جواب الشيخ المفيد











جواب الشيخ المفيد



نقل العلّامة المجلسي أنّ الشيخ المفيد سُئل في المسائل العکبريّة: الإمام عندنا مجمع علي أنّه يعلم ما يکون، فما بال أميرالمؤمنين عليه السلام خرج إلي المسجد وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان؟ وما بال الحسين بن علي عليهماالسلام سار إلي الکوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنه مقتول في سفرته تلک؟ ولِمَ لمّا حُصروا وعرف أنّ الماء قد مُنع منه وأنّه إن حفر أذرعاً قريبة نبع الماء، ولم يحفر وأعان علي نفسه حتي تلف عطشاً؟ والحسن عليه السلام وادع معاوية وهادنه وهو يعلم أنّه ينکث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه عليه السلام.

فأجاب الشيخ رحمه اللَّه عنها بقوله:

وأما الجواب عن قوله: «إنّ الإمام يعلم ما يکون» فإجماعنا أنّ الأمر علي خلاف ما قال، وما أجمعت الشيعة علي هذا القول. وإنّما إجماعهم ثابت علي أنّ

[صفحه 245]

الإمام يعلم الحکم في کلّ ما يکون دون أن يکون عالماً بأعيان ما يحدث ويکون علي التفصيل والتمييز. وهذا يسقط الأصل الذي بَني عليه الأسئلة بأجمعها. ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ويکون بإعلام اللَّه تعالي له ذلک. فأمّا القول بأنه يعلم کلّ ما يکون فلسنا نطلقه ولا نصوّب قائله لدعواه فيه من غير حجّة ولا بيان.

والقول بأنّ أميرالمؤمنين عليه السلام کان يعلم قاتله والوقت الذي يُقتل فيه فقد جاء الخبر متظاهراً أنّه کان يعلم في الجملة أنّه مقتول، وجاء أيضاً بأنّه يعلم قاتله علي التفصيل. فأما علمه بوقت قتله فلم يأتِ عليه أثر علي التحصيل. ولو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون، إذ کان لا يمتنع أن يتعبّده اللَّه تعالي بالصبر علي الشهادة والاستسلام للقتل، ليبلغه بذلک علوّ الدرجات ما لا يبلغه إلّا به. ولعلمه بأنّه يطيعه في ذلک طاعة لو کلّفها سواه لم يردها. ولا يکون بذلک أميرالمؤمنين عليه السلام ملقياً بيده إلي التهلکة، ولا معيناً علي نفسه معونة تستقبح في العقول.

وأما علم الحسين عليه السلام بأنّ أهل الکوفة خاذلوه، فلسنا نقطع علي ذلک، إذ لا حجّة عليه من عقل ولا سمع، ولو کان عالماً بذلک لکان الجواب عنه ما قدّمناه في الجواب عن علم أميرالمؤمنين عليه السلام بوقت قتله ومعرفة قاتله کما ذکرناه.

وأما دعواه علينا أنّا نقول: إنّ الحسين عليه السلام کان عالماً بموضع الماء قادراً عليه، فلسنا نقول ذلک، ولا جاء به خبر، علي أنّ طلب الماء والاجتهاد فيه يقضي بخلاف ذلک، ولو ثبت أنّه کان عالماً بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يکون متعبداً بترک السعي في طلب الماء من حيث کان ممنوعاً منه حسب ما ذکرناه في أميرالمؤمنين عليه السلام، غير أنّ ظاهر الحال بخلاف ذلک علي ما قدّمناه.

والکلام في علم الحسن عليه السلام بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ماتقدّم، وقد جاء

[صفحه 246]

الخبر بعلمه بذلک، وکان شاهد الحال له يقضي به، غير أنّه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم أصحابه له إلي معاوية، وکان في ذلک لطف في بقائه إلي حال مضيّه ولطف لبقاء کثير من شيعته وأهله وولده، ودفع فساد في الدين هو أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته، وکان عليه السلام أعلم بما صنع لما ذکرناه وبيّنا الوجوه فيه. انتهي کلامه.

أقول: وسأل السيّد مهنّا بن سنان العلّامة الحلّي عن مثل ذلک في أميرالمؤمنين عليه السلام فأجاب بأنّه يحتمل أن يکون عليه السلام اُخبر بوقوع القتل في تلک الليلة، ولم يعلم في أي وقت من تلک الليلة أو أي مکان يقتل، وأنّ تکليفه عليه السلام مغاير لتکليفنا، فجاز أن يکون بذل مهجته الشريفة في ذات اللَّه تعالي، کما يجب علي المجاهد الثبات، وإن کان ثباته يفضي إلي القتل.[1] .



صفحه 245، 246.





  1. بحارالأنوار: 257:42.