سوره نساء











سوره نساء



(وفيها تسع عشرة آية)

1- وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ / 1.

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ کَرْهاً / 19.

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَيْنَکُمْ بِالْباطِلِ / 29.

4- أَمْ يَحْسُدُونَ النّاس عَلي ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ / 54.

5- فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْکِتابَ وَالْحِکْمَةَ / 54.

6- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي / 57.

7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ / 59.

8- فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ / 64.

9- وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً / 68.

10- وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِکَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ / 69-70.

11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَکُمْ فَانْفِرُوا / 71.

12- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ / 80.

13- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ / 83.

14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا / 94.

15- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدي / 115.

16- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي / 122.

17- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ / 135.

18- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْکِ الأَسْفَلِ مِنَ النّار / 145.

19- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ / 173.

«وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ إِنَّ اللهَ کانَ عَلَيْکُمْ رَقِيباً».

النساء/ 1.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو محمد، الحسن بن علي الجوهري، (بإسناده المذکور) عن ابن عباس أنّه قال في قوله (تعالي):

«وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَساءلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ» نزلت في رسول الله، وأهل بيته، وذوي أرحامه، وذلک أنّ کل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلاّ ما کان من سببه ونسبه «إِنَّ اللهَ کانَ عَلَيْکُمْ رَقِيباً» يعني حفيظاً[1] .

(أقول) يعني: المقصود بکلمة (الأرحام) التي يُسأل النّاس عنها، هم رسول الله وأهل بيته، وذوو أرحامه (عليه وعليهم الصلاة والسلام)، وهذا ـ کما ذکرنا سابقاً تکراراً من التفسير وبيان المصداق الأکمل، والفرد الأتم وإلاّ فأرحام کل شخص مسؤول عنها يوم القيامة، لحرمة قطع الرحم، بل وجوب صلتها ـ کما قيل أيضاً ـ.

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ کَرْهاً».

النساء/ 19.

روي الحافظ الأصبهاني، أبو نعيم في حليته، عن ابن عباس، عن رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) أنه قال:

ما أنزل الله آية فيها «يا أيها الذين آمنوا» إلاّ وعليّ رأسها وأميرها)[2] .

(أقول) نزول هذه الآية ونظائرها، من آيات النواهي في المؤمنين، وکون علي هو المصداق الأتم للمؤمن، لا يعارض کونه (عليه السلام) معصوماً غير محتمل فيه ارتکاب المنهي لأمرين:

(الأول): أنه نظير آيات النواهي المتوجهة إلي شخص رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) فما يقال هناک يقال هنا أيضاً، مثل قوله تعالي: «ما کانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِينَ» ونحو غيره أيضاً.

(الثاني): توجه النهي لا يلازم ـ لا عقلا، ولا شرعاً، ولا عرفاً ـ لاحتمال المخالفة، إذ أنّ النهي کالأمر لبيان الحکم عرفاً، وعقلاً، وشرعاً، فکما لا مانع من الأمر کذلک النهي، ولولا الأوامر والنواهي الواردة من الله تعالي لم تعرف أحکام الإسلام.

وذکر هذا الحديث ـ بهذا المعني مع اختلاف في بعض التعبيرات ـ کثيرون من أعلام المذاهب في مختلف کتبهم.

(منهم) أخطب خطباء خوارزم، موفق بن أحمد (الحنفي) في مناقبه[3] .

(ومنهم) الحافظ الشبلنجي (الشافعي) في کفايته[4] .

(ومنهم) ابن الصبان المکي (الشافعي)، في إسعافه بهامش نور الأبصار[5] .

(ومنهم) ابن مردويه في مناقبه[6] .

وآخرون أيضاً.

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَيْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ إِنَّ اللهَ کانَ بِکُمْ رَحِيماً».

النساء/ 29.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرونا عن القاضي أبي الحسن، محمد بن عثمان النصيبي (بإسناده المذکور) عن کامل، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالي: «ولا تقتلوا أنفسکم» قال:

لا تقتلوا أهل نبيِّکم، إنّ الله يقول: «تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَکُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَکُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَکُمْ».

وکان (أبناءنا) الحسن والحسين.

وکان (نساءنا) فاطمة.

(وأنفسنا) النبي وعلي (عليهما السلام)[7] .

وأخرج نحواً منه بسند آخر، ينتهي أيضاً إلي ابن عباس، الحافظ أبو الحسن بن المغازلي، في مناقبه[8] .

(أقول) هذا أيضاً بيان للمصداق الأعظم، والفرد الأکمل لکلمة (أنفسکم). وحيث إنّ النبي وأهل بيته، أولي بالمؤمنين من أنفس المؤمنين، لذلک کان النهي المتوجه إلي قتل الأنفس ـ بحکم الأولوية ـ أقوي توجيهاً إلي أنفس النبي وأهل بيته، فکأنّه متوجه إليه وحده دون سواه.

«أَمْ يَحْسُدُونَ النّاس عَلي ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ».

النساء/ 54.

روي العلاّمة السيّد هاشم البحراني (قده) عن ابن شهر آشوب، عن أبي الفتوح الرازي ـ بما ذکره عبد الله المرزباني ـ عن الکلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس ـ في قوله تعالي: «أَمْ يَحْسُدُونَ النّاس عَلي ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ» ـ: نزلت في رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) وفي علي (عليه السلام).

قال أبو جعفر: الفضل فيه النبوة، وفي علي الإمامة[9] .

وأخرج نحواً من ذلک علاّمة الشوافع، الحافظ أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه[10] .

ونقله عنه علماء الشافعية، ابن حجر الهيثمي في صواعقه[11] .

وأبو بکر، شهاب الدين الحضرمي في الرشفة[12] .

ونقله عنه أيضاً علاّمة الأحناف، الحافظ سليمان القندوزي في ينابيعه[13] .

وآخرون... أيضاً.

«فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبراهيم الْکِتابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْکاً عَظِيماً».

النساء/ 56.

روي الفقيه الشافعي (ابن حجر) في الصواعق ـ في باب الآيات النازلة في حق أهل البيت ـ بإسناده عن جعفر بن محمد، في قوله (تعالي) «وَآتَيْناهُمْ مُلْکاً عَظِيماً» قال:

(جعل فيهم أئمّة من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصي الله)[14] .

(أقول) يعني: بالأئمّة، علياً وبنيه الأحد عشر، الذين ذکرهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) غير مرة، وذکر أسماءهم في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري وغيره، وهم الذين جاء بشأنهم تفسير (أُولي الأمر) في القرآن الحکيم، وسيأتي ذکره بعد صفحتين.

(ويدلُّ) علي إرادة هؤلاء الأئمّة (عليه السلام) ذيل الحديث (من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصي الله) فإنَّ ذلک لا يصدق صدقاً تاماً کاملاً إلاّ في المعصوم، ولا معصوم سواهم، وإلاّ لتعارضت طاعة الله وطاعة غير المعصوم، حين يعصي الإمام غير المعصوم، ولتعارض عصيانهما، فلا تلازم بين الطاعتين، ولا بين المعصيتين.

«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً».

النساء/ 57.

روي العلاّمة البحراني (قده) عن ابن شهر آشوب ـ من طريق العامّة ـ بإسناده عن ابن عباس، وأبي برزة، وابن شراحيل:

قال النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي مبتدياً:

«الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» أنت وشيعتک، وميعادي وميعادکم الحوض[15] .

وأخرج الحافظ الحسکاني (الحنفي) بسنده المذکور عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» إلاّ وعلي أميرها وشريفها[16] .

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْکُمْ».

النساء/ 59.

أخرج العلاّمة البحراني عن ابن شهر آشوب ـ من طريق العامّة ـ عن تفسير (مجاهد):

إنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين حين خلّفه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) بالمدينة، فقال: يا رسول الله أتخلفني علي النساء والصبيان؟

فقال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(يا علي أما ترضي أنْ تکون مني بمنزلة هارون من موسي حين قال (يعني: موسي بن عمران لأخيه هارون): «أخلفني في قومي وأصلح».

فقال الله: «وأولي الأمر منکم».

قال (يعني: مجاهد): (هو) علي بن أبي طالب، ولاّه الله أمر الأمّة بعد محمد، وحين خلّفه رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالمدينة، فأمر الله العباد بطاعته وترک خلافه)[17] .

«فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً».

النساء/ 64.

نقل الشيخ المحمودي عن علاّمة الشوافع ابن عساکر قال:

اخبرنا أبو البرکات الأنماطي (بإسناده المذکور) عن جابر بن عبد الله (الأنصاري) عن رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) قال ـ في حديث له ـ: (إنّ الله علّمني أسماء أمتي کلّها کما علّم آدم الأسماء کلّها، ومثل لي أمتي في الطين، فمرّ بي أصحاب الرايات، واستغفرتُ لعلي وشيعته)[18] .

(أقول) قوله (صلي الله عليه وآله وسلّم): (مُثّل لي أمتي في الطين) لعلّ المراد به (وهم في الطين) يعني: أراني الله أُمتي کلّهم إلي يوم القيامة، وهم في الطينة التي يُخلَقون منها وقوله (صلي الله عليه وآله وسلّم): (أصحاب الرايات) إشارةً إلي عديد من الأحاديث الشريفة التي تقول بأنَّ کل رئيس ـ سواء أشرعياً کان أم شيطانياً ـ سيقدم يوم القيامة بيده راية خاصة واتباعه خلفها ليُعرفوا براياتهم، وإلي هذا يشير السيّد الحميري (رضوان الله عليه) في قصيدته العينية:


والنّاس يوم الحشر راياتهم
خمـــــس فمنها هالک أربع


فرايـــــة العجل وفرعـــونها
وسامري الأئـــــمة الأشنع


ورايــــة يقدمـــــها حبـــــتر
عبد لئيم وکـــــــع لکـــــــع


ورايـــــة يقـــــدمها حـــيدر
ووجهه کالشــمس إذ تطلع[19] .


وقوله (صلي الله عليه وآله وسلّم): (واستغفرت لعلي وشيعته) فيه عدّة تنبيهات:

1- يعني: حينما نظرت إلي الرايات ووقع بصري علي راية علي وخلفها شيعته، استغفرت لصاحب هذه الرّاية (علي بن أبي طالب) (عليه السلام) واستغفرت لأتباع هذه الرّاية وهم شيعة علي.

وهذا ـ بظاهره ـ يدلُّ علي أنَّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) لم يستغفر للذين أراهم الله تعالي له من أُمّته، إلاّ لعلي ولشيعة علي فقط.

2- لا مانع من استغفار النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) لعلي، وليس معني ذلک أنّ علياً مذنب حتي يستغفر له الرسول (صلي الله عليهما وآلهما) فقد ورد عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (إنّي أستغفر کل يوم سبعين مرة من غير ذنب) فالاستغفار لا يلازم الذنب، وإنّما يکون للبعض مجرد رفع الدرجات.

3- يدل هذا علي أنَّ شيعة علي مع الاستغفار مغفورٌ لهم لا محالة، لأنّ الله تعالي وعد في القرآن الحکيم بقوله «لوجدوا الله تواباً رحيماً» بأنْ يتوب ويرحم من استغفر واستغَفر له الرسول (صلي الله عليه وآله وسلّم) ولا شک أنَّ الأهم استغفار الرسول (صلي الله عليه وآله) له، لا استغفار نفسه، لأنَّ الاستغفار طلب الغفران، ومن الممکن أنْ يرد طلب الغفران إذا کان الطالب شخصاً عادياً مذنباً، لکن من المحال ـ شرعاً ـ أنْ يرد لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) طلبته.

(فإذا) وعد الله المغفرة لمن استغفر له الرسول، والرسول قال استغفرت ـ سلفاً ـ لکل من شايع علياً (فالنتيجة) مغفرة الله له محتّمة.

(اللّهم) اکتبنا في شيعة علي، وأمِتنا علي مشايعة علي، واحشُرنا شيعة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

«وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً».

النساء/ 68.

روي العلاّمة البحراني (قده) عن (الحمويني) الحنفي بإسناده المتصل (المذکور) إلي خيثمة الجعفي، عن أبي جعفر الباقر أنّه قال:

(نحن العلم المرفوع للخلق، من تمسّک بنا لحق، ومن تأخر عنّا غرق، ونحن قادة الغُرِّ المحجّلين.

ونحن خيرة الله.

ونحن الطريق الواضح، والصراط المستقيم)[20] .

«وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِکَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِکَ رَفِيقاً * ذلِکَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَکَفي بِاللهِ عَلِيماً».

النساء/ 69-70.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذکور) عن عبد الله بن عباس في قوله تعالي:

«ومن يطع الله» يعني: في فرائضه.

«والرسول» في سننه.

«فَأُولئِکَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ» يعني: علي بن أبي طالب، وکان أول من صدّق برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم).

(والشهداء) يعني: علي بن أبي طالب، وجعفر الطيار، وحمزة بن عبد المطلب، والحسن، والحسين، هؤلاء سادات الشهداء.

«والصالحين» يعني: سلمان، وأبو ذر، وصهيب، وخبّاب، وعمّار «وحسن أولئک» أي الأئمّة الأحد عشر.

«رفيقاً» يعني في الجنّة.

«ذلک الفضل من الله وکفي بالله عليماً» منزل علي وفاطمة والحسن والحسين ومنزل رسول الله، وهم في الجنّة واحد)[21] .

(أقول) يعني: منازلهم في الجنّة في مقام واحد (ولا يخفي) أنّ إرجاع (أولئک) إلي الأئمّة الأحد عشر (عليهم السلام) من التأويل ولا مانع منه، وليس عزيزاً في القرآن الحکيم کما نبّهنا عليه غير مرة.

وأخرج علاّمة الهند، عبيد الله بسمل (امرتسري) في کتابه الکبير في مناقب أمير المؤمنين، عن ابن عباس قال: قال علي يا رسول الله هل نقدر علي أنْ نزورک في الجنّة؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): يا علي إنّ لکل نبي رفيقاً، وهو أول من أسلم من أُمّته.

فنزلت هذه الآية:

«فَأُولئِکَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِکَ رَفِيقاً».

فدعا رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) علياً فقال: إنّ الله تعالي قد أنزل بيان ما سألت: فجعلک رفيقي، لأنک أول من أسلمت، وأنت الصديق الأکبر)[22] .

وأخرج أبو الخير، إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني في کتاب (الأربعين المُنتقي) (بسنده المذکور) عن أبي ذر قال: سمعت النبي (صلي الله عليه وسلّم) يقول لعلي...

(... وأنت الصديق الأکبر، والفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل...)[23] .

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَکُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً».

النساء/ 71.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو بکر الحارثي (بإسناده المذکور) عن العوّام، عن مجاهد قال:

(کلُّ شيء في القرآن «يا أيها الذين آمنوا» فإنّ لعلي سبقه وفضله)[24] .

(أقول) يعني: سبق الطاعة لله بالائتمار لأوامره، والترک لنواهيه، وفضل کونه أحسن المطيعين لله تعالي من جهة الطاعة المطلقة في جميع الحالات، ومختلف التقلّبات لعصمته، دون غيره من سائر المؤمنين، الذين قد يشذُّون عن الطاعة لعدم عصمتهم.

«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّي فَما أَرْسَلْناکَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً».

النساء/ 80.

روي العلاّمة البحراني (قده) عن ابن شهر آشوب ـ من طريق العامّة ـ عن أبي طالب الهروي، بإسناده عن علقمة وأبي أيوب (قالا) إنّ النبي (صلي الله عليه وسلّم) قال لعمّار ـ في حديث ـ:

(يا عمار إنَّ علياً لا يَرُدّک عن هدي، ولا يرِدُکَ إلي ردي).

(يا عمار طاعة علي طاعتي، و طاعتي طاعة الله)[25] .

وروي هو أيضاً عن مسند أحمد بن حنبل (إمام الحنابلة) (بإسناده المذکور) عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) لعلي:

(إنّه من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقک فارقني)[26] .

(أقول) إذاً: المطيعُ لعلي بن أبي طالب مطيع لله، وهو بدوره مطيع لله تعالي، والمتولّي عن علي، والمفارق لعلي فهو المتولّي عن رسول الله والمفارق لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) (وبهذه) المناسبة لا مانع من ذکر هذه الآية في ما نزل في حق علي (عليه السلام) تبعاً للذين ذکروها في ذلک.

«وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلي أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ».

النساء/ 83.

روي الحافظ القندوزي (الحنفي) في (ينابيع الموّدة) (بإسناده المذکور) عن معاوية، عن محمد الباقر (رضي الله عنه) أنّه قال ـ في حديث ـ:

(وقال عزّ وجلّ: «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلي أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» فرد أمر النّاس إلي أولي الأمر منهم، الّذين أمر النّاس بطاعتهم، وبالردِّ إليهم[27] .

وروي أيضاً عن الصادق (رضي الله عنه) في تفسير «أولي الأمر» أنَّه قال ـ في حديث ـ:

(فکان علي، ثم صار من بعده حسن، ثم حسين، ثم من بعده علي بن الحسين، ثم من بعده محمد بن علي، وهکذا يکون الأمر، إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام).

وأخرج المسعودي في (مروجه) خطبة للإمام الحسن بن علي في أيام خلافته، بعد مقتل أبيه أمير المؤمنين وقال فيها:

(فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ کانت بطاعة الله والرسول وأولي الأمر مقرونة).

ثم قرأ قوله تعالي:

«وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلي أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»[28] .

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا».

النساء/ 94.

أخرج الحافظ (الحنفي) أخطب خطباء خوارزم، موفّق بن أحمد الخوارزمي قال: أنبأني أبو العلاء الحافظ، الحسن بن أحمد العطار الهمداني إجازة (بسنده المذکور) عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم).

(ما أنزل الله آية فيها «يا أيها الذين آمنوا» إلاّ وعلي رأسها وأميرها)[29] .

(أقول) (أميرها) أي: أفضل من سائر المؤمنين، لأنّه إذا کانت الآية موجهة إلي المؤمنين، فإنّ علياً ـ وهو أفضل المؤمنين ـ يکون أميراً لهم فإنَّ الأمير أشرف القوم بحکم إمارته.

«وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدي وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّي وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً».

النساء/ 115.

روي العلاّمة البحراني (قده) عن ابن مردويه في معني هذه الآية قال: (من بعد ما تبين له الهدي في أمر علي)[30] .

(أقول) يعني: بعدما ظهر له الأمر بخلافة علي بن أبي طالب في مثل يوم الدار، ويوم نزول الطير المشوي من السماء، وأکل النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) وعلي فقط منه، ويوم الغدير، وغيرها.

وقد أنکر عدد من الأصحاب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) إصراره علي استخلاف علي، حتي لجأ النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ـ وهو الصادق المصدّق، وهو الذي لا ينطق عن الهوي إنْ هو إلا وحيٌّ يُوحي ـ إلي اليمين علي تصديق نفسه وصدق کلامه حيث قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): (والله الذي لا إله إلاّ هو إنّه من عند الله) کما هو مشهود في کتب الحديث، والتفسير، والتاريخ.

«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً».

النساء/ 122.

روي العلاّمة البحراني (قده) عن إبراهيم الأصفهاني في (ما نزل من القرآن في علي) بالإسناد عن شريک بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن الحارث[31] قال علي ـ:

(نحن أهل بيت لا نُقاس بالنّاس).

فقام رجل فأتي ابن عباس فأخبره بذلک.

فقال: صدق علي، النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) لا يقاس بالنّاس، وقد نزل في علي «الذين آمنوا وعملوا الصالحات»[32] .

(أقول) هذا الحديث إشارةً إلي الأحاديث الکثيرة الواردة في أنَّ «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» هم علي وشيعته.

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ».

النساء/ 135.

أخرج الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (بسنده المذکور) في حليته عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلّم):

ما أنزل الله آية فيها «يا أيها الذين آمنوا» إلاّ وعليّ رأسها وأميرها[33] .

«إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْکِ الأَسْفَلِ مِنَ النّار».

النساء/ 145.

هم مبغضُو علي (عليه السلام):

أخرج الحافظ (الشافعي) ابن عساکر في (تاريخ مدينة دمشق) قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم (بسنده المذکور) عن أحمد بن حنبل ـ في حديث ـ أنّه قال:

ولکن الحديث الذي ليس عليه لبس قوله النبي (صلي الله عليه وسلّم):

(يا علي لا يحبک إلاّ مؤمن، ولا يبغضک إلاّ منافق).

وقال الله عزّ وجلّ:

«إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْکِ الأَسْفَلِ مِنَ النّار»[34] .

وأخرج علاّمة واسط، الحافظ الشافعي أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه، عن أبي إسحاق إبراهيم بن غسان البصري إجازة (بسنده المذکور) عن علي (کرّم الله وجهه) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلّم):

(الويل لظالمي أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين: في الدّرک الأسفل من النّار)[35] .

«فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ».

النساء/ 173.

أخرج عالم الأحناف الحافظ الحسکاني، قال: حدثني علي بن موسي بن إسحاق (بسنده المذکور) عن علي بن بذيمة، عن عکرمة، عن ابن عباس قال:

ما في القرآن آية «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» إلاّ وعلي أميرها وشريفها، وما من أصحاب محمد رجل إلاّ وقد عاتبه الله، وما ذکر علياً إلاّ بخير[36] .

(أقول) قوله (وما من أصحاب محمد رجل إلاّ وقد عاتبه الله) هذا لا يعدو أنْ يکون عاماً، وقديماً قيل وقد اشتهر (ما من عام إلاّ وقد خص).

(ولا يخفي) أنّ هذه الآية باعتبار تکررها في القرآن الحکيم، يکون بعدد تکررها فضيلة علي متکررة، ولذا نکرّر ذکر هذا الحديث وأشباهه عند تکرر الآية.









  1. شواهد التنزيل/ ج1/ ص135.
  2. حلية الأولياء/ ج1/ ص64.
  3. مناقب الخوارزمي/ ص189.
  4. نور الأبصار/ ص70.
  5. اٍسعاف الراغبين/ ص149.
  6. الکتاب الصغير للسيد البحراني ص79 نقلاً عن ابن مردويه.
  7. شواهد التنزيل/ ج1/ ص143.
  8. المناقب لابن المغازلي/ ص318.
  9. غاية المرام/ ص325.
  10. المناقب لابن المغازلي/ ص267.
  11. الصواعق المحرقة/ ص150.
  12. رشفة الصادي/ ص37.
  13. ينابيع الموّدة/ ص121.
  14. الصواعق المحرقة/ ص93.
  15. غاية المرام.
  16. شواهد التنزيل/ ج1/ ص21.
  17. غاية المرام/ ص263-264.
  18. حاشية شواهد التنزيل/ ج1/ ص379 (نقلاً) عن تاريخ دمشق لابن عساکر/ ج20/ ص52.
  19. ديوان السيد الحميري/ حرف العين.
  20. غاية المرام/ ص246.
  21. شواهد التنزيل/ ج1/ ص153-154.
  22. أرجح المطالب/ ص22.
  23. کتاب الأربعين المنتقي مخطوط الحديث (28).
  24. شواهد التنزيل/ ج1/ ص54.
  25. غاية المرام/ ص403-404.
  26. غاية المرام/ ص542.
  27. ينابيع الموّدة/ ص512.
  28. مروج الذهب/ ج3/ ص9.
  29. المناقب للخوارزمي/ ص188.
  30. غاية المرام/ ص437.
  31. هو أبو زهير الحارث بن عبد الله الهمداني الکوفي، من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخاصته، لم يصحب النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ولکن کان من کبار التابعين، له أحاديث کثيرة في التفسير، والفقه، والکلام وغيرها رواها عن عديد من الصحابة، وروي عنه جمع من التابعين وتابعيهم، نقل عدداً من الأحاديث في فضائل أهل البيت، وخاصة في فضائل أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب (عليه السلام) مات عام (65) للهجرة ذکره وترجم له الکثير من أصحاب الرجال والسيرة، والتاريخ، نذکر جمعاً منهم ـ من العامّة ـ للملاحظة وهم: ـ

    محمّد بن سعد کاتب الواقدي في (الطبقات الکبري) ج6/ ص116.

    ومحمّد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح في (التاريخ الکبير) ج1/ ق2/ ص271.

    وفي (التاريخ الصغير) ص78.

    وفي (کتاب الضعفاء الصغير) ص8.

    وأبو داود السجستاني في (الرسالة إلي أهل مکة) ص1.

    ومحمّد بن أحمد الدولابي في (الکني والأسماء) ج1/ ص183.

    ومحمّد بن جرير الطبري في (الذيل المذيل) ص108.

    وابن أبي حاتم الرازي في (الجرح والتعديل) ج1/ ق2/ ص78.

    وعبد العظيم المنذري في (الترغيب والترهيب) ص698.

    والعلاّمة الذهبي في (ميزان الاعتدال) ج1/ ص176.

    وعبد الله بن أسعد اليافعي في (مرآة الجنان) ج1/ ص141.

    وإسماعيل بن عمر بن کثير الدمشقي في تفسيره/ ج1/ ص459.

    وعبد القادر القرشي في (الجواهر المضيئة) ج1/ ص30.

    وابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب) ج2/ ص145.

    وفي (تقريب التهذيب) ص74.

    وأحمد بن عبد الله الخزرجي في (خلاصة تهذيب التهذيب) ص68.

    وآخرون أيضاً.

  32. غاية المرام/ ص327.
  33. حلية الأولياء/ ج1/ ص64.
  34. تاريخ ابن عساکر، قسم ترجمة الإمام علي بن أبي طالب/ ج2/ ص253.
  35. المناقب لابن المغازلي/ ص66.
  36. شواهد التنزيل/ ج1/ ص21.