التآمر في اغتيال الإمام
فتعاهدوا عندانقضاء الحجّ علي ذلک، فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا أکفيکم عليّاً، وقال البرک بن عبد اللَّه التميمي: أنا أکفيکم معاوية، وقال عمرو بن بکر التميمي: أنا أکفيکم عمرو بن العاص، وتعاقدوا علي ذلک، وتوافقوا عليه وعلي الوفاء، واتّعدوا لشهر رمضان في ليلة تسع عشرة، ثمّ تفرّقوا.[2] . [صفحه 215] فأقبل ابن ملجم- وکان عداده في کندة- حتي قدم الکوفة، فلقي بها أصحابه، فکتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شي ء. فهو في ذلک إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم- من تيم الرباب- فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيميّة، وکان أميرالمؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان، وکانت من أجمل نساء زمانها، فلمّا رآها ابن ملجم شغف بها واشتدّ إعجابه بها، فسأل في نکاحها وخطبها فقالت له: ما الذي تسمّي لي من الصداق؟ فقال لها: احتکمي ما بدا لک. فقالت له: أنا محتکمة عليک ثلاثة آلاف درهم، ووصيفاً وخادماً، وقتل عليّ بن أبي طالب.[3] فقال لها: لک جميع ما سألت، وأمّا قتل عليّ بن أبي طالب فأنّي لي بذلک؟ فقالت: تلتمس غرّته، فإن أنت قتلته شفيتَ نفسي وهنّأک العيش معي، وإن قُتلت فما عند اللَّه خيرٌ لک من الدنيا. فقال: أما واللَّه ما أقدمني هذا المصر- وقد کنت هارباً منه لا آمن مع أهله- إلّا ما سألتني من قتل عليّ بن أبي طالب، فلک ما سألت. قالت: فأنا طالبة لک بعض من يساعدک علي ذلک ويقوّيک. ثمّ بعثتْ إلي وردان بن مجالد- من تيم الرباب- فخبّرته الخبر وسألته معونة [صفحه 216] ابن ملجم، فتحمّل ذلک لها، وخرج ابن ملجم فأتي رجلاً من أشجع يقال له شبيب بن بجرة، فقال: يا شبيب، هل لک في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاک؟ قال: تساعدني علي قتل عليّ بن أبي طالب- وکان شبيب علي رأي الخوارج-. فقال له: يابن ملجم، هبلتک الهبول، لقد جئت شيئاً إدّاً، وکيف تقدر علي ذلک؟ فقال له ابن ملجم: نکمن له في المسجد الأعظم، فإذا خرج لصلاة الفجر فتکنا به، وإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدرکنا ثأرنا. فلم يزل به حتي أجابه، فأقبل معه حتي دخلا المسجد علي قطام- وهي معتکفة في المسجد الأعظم، قد ضربت عليها قبة- فقال لها: قد اجتمع رأينا علي قتل هذا الرجل. قالت لهما: فإذا أردتما ذلک فالقياني في هذا الموضع. فانصرفا من عندها فلبثا أيّاماً، ثمّ أتياها ومعهما الآخر ليلة الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم، وتقلّدوا أسيافهم ومضوا وجلسوا مقابل السدّة التي کان يخرج منها أميرالمؤمنين عليه السلام إلي الصلاة، وقد کانوا قبل ذلک ألقوا إلي الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة علي قتل أميرالمؤمنين عليه السلام وواطاهم عليه وحضر الأشعث بن قيس في تلک الليلة لمعونتهم علي ما اجتمعوا عليه.[4] . [صفحه 217] 2919- العدد القويّة عن أبي مجلز: جاء رجل من مراد إلي أميرالمؤمنين عليه السلام وهو يصلّي في المسجد، فقال له: احترس فإنّ اُناساً من مراد يريدون قتلک، فقال: إن مع کلّ رجل ملکين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإنّ الأجل جنة حصينة. وقال الشعبي: أنشد أميرالمؤمنين عليه السلام قبل أن يستشهد بأيّام: تلکم قريش تمناني لتقتلني فإن بقيت فرهن ذمّتي لهم وسوف يورثهم فقدي علي وجل [صفحه 219]
2918- الإرشاد عن أبي مخنف لوط بن يحيي وإسماعيل بن راشد وأبي هشام الرفاعي وأبي عمرو الثقفي وغيرهم: إنّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمکّة، فتذاکروا الاُمراء، فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم، وذکروا أهل النهروان وترحّموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لو أنّا شرينا أنفسنا للَّه، فأتينا أئمّة الضلال، فطلبنا غرّتهم،[1] فأرحنا منهم العباد والبلاد، وثأرنا بإخواننا للشهداء بالنهروان.
فلا وربّک ما فازوا ولا ظفروا
وإن عدمت فلا يبقي لها أثر
ذلّ الحياة بما خانوا وما غدروا[5] .
صفحه 215، 216، 217، 219.