقّاً، فأمّا حقّکم عليَّ

[صفحه 10]

فالنصيحة لکم ما صحبتکم، وتوفير فيئکم عليکم، وتعليمکم کيما لا تجهلوا، وتأديبکم کي تعلّموا، وأمّا حقّي عليکم فالوفاء بالبيعة، والنصح لي في الغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوکم، والطاعة حين آمرکم، فإن يُرِد اللَّه بکم خيراً انتزعتم عمّا أکره، وتَراجعوا إلي ما اُحبّ، تنالوا ما تطلبون، وتُدرکوا ما تأملون.[9] .

راجع: هجمات عمّال معاوية/غارة سفيان بن عوف.



صفحه 8، 9، 10.





  1. النُّخَيلَة- تصغير نخلة-/ موضع قرب الکوفة علي سمت الشام،وهو الموضع الذي خرج إليه الإمام علي عليه السلام (معجم البلدان: 278:5).
  2. تاريخ الطبري: 89:5، الکامل في التاريخ: 408:2، مروج الذهب: 418:2 وفيه إلي «النُّخَيلة»، الإمامة والسياسة: 170:1، شرح نهج البلاغة: 192:2، البداية والنهاية: 307:7 عن عيسي بن دآب وکلّها نحوه.
  3. الغارات: 28:1.
  4. نَکَب عن الشي ء: عَدَل (لسان العرب: 770:1).
  5. الأنفال: 60.
  6. من الإنظار: التأخير والإمهال (النهاية: 78:5).
  7. من الألْس؛ وهو اختلاط العقل (النهاية: 60:1).
  8. سَجيس الليالي: أي أبداً (النهاية: 343:2).
  9. تاريخ الطبري: 90:5، أنساب الأشراف: 153:3، الکامل في التاريخ: 408:2، الإمامة والسياسة: 170:1؛ الغارات: 33:1 کلّها نحوه.