جواب العلّامة الطباطبائي











جواب العلّامة الطباطبائي



قال العلّامة الطباطبائي في هذا المجال:

الإمام عليه السلام واقف بإذن اللَّه علي حقائق عالم الوجود کيفما کانت؛ سواء کانت محسوسة أم خارج دائرة الحسّ کالموجودات السماويّة والحوادث الماضية ووقائع المستقبل. والدليل علي هذا القول هو:

جاء في الروايات المتواترة المنقولة في الجوامع الحديثيّة الشيعيّة ککتاب الکافي، والبصائر، وکتب الصدوق، وکتاب بحارالأنوار وغيرها مما لايحصي ولا يُعدّ من الروايات بأنَّ الإمام عليه السلام واقف بکلّ شي ء لا عن طريق العلم الاکتسابي وإنّما بطريق الموهبة الإلهيّة، وبإمکانه أن يعلم کلّ شي ء بإذن اللَّه من خلال أدني توجّه.

[صفحه 247]

النکتة التي ينبغي الالتفات إليها في هذا المجال هي أنّ هذا العلم اللدني الذي تثبته الأدلة العقليّة والنقليّة، لا تخلّف فيه ولا تغيير، ولا خطأ، ويُسمّي بعلم ما هو مکتوب في اللوح المحفوظ، والعلم بما له صلة بالقضايا الإلهيّة الحتميّة.

وهذا المطلب يستلزم عدم وجود أيّ تکليف بمتعلّق هذا العلم من حيث کونه حتمي الوقوع ولا يرتبط به قصد وطلب من الإنسان؛ وذلک أنّ التکليف يأتي عادةً عن طريق الإمکان بالفعل، وعن طريق کون الفعل والترک کلاهما بيد المکلّف يختار منهما ما يشاء. وأمّا ما کان ضروري الوقوع ومتعلّقاً بالقضاء الحتمي، فمن المحال أن يکون موضع تکليف.

فمن الممکن مثلاً أن يأمر اللَّه العبد بفعل أو ترک ما بيده فعله أو ترکه. ولکن من المحال أن يأمره بفعل أو ترک ما قضت به الإرادة الإلهيّة ولا مجال فيه للأخذ والردّ؛ لأنّ مثل هذا الأمر والنهي عبث ولغو.

وکذلک يتسنّي للإنسان أن يعقد العزم علي تحقيق عمل يحتمل فيه الإمکان وعدم الإمکان ويجعله نصب عينيه ويسعي من أجل تحقيقه، ولکنه لا يستطيع إطلاقاً أن يقصد تحقيق أمر يقيني لايخضع للتغيير والتخلّف؛ لأنّ إرادة أو عدم إرادة الإنسان، وقصده وعدم قصده لا تأثير له في أمر واقع لا محالة، من جهة کونه واقعاً. فتأمّل.

يتّضح من خلال هذا البيان:

1- إنّ هذا العلم اللدنّي لدي الإمام عليه السلام لا تأثير له في أعماله ولا صلة له بتکاليفه الخاصّة. وکلّ أمر مفروض من جهة تعلّقه بقضاء اللَّه الحتمي الوقوع، لا يکون موضوعاً لأمر الإنسان أو نهيه أو قصده أو إرادته.

أجل إنّ متعلق القضاء الحتمي والمشيئة الإلهيّة القاطعة للحقّ تعالي هو الرضا

[صفحه 248]

بالقضاء کما قال سيّد الشهداء عليه السلام في اللحظات الأخيرة من حياته حينما کان يتمرّغ في الدم والتراب: «رضاً بقضائک وتسليماً لأمرک لامعبود سواک». وکذلک فيما جاء في خطبته عند خروجه من مکّة إلي المدينة: «رضا اللَّه رضانا أهل البيت».

2- حتميّة فعل الإنسان من حيث تعلّقه بالقضاء الإلهي لاتتنافي مع صفته الاختيارية من حيث النشاط الاختياري للإنسان؛ لأنّ القضاء الإلهي يتعلّق بکيفياته لابمطلقه؛ کأن يشاء اللَّه أن يؤدي الإنسان کذا عمل اختياري بإرادته، ففي مثل هذه الحالة يکون التحقق الخارجي لهذا الفعل حتميّاً لامفرّ منه من حيث تعلّقه بالإرادة الإلهيّة، وهو في الوقت ذاته اختياري ويتصف بصفة الإمکان بالنسبة للإنسان، فتأمّل.

3- لاينبغي أخذ ظواهر أعمال الإمام عليه السلام الخاضعة للتطابق مع العلل والأسباب الظاهريّة کدليل علي عدم امتلاکه لهذا العلم اللدنّي، وشاهداً علي الجهل بالواقع، کأن يقال: إذا کان لدي الإمام الحسين عليه السلام علم بالواقع لماذا أرسل مسلم بن عقيل نيابة عنه إلي الکوفة؟

ولماذا بعث کتاباً إلي أهل الکوفة بيد الصيداوي؟ ولماذا خرج من مکّة إلي الکوفة؟ ولماذا ألقي بنفسه إلي التهلکة والباري تعالي يقول: «وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيکُمْ إِلَي التَّهْلُکَةِ».[1] [2] .

[صفحه 249]



صفحه 247، 248، 249.





  1. البقرة: 195.
  2. بررسيهاي اسلامي (بالفارسيّة): 167 تا 170.