التآمر في اغتيال الإمام











التآمر في اغتيال الإمام



2918- الإرشاد عن أبي مخنف لوط بن يحيي وإسماعيل بن راشد وأبي هشام الرفاعي وأبي عمرو الثقفي وغيرهم: إنّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمکّة، فتذاکروا الاُمراء، فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم، وذکروا أهل النهروان وترحّموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لو أنّا شرينا أنفسنا للَّه، فأتينا أئمّة الضلال، فطلبنا غرّتهم،[1] فأرحنا منهم العباد والبلاد، وثأرنا بإخواننا للشهداء بالنهروان.

فتعاهدوا عندانقضاء الحجّ علي ذلک، فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا أکفيکم عليّاً، وقال البرک بن عبد اللَّه التميمي: أنا أکفيکم معاوية، وقال عمرو بن بکر التميمي: أنا أکفيکم عمرو بن العاص، وتعاقدوا علي ذلک، وتوافقوا عليه وعلي الوفاء، واتّعدوا لشهر رمضان في ليلة تسع عشرة، ثمّ تفرّقوا.[2] .

[صفحه 215]

فأقبل ابن ملجم- وکان عداده في کندة- حتي قدم الکوفة، فلقي بها أصحابه، فکتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شي ء. فهو في ذلک إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم- من تيم الرباب- فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيميّة، وکان أميرالمؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان، وکانت من أجمل نساء زمانها، فلمّا رآها ابن ملجم شغف بها واشتدّ إعجابه بها، فسأل في نکاحها وخطبها فقالت له: ما الذي تسمّي لي من الصداق؟ فقال لها: احتکمي ما بدا لک. فقالت له: أنا محتکمة عليک ثلاثة آلاف درهم، ووصيفاً وخادماً، وقتل عليّ بن أبي طالب.[3] فقال لها: لک جميع ما سألت، وأمّا قتل عليّ بن أبي طالب فأنّي لي بذلک؟ فقالت: تلتمس غرّته، فإن أنت قتلته شفيتَ نفسي وهنّأک العيش معي، وإن قُتلت فما عند اللَّه خيرٌ لک من الدنيا. فقال: أما واللَّه ما أقدمني هذا المصر- وقد کنت هارباً منه لا آمن مع أهله- إلّا ما سألتني من قتل عليّ بن أبي طالب، فلک ما سألت. قالت: فأنا طالبة لک بعض من يساعدک علي ذلک ويقوّيک.

ثمّ بعثتْ إلي وردان بن مجالد- من تيم الرباب- فخبّرته الخبر وسألته معونة

[صفحه 216]

ابن ملجم، فتحمّل ذلک لها، وخرج ابن ملجم فأتي رجلاً من أشجع يقال له شبيب بن بجرة، فقال: يا شبيب، هل لک في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاک؟ قال: تساعدني علي قتل عليّ بن أبي طالب- وکان شبيب علي رأي الخوارج-. فقال له: يابن ملجم، هبلتک الهبول، لقد جئت شيئاً إدّاً، وکيف تقدر علي ذلک؟ فقال له ابن ملجم: نکمن له في المسجد الأعظم، فإذا خرج لصلاة الفجر فتکنا به، وإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدرکنا ثأرنا.

فلم يزل به حتي أجابه، فأقبل معه حتي دخلا المسجد علي قطام- وهي معتکفة في المسجد الأعظم، قد ضربت عليها قبة- فقال لها: قد اجتمع رأينا علي قتل هذا الرجل. قالت لهما: فإذا أردتما ذلک فالقياني في هذا الموضع.

فانصرفا من عندها فلبثا أيّاماً، ثمّ أتياها ومعهما الآخر ليلة الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم، وتقلّدوا أسيافهم ومضوا وجلسوا مقابل السدّة التي کان يخرج منها أميرالمؤمنين عليه السلام إلي الصلاة، وقد کانوا قبل ذلک ألقوا إلي الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة علي قتل أميرالمؤمنين عليه السلام وواطاهم عليه وحضر الأشعث بن قيس في تلک الليلة لمعونتهم علي ما اجتمعوا عليه.[4] .

[صفحه 217]

2919- العدد القويّة عن أبي مجلز: جاء رجل من مراد إلي أميرالمؤمنين عليه السلام وهو يصلّي في المسجد، فقال له: احترس فإنّ اُناساً من مراد يريدون قتلک، فقال: إن مع کلّ رجل ملکين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإنّ الأجل جنة حصينة.

وقال الشعبي: أنشد أميرالمؤمنين عليه السلام قبل أن يستشهد بأيّام:


تلکم قريش تمناني لتقتلني
فلا وربّک ما فازوا ولا ظفروا


فإن بقيت فرهن ذمّتي لهم
وإن عدمت فلا يبقي لها أثر


وسوف يورثهم فقدي علي وجل
ذلّ الحياة بما خانوا وما غدروا[5] .

[صفحه 219]



صفحه 215، 216، 217، 219.





  1. الغِرَّةُ: الغَفْلة (النهاية: 354:3).
  2. وأمّا الرجلان اللذان کانا مع ابن ملجم لعنهم اللَّه أجمعين في العقد علي قتل معاوية وعمرو بن العاص، فإنّ أحدهما ضرب معاوية وهو راکع فوقعت ضربته في أليته ونجا منها، فاُخذ وقُتل من وقته. وأمّا الآخر فإنّه وافي عمراً في تلک الليلة وقد وجد علّة فاستخلف رجلاً يصلّي بالناس يقال له: خارجة بن أبي حبيبة العامري، فضربه بسيفه وهو يظنّ أنّه عمرو، فاُخذ واُتي به عمرو فقتله، ومات خارجة في اليوم الثاني (الإرشاد: 22:1، إعلام الوري: 202، المناقب لابن شهر آشوب: 313:3 نحوه). وفي تاريخ الطبري عن إسماعيل بن راشد: أمّا البرک بن عبد اللَّه فإنّه في تلک الليلة التي ضرب فيها عليّ قعد لمعاوية، فلمّا خرج ليصلّي الغداة شدّ عليه بسيفه، فوقع السيف في أليته، فاُخذ، فقال: إنّ عندي خيراً اُسرّک به، فإن أخبرتک فنافعي ذلک عندک؟ قال: نعم، قال: إنّ أخاً لي قتل عليّاً في مثل هذه الليلة، قال: فلعلّه لم يقدر علي ذلک! قال: بلي، إنّ عليّاً يخرج ليس معه من يحرسه، فأمر به معاوية فقتل، وبعث معاوية إلي الساعدي - وکان طبيباً - فلمّا نظر إليه قال: اختر إحدي خصلتين: إمّا أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف، وإمّا أن أسقيک شربة تقطع منک الولد، وتبرأ منها، فإنّ ضربتک مسمومة، فقال معاوية: أمّا النار فلا صبر لي عليها، وأمّا انقطاع الولد فإنّ في يزيد وعبد اللَّه ما تقرّ به عيني. فسقاه تلک الشربة فبرأ، ولم يولد له بعدها، وأمر معاوية عند ذلک بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرطة علي رأسه إذا سجد. وأمّا عمرو بن بکر فجلس لعمرو بن العاص تلک الليلة، فلم يخرج، وکان اشتکي بطنه، فأمر خارجة بن حذافة، وکان صاحب شرطته، وکان من بني عامر بن لؤي، فخرج ليصلّي، فشدّ عليه وهو يري أنّه عمرو، فضربه فقتله، فأخذه الناس، فانطلقوا به إلي عمرو يسلّمون عليه بالإمرة، فقال: من هذا؟ قالوا: عمرو، قال: فمن قتلت؟ قالوا: خارجة بن حذافة، قال: أما واللَّه يا فاسق ما ظننته غيرک، فقال عمرو: أردتني وأراد اللَّه خارجة، فقدّمه عمرو فقتله (تاريخ الطبري: 149:5، المعجم الکبير: 100:1 و ص 168 /103 وفيه «خارجة بن أبي حبيب»، الکامل في التاريخ: 437:2 وفيه «خارجة بن أبي حبيبة»، الفصول المهمّة: 135 کلّها نحوه وراجع مروج الذهب: 428:2 ومقاتل الطالبيّين: 44). وفي أنساب الأشراف: فأمّا البرک فإنّه انطلق في ليلة ميعادهم فقعد لمعاوية، فلمّا خرج ليصلّي الغداة شدّ عليه بسيفه، فأدبر معاوية فضرب طرف أليته ففلقها ووقع السيف في لحم کثير، واُخذ فقال: إنّ لک عندي خبراً سارّاً، قد قتل في هذه الليلة عليّ بن أبي طالب، وحدّثه بحديثهم، وعولج معاوية حتي برأ وأمر بالبرک فقتل. وقيل: ضرب البرک معاوية وهو ساجد، فمذ ذاک جعل الحرس يقومون علي رؤوس الخلفاء في الصلاة، اتّخذ معاوية المقصورة. وروي بعضهم أنّ معاوية لم يولِد بعد الضربة، وأنّ معاوية کان أمر بقطع يد البرک ورجله ثمّ ترکه، فصار إلي البصرة فولد له في زمن زياد فقتله وصلبه، وقال له: ولد لک وترکت أميرالمؤمنين لا يولد له (أنساب الأشراف: 25:3، الإمامة والسياسة: 181:1 نحوه).
  3. وفي هذا قال ابن أبي ميّاس المرادي: ولم أر مهراً ساقه ذو سماحة کمهر قطام بين عرب ومُعجم ثلاثة آلافٍ وعبد وقينة وضرب عليّ بالحسام المصمّم فلا مهر أغلي من عليّ وإن غلا ولا فتک إلّا دون فتک ابن ملجم (الکامل في التاريخ: 438:2، تاريخ الطبري: 150:5، المعجم الکبير: 168:103:1 وفيهما «قتل» بدل «فتک» في کلا الموضعين؛ الإرشاد: 22:1).
  4. الإرشاد: 17:1، روضة الواعظين: 148 وفيه «المبارک» بدل «البرک»؛ المعجم الکبير: 168:97:1، تاريخ الطبري: 143:5 کلاهما عن إسماعيل بن راشد، الطبقات الکبري: 35:3، مروج الذهب: 423:2، الکامل في التاريخ: 434:2، أنساب الأشراف: 251:3 و ص 253 عن لوط بن يحيي وعوانة بن الحکم وغيرهما، تاريخ دمشق: 558:42 وفيه «عمرو بن بکير»، اُسد الغابة: 3789:112:4 کلاهما عن محمّد بن سعد، الاستيعاب:1785:218:3، مقاتل الطالبيّين: 43 و ص 46 والعشرة الأخيرة نحوه وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 311:3.
  5. العدد القويّة: 15:238 و ح 16، خصائص الأئمّة عليهم السلام: 114 وليس فيه الشعر، المناقب لابن شهر آشوب: 312:3 وفيه الشعر فقط، بحارالأنوار: 31:222:42؛ تاريخ دمشق: 554:42 وليس فيه الشعر وراجع نهج البلاغة: الحکمة 201 وشرح الأخبار: 384:5:2.