سوره اسراء











سوره اسراء



(وفيها ثلاث عشرة آية)

1- فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْکُمْ عِباداً (إلي) وَجَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِيراً / 5-6.

2- وَکُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ / 13.

3- وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ / 26.

4- وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّکَ / 28.

5- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّکَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً / 41.

6- أُولئِکَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ / 57.

7- وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ / 64.

8- يَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ / 71.

9- وَمَنْ کانَ فِي هذِهِ أَعْمي فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمي / 72.

10- وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ / 80.

11- وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ / 81.

12- وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ / 89.

«فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْکُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَکانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِيراً».

الإسراء/ 5-6.

أخرج العلاّمة السيّد هاشم البحراني في تفسيره، عن إمام العامّة في التفسير، أبي جعفر محمد بن جرير (بسنده المذکور) عن زاذان، عن سلمان قال: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وسلّم): إنّ الله تبارک وتعالي لم يبعث نبياً ولا رسولاً، إلا جعل له اثني عشر نقيباً...

فقلت: يا رسول الله لقد عرفت هذا من أهل الکتابين.

فقال (صلي الله عليه وسلّم): يا سلمان هل علمت من نقبائي، ومن الاثني عشر الذين اختارهم الله للأُمة من بعدي؟

فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال (صلي الله عليه وسلّم): يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته، وخلق من نوري (علياً) ودعاه فأطاعه، وخلق مني ومن علي (فاطمة) فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي وفاطمة (الحسن) ودعاه فأطاعه، وخلق مني ومن علي وفاطمة (الحسين) ودعاه فأطاعه، ثم سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمد. والله العلي فهذا علي، والله الفاطر فهذه فاطمة، والله الإحسان فهذا الحسن، والله المحسن فهذا الحسين.

ثم خلق منّا ومن نور الحسين تسعة أئمّة، فدعاهم فأطاعوه قبل أنْ خلق الله سماءً مبنية، ولا أرضاً مدحية ولا ملکاً ولا بشراً دوننا، نور نسبح الله ونسمع ونطيع.

قال سلمان: فقلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي فما لمن عرف هؤلاء؟

فقال: يا سلمان من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدي بهم، ووالي وليهم وتبرأ من عدوّهم، فهو والله منّا يرد حيثُ نرد، ويسکن حيث نسکن.

فقلت: يا رسول الله فهل يکون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟

فقال: لا يا سلمان.

فقلت: يا رسول الله فأني لي بهم؟ قد عرفت إلي الحسين.

قال (صلي الله عليه وسلّم): ثم سيّد العابدين علي بن الحسين، ثم ابنه محمد بن علي، باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم جعفر بن محمد لسان الله الصادق، ثم موسي بن جعفر، الکاظم غيظه صبراً في الله عزّ وجلّ، ثم علي بن موسي الرضا لأمر الله، ثم محمد بن علي، المختار من خلق الله، ثم علي بن محمد، الهادي إلي الله، ثم الحسن بن علي، الصامت الأمين لسرِّ الله ثم محمد بن الحسن الهادي، والمهدي الناطق القائم بحق الله.

قال (صلي الله عليه وسلّم): يا سلمان إنّک مدرکه ومن کان مثلک ومن تولاّه بحقيقة المعرفة.

قال سلمان: فشکرت الله کثيراً ثم قلت: يا رسول الله وإنّي مؤجل إلي عهده؟

قال: يا سلمان اقرأ (قوله تعالي):

«فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْکُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَکانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِيراً».

قال سلمان: فاشتّد بکائي وشوقي ثم قلت: يا رسول الله بعهد منک؟

فقال (صلي الله عليه وسلّم): أي والله الذي أرسل محمداً بالحق، مني ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة وکل من هو منا ومعنا وفينا، أي الله (يا سلمان) وليحضرن إبليس وجنوده، وکل من محض الإيمان محضاً ومحض الکفر محضاً، حتي يؤخذ بالقصاص والأوتار والأثوار، ولا يظلم ربک أحداً، وتحقق تأويل هذه الآية:

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَکِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا يَحْذَرُونَ». (القصص/ 5-6).

قال سلمان: فقمت بين يدي رسول الله، وما يبالي سلمان لقي الموت أو الموت لقيه[1] .

«وَکُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ».

الإسراء/ 13.

أخرج الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) بسنده المذکور، عن أبي عبد الله، جعفر الصادق (رضي الله عنه) ـ في حديث ـ قال: قال الله عزّ وجلّ:

«وَکُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ».

يعني: ولاية الإمام[2] .

(أقول) هذا تأويل (الطائر) لأنّ ولاية الإمام هي أظهر مصاديق الطائر، إذ کل الأعمال تنبثق عن ولاية الإمام، فمن يتولّي الإمام الصادق ـ مثلاً ـ تختلف أعماله عن أعمال من يتولّي غيره، وهکذا وحيث إنّ لکل زمان إماماً، کان إطلاق الحديث شاملاً لجميع الأئمة الاثني عشر، بدءاً من أمير المؤمنين، وختاماً بالمهدي المنتظر (عليهم السلام).

«وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ وَالْمِسْکِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً».

الإسراء/ 26.

أخرج علاّمة الحنفية، الموفّق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه في حديث المناشدة يوم الشوري، قول علي بن أبي طالب للخمسة:

(أمنکم أحدٌ تمّم الله نوره من السماء حين قال: فآتِ ذا القربي حقّه غيري؟ قالوا: اللّهم لا)[3] .

(أقول) في القرآن آيتان بنص «آت ذا القربي حقه» إحداهما هنا مصدّرة بالواو، والأخري في سورة الروم مصدّرة بالفاء، وحديث المناشدة وإنْ ذکر فيه المصدّرة بالفاء، إلاّ أنّه موضوع واحد تکرّر نقله في القرآن، نظير غير واحد من أمثاله، وليس هذا بتکرار کما فصّلناه في بعض المباحث، فلاحظ والله العالم.

وروي الفقيه الشافعي، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بکر (السيوطي) في تفسيره، عن أبي جعفر (الطبري) في تفسيره (جامع البيان) قال: حدّثني محمد بن عمارة الأسدي (بإسناده المذکور) عن أبي الديلم قال: علي بن الحسين (بن علي بن أبي طالب) لرجل من أهل الشام:

أقرأت القرآن؟

قال: نعم.

قال: أفما قرأت في بني إسرائيل «وآت ذا القربي حقه»؟

قال: وإنّکم للقرابة التي أمر الله جلَّ ثناؤه أنْ يؤتي حقه؟

قال: نعم[4] .

وروي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو نصر المفسر (بإسناده المذکور) عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال ـ في حديث ـ:

قالوا: يا رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) من قرابتک؟

قال (صلي الله عليه وآله): علي وفاطمة وابناهما[5] .

وروي هو أيضاً قال: حدثني عبد الله بن أحمد الهروي (بإسناده المذکور) عن طاووس، يقول:

قال ابن جبير: القربي آل محمد (صلي الله عليه وسلّم)[6] .

(أقول) الروايات عن النبي (صلي الله عليه وسلّم) وعن أهل البيت، وعن الصحابة، في کون القربي آل محمد، وأنَّ علياً هو من آل محمد، بل سيّد الآل کثيرة جداً، تجد بعضاً منها في مطاوي هذا الکتاب، فقد مرّ بعضها وسيأتي بعضها الآخر.

وقال السمهودي في (وفاء الوفا): قال المجد: قال الواقدي: کان مخيريق اليهودي أحد بني النضير حبراً عالماً فآمن بالنبي (صلي الله عليه وسلّم) وجعل ماله ـ وهو سبع حوائط ـ لرسول الله (صلي الله عليه وسلّم).

وقال: روي ابن زبالة عن محمد بن کعب[7] : إنّ صدقات رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) کانت أموالاً لمخيريق اليهودي، فلمّا کان يوم أحد قال لليهود: إلاّ تنصرون محمداً، فو الله إنّکم لتعلمون أنَّ نصرته حق (قالوا): اليوم السبت (قال): فلا سبت لکم، وأخذ سيفه فمضي مع النبي (صلي الله عليه وسلّم) فقاتل حتي أثخنته الجراح، فلمّا حضرته الوفاة قال: (أموالي إلي محمد يضعها حيث يشاء) وکان ذا مال، فهي عامّة صدقات النبي (صلي الله عليه وسلّم).

وأمواله هذه التي أوصي بها هي بساتينه السبع، وهي: الدِلال، وبرقة الصافية، والميثب، ومشربة أم إبراهيم، والأعواف، وحسني، وأوقفها النبي (صلي الله عليه وسلّم) علي خصوص فاطمة ـ وکان يأخذ منها لأضيافه وحوائجه ـ وعند وفاتها أوصت بهذه البساتين، وکل ما کان لها من مال إلي أمير المؤمنين[8] .

«وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّکَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً».

الإسراء/ 28.

روي الحافظ القندوزي (الحنفي) عن الشيخ الکبير، أبي بکر بن مؤمن الشيرازي في (رسالة الاعتقاد) روي بإسناده عن أبي ذر الغفاري في قوله تعالي:

«وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّکَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً».

(قال أبو ذر):

إنذ هذه الآية نزلت في علي وفاطمة، حيث أهدي ملک الحبشة إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) عشر إماء[9] .

«وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّکَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً».

الإسراء/ 41.

روي الحافظ الحسکاني (الحنفي) عن فرات في تفسيره (بإسناده المذکور) عن جابر، قال: قال أبو جعفر (الباقر): قال الله:

«وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ».

يعني: لقد ذکرنا علياً في کل آية، فأبوا ولاية علي

«وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً»[10] .

(أقول) يعني: کلّما ذکرنا علياً في آيات مختلفة في القرآن، فضائله المختلفة ما أذعنوا لولايته.

«أُولئِکَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّکَ کانَ مَحْذُوراً».

الإسراء/ 57.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد (بإسناده المذکور) عن عکرمة في قوله (تعالي):

«أُولئِکَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ».

قال (عکرمة): هم النبي، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين[11] .

(أقول) يعني: الوسيلة إلي الله هم الخمسة أصحاب الکساء، وهکذا ذريتهم الأئمّة الطاهرون، الذين ثبت بأدلة أخري، کونهم امتداد لأصحاب الکساء، وأما غير هؤلاء، فليسوا وسيلة إلي الله، إلا بالتقرب إلي الله بهؤلاء، فالکفار يدعون من دون الله أناساً کموسي، وعيسي، وغيرهما، وهؤلاء الذين يدعونهم هم بأنفسهم، لا يملکون النجاة لأنفسهم، إلاّ بالتوسل إلي الله تعالي، بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ذرية الحسين.

(وعکرمة) هذا الذي نروي عنه في هذا الکتاب کثيراً، هو مولي لابن عباس، وکان من الخوارج الذين يبغضون علياً، وشهروا سيوفهم في وجه علي،فيظهر من الأحاديث الشريفة أنّه من أهل النّار، فقد روي العلاّمة المجلسي (قدّس سرّه) في (بحار الأنوار) عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، أنّه قيل له: إنّ عکرمة مولي ابن عباس قد حضرته الوفاء، فقال (عليه السلام): (إنْ أدرکته علّمته کلاماً لم تطعمه النّار).

فهذا الکلام من الإمام يدل علي أنّ عکرمة مات علي النصب والعداء لعلي بن أبي طالب، وإنّه من أهل النّار.

ونقلنا للأحاديث عن مثل عکرمة في فضيلة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفي نزول آيات القرآن في فضله وشأنه أقوي دلالة، وأسد للحُجّة (فالفضل ما شهدت به الأعداء).

(وقد) تتابعت الأحاديث عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) في الوسيلة، وأنَّها درجة رفيعة في الجنّة، فقد أخرج علاّمة الشوافع ابن المغازلي الحافظ، عن أبي نصر أحمد بن موسي الطحان (بإسناده المذکور) عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ـ کرّم الله وجهه ـ قال: قال رسول الله ـ (صلي الله عليه وآله وسلّم) ـ:

وفي الجنّة درجة تسمي الوسيلة وهي النبي، وأرجو أنْ أکون أنا، فإذا سألتموها فاسألوها لي.

فقالوا: من يسکن معک يا رسول الله؟

قال: فاطمة وبعلها والحسن والحسين ـ رضي الله عنهم ـ[12] وممّن أخرج ذلک: علاّمة الأحناف المتقي الهندي في منتخب الکنز[13] .

والحافظ ابن الکثير الدمشقي في تفسيره[14] .

وأخطب خطباء خوارزم، الموفّق بن أحمد (الحنفي) في مقتل الحسين[15] .

وآخرون...

«وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِکَ وَرَجِلِکَ وَشارِکْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً».

الإسراء/ 64.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو علي الخالدي، کتابة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وکتبته من خط يده (بإسناده المذکور) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

کنا مع النبي (صلي الله عليه وسلّم) إذ أبصر برجل ساجد راکع متطوع متضرع، فقلنا: يا رسول الله ما أحسن صلاته.

فقال (صلي الله عليه وسلّم): هذا الذي أخرج أباکم آدم من الجنّة.

فمضي إليه عليّ غير مکترث فهزّه هزاً أدخل أضلاعه اليمني في اليسري، واليسري في اليمني، ثم قال: لأقتلنک إنْ شاء الله.

قال: لن تقدر علي ذلک، إنّ لي أجلاً معلوماً من عند ربي، ما لک تريد قتلي، فو الله ما أبغضک أحد إلاّ سبقت نطفتي في رحم أمه، قبل أن يسبق نطفة أبيه، ولقد شارکت مبغضک في الأموال، والأولاد، وهو قول الله في محکم کتابه:

«وَشارِکْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً».

فقال النبي (صلي الله عليه وسلّم): صدقک والله يا علي، لا يبغضک من قريش إلاّ (سفاحياً)[16] ولا من الأنصار إلاّ يهودياً، ولا من العرب إلاّ دعياً[17] ولا من سائر النّاس إلاّ شقياً، ولا من النساء إلاّ سلقلقية[18] ، وهي التي تحيض من دبرها.

ثم أطرق (النبي) ملياً فقال:

معاشر الأنصار ربّوا أولادکم علي محبّة علي.

قال جابر: کنّا نبور أولادنا (بعد) وقعة الحرَّة بحبِّ علي، فمن أحبِّه علمنا أنِّه من أولادنا، ومن أبغضه أشفينا منه[19] .

(أقول) أشفينا منه أي: تبرأنا منه وأنکرناه، ونبور أي: نمتحن

ووقعة الحرة هي التي بعث فيها يزيد بن معاوية رسوله (مسلم بن عقبة) علي رأس جيش، واستباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام قتلاً، وزناً ونهباً، حتي ساوي الدم قبر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) من کثرة من قتلوهم في المسجد النبوي، وولد تلک السنة ألف مولود من غير أب، ولم يکن ليجرأ أحد بعد ذلک إذا زوج ابنته أنْ يضمن بکارتها.. وکان ما کان الخ.

ولذا کان النّاس إذا ولد لهم بعد وقعة الحرة مولود، فإذا نشأ عرضوا عليه اسم علي بن أبي طالب وفضائله، فإنْ کان يقول: أُحبَّه علموا أنَّه ولد أبيه وإنْ کان يقول: لا أُحبُّه علموا أنَّه لغير أبيه.

(ولا يخفي) أنَّ هذا ليس معناه الانقطاع النسبي، لأنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر ـ کما هو مفصّل في الفقه.

(ولا بأس) بهذه المناسبة من ذکر قصة (أبي دلف) مع ابنه ـ کما ذکره المسعودي في مروج الذهب ـ قال:

(ذکر علي بن أبي دلف أنَّ أخاه (دلف) ـ وبه کان يکني أبوه أبا دلف ـ کان ينتقص علي بن أبي طالب، ويضع منه ومن شيعته، وينسبهم إلي الجهل، وأنَّه قال يوماً ـ وهو في مجلس أبيه ولم يکن أبوه حاضراً ـ: إنّهم يزعمون أنْ لا ينتقص علياً أحد إلاّ کان لغير رشده، وأنتم تعلمون غيرة الأمير ـ يعني أباه ـ وأنّه لا يتهيأ للطعن علي أحد من حرمه، وأنا أبغض علياً.

قال (يعني: عيسي بن أبي دلف): فما کان بأوشک من أنْ خرج أبو دلف، فلمّا رأيناه قمنا له فقال: قد سمعت ما قاله دلف، والحديث لا يکذب، والخبر الوارد في هذا المعني لا يختلف.

هو والله لزنية وحيضة، وذلک أنّي کنت عليلاً، فبعثت إليّ أختي جارية لها کنت بها معجباً، فلم أتمالک أنْ وقعت عليها، وکانت حائضاً فعلقت به، فلمّا ظهر حملها وهبتها لي)[20] .

(أقول أيضاً) (أبو دلف) هذا کان من الأمراء في الدولة العباسية، وکان شاعراً مجيداً، وکريماً، ورئيس قومه، وسيّد عشيرته، وشجاعاً بطلاً، تنقل عنه قصص وقضايا غريبة في شجاعته وکرمه، وکان هو شيعياً إلاّ أنّ ابنه (دلف) کان يبغض علياً، وله مسجد ومنارة ملوية في أطراف مدينة (سامراء) علي بعد ثلاثة فراسخ تنسب إليه يقال لها (ملوية أبي دلف) لکن المسجد متهدم، والمنارة الملوية موجودة، وعمر الملوية الآن حوالي ألف ومائتي عام. لأنّ أبا دلف مات عام مائتين وعشرين للهجرة، والآن عام ألف وثلاثمائة وستة وتسعين للهجرة.

قوله (هو والله لزنية وحيضة) ثبت علمياً أنَّ المقاربة حال الحيض تمنع عن تعلق الولد، ولکن لم يثبت أنَّه لا يبقي بعض الجينات التي تؤثر في الولد الذي يکون بمقاربة أخري بعد المحيض، وليس في الکلام ما يدل علي أنَّه قاربها مرة واحدة في حال الحيض فقط، ولم يقاربها بعد ذلک، إذ المستفاد من بعض التواريخ أنَّ أخته بعثت إليه بهذه الجارية لتمرضه، وهذا يقتضي بقاؤها معه مدة وأياماً.

أضف إلي ذلک، إنّ عدم التعلق في حال الحيض ليس إلاّ غالبياً، فلعل التعلق کان في وقت الحيض نفسه، وليس هذا بأعجب من تکوّن الولد ونموه في المعدة التي صادفت في زماننا هذا، ونقلتها الصحف والمجلات.

وأخرج نحواً ممّا ذکره الحاکم الحسکاني علاّمة الأحناف، أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد الخوارزمي، بزيادة ونقيصة لا تضران بأصل المطلب، عن شهردار إجازة (بإسناده المفصل المذکور) عن ابن أبي جريح، عن مجاهد، عن ابن عباس[21] .

«يَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ کِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِکَ يَقْرَؤُنَ کِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً».

الإسراء/ 71.

روي العلاّمة البحراني (قده) عن يوسف القطّان في تفسيره (بإسناده المذکور) عن ابن عباس في قوله تعالي:

«يَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ».

قال: إذا کان يوم القيامة، دعا الله عزّ وجلّ أئمّة الهدي، ومصابيح الدجي، وأعلام التقي أمير المؤمنين والحسن والحسين ثم يقال لهم:

جوزوا علي الصراط أنتم وشيعتکم، وادخلوا الجنّة بغير حساب.

ثم يدعو (الله) أئمة الفسق ـ وإنَّ والله يزيد منهم ـ فيقال له: خذ بيد شيعتک وامضوا إلي النّار بغير حساب)[22] .

وأخرج قريباً من هذا المضمون الحافظ القندوزي (الحنفي) في ينابيعه[23] .

«وَمَنْ کانَ فِي هذِهِ أَعْمي فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمي وَأَضَلُّ سَبِيلاً».

الإسراء/ 72.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: حدثني أبو الحسن الصيدلاني (بإسناده المذکور) عن علي قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) للمهاجرين والأنصار:

(حبوا علياً لحبي، وأکرموه لکرامتي، والله ما قلت لکم هذا من قبلي (أي: من تلقاء نفسي) ولکنَّ الله تعالي أمرني بذلک).

ثم قال: (صلي الله عليه وسلّم):

(ويا معشر العرب من أبغض علياً من بعدي، حشره الله يوم القيامة أعمي، ليس له حُجّة)[24] .

(أقول): الحشر أعمي يوم القيامة دليل العمي في الدنيا، فتنطبق علي مثله هذه الآية الکريمة، إنْ لم يکن ذلک تأويلها رأساً.

«وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْکَ سُلْطاناً نَصِيراً».

الإسراء/ 80.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذکور) عن عبد الله بن عباس في قوله تعالي:

«وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْکَ سُلْطاناً نَصِيراً».

قال ابن عباس:

والله لقد استجاب الله لنبينا دعاءه، فأعطاه علي بن أبي طالب، سلطاناً ينصره علي أعدائه[25] .

«وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً»

الإسراء/ 81.

روي العلاّمة البحراني (قده) قال: ذکر أبو بکر الشيرازي في (نزل القرآن في شأن أمير المؤمنين) عن قتادة عن ابن المسيب، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال لي جابر بن عبد الله: دخلنا مع النبي (صلي الله عليه وسلّم) في البيت، وحوله ثلاثمائة وستون صنماً، فأمر بها رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) فألقيت کلها لوجوهها، وکان علي البيت صنم طويل، يقال له (هبل) فنظر النبي (صلي الله عليه وسلّم) إلي علي فقال يا علي، ترکب عليّ أو أرکب عليک، لأُلقي هبلاً عن ظهر الکعبة؟

(فقال علي) قلت: يا رسول الله بل ترکبني، فلمّا جلس علي ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة. فقلت: يا رسول الله أرکبک، فضحک ونزل وطأطأ ظهره واستويت عليه. فو الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لو أردت أنْ أمسک السماء لمسکتها بيدي، فالقيت هبلاً عن ظهر الکعبة.

فأنزل الله:

«وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ» الآية[26] .

وأخرج ذلک بأسانيد عديدة وبعض الاختلاف ببعض الألفاظ، واتحاد في المعني، الکثير من الحفّاظ والأثبات والأئمة:

(ومنهم) الإمام أحمد بن حنبل في مسنده[27] .

(ومنهم) الحاکم النيسابوري الحافظ في مستدرکه[28] .

(ومنهم) أبو بکر الخطيب البغدادي في تاريخه[29] .

(ومنهم) أخطب خوارزم في مناقبه[30] .

(ومنهم) المتقي الهندي (الحنفي) في کنزه[31] .

(ومنهم) المحب الطبري (الشافعي) في رياضه[32] .

(ومنهم) الکنجي الشافعي القرشي في کفايته[33] .

وآخرون...

«وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ فَأَبي أَکْثَرُ النّاس إِلاَّ کُفُوراً».

الإسراء/ 89.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: قرأت في التفسير العتيق (بإسناده المذکور) عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين (بن علي بن أبي طالب) في قوله تعالي:

«فَأَبي أَکْثَرُ النّاس إِلاَّ کُفُوراً».

قال: بولاية علي، يوم أقامه رسول الله (صلي الله عليه وسلّم)[34] .

(أقول) يعني: کفروا بولاية علي بن أبي طالب يوم الغدير، التي أقامها الرسول (صلي الله عليه وسلّم) في ذلک اليوم، حيث أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال:

(معاشر النّاس من کنت مولاه، فهذا علي مولاه).









  1. تفسير البرهان/ ج2/ ص406-407.
  2. ينابيع الموّدة/ ص454.
  3. المناقب للخوارزمي/ ص131.
  4. الدّر المنثور/ ج4/ ص176.
  5. شواهد التنزيل/ ج2/ ص134.
  6. شواهد التنزيل/ ج2ص136.
  7. هو أبو حمزة (أبو عبد الله) محمّد بن کعب القرظي الکوفي المدني، من کبار التابعين، روي عن العديد من الصحابة والکثير من التابعين، وأخذ عنه الکثير من التابعين وتابعيهم، روي أحاديثه أصحاب الصحاح الستة کلهم، وغيرهم من أصحاب الحديث، نقل بعض فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في التفسير، وکذلک بعض فضائل أهل البيت (عليهم السلام) مات عام (119) للهجرة علي الأرجح، وقيل غير ذلک.

    ذکره وترجم له العديد من أصحاب الرجال والمؤرخين، نذکر جماعة منهم ـ من العامّة ـ للمراجعة: وهم.

    محمّد بن إسماعيل البخاري في (التاريخ الکبير) ج1/ ق1/ ص214.

    وفي (التاريخ الصغير) ص114.

    وعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري في (المعارف) ص202.

    وأحمد بن حجر العقسلاني في (تهذيب التهذيب) ج9/ص 420.

    وفي (تقريب التهذيب) ص336.

    ومحمود بن أحمد العيني في (عمدة القاري) ج4/ ص109.

    وأحمد بن عبد الله الخزرجي في (خلاصة تهذيب التهذيب) ص357.

    وعبد الحي بن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) ج1/ ص136.

    ومحمّد بن محمّد الجزري في (غاية النهاية) ج2/ ص233.

    وإسماعيل بن عمر بن کثير الدمشقي في (البداية والنهاية) ج9/ ص257.

    وعبد الله بن أسعد اليافعي في (مرآة الجنان) ج1/ ص229.

    والعلامة الذهبي في (تذکرة الحفّاظ) ج1/ ص100.

    وفي (المشتبه في أسماء الرجال) ص421.

    وفي (دول الإسلام) ج1/ ص53.

    ومحمّد بن أحمد الدولابي في (الکني والأسماء) ج1/ ص154.

    وابن أبي حاتم الرازي في (الجرح والتعديل) ج4/ ق1/ ص470.

    والحاکم النيسابوري في (معرفة علوم الحديث) ص204.

    ومحمّد بن جرير الطبري في (الذيل المذيل) ص121.

    وعبد الغني الأزدي في (مشتبه النسبة) ص44.

    وأبو نعيم الإصبهاني في (حلية الأولياء) ج3/ ص212.

    والخطيب البغدادي في (موضع أوهام الجمع والتفريق) ج2/ ص402.

    ومحمّد بن طاهر القيسراني في (الجمع بين رجال الصحيحين) ص448.

    وعلي بن محمّد بن الأثير الجزري في (الکامل في التاريخ) ج5/ ص54.

    وأبو الفرج بن الجوزي في (صفة الصفوة) ج2/ ص75.

    وفي (تلقيح فهوم أهل الأثر) ص281.

    وأبو زکريا النواوي في (تهذيب الأسماء) ص116.

    وآخرون.. وآخرون..

  8. وفاء الوفا/ ج2/ ص153.
  9. ينابيع الموّدة/ ص515.
  10. شواهد التنزيل/ ج1/ ص351-353.
  11. شواهد التنزيل/ ج1/ ص343.
  12. المناقب لابن المغازلي/ ص247.
  13. منتخب کنز العمال/ ج5/ ص94.
  14. تفسير القرآن العظيم (بهامش فتح البيان) ج3/ ص341.
  15. مقتل الحسين/ ص66.
  16. أي: توالد عن زنا.
  17. الذي يدعي لغير أبيه.
  18. هي التي من کثرة الزنا صارت مجاريها مختلطة، وانخرق الغشاء بين الدبر والقبل فيها.
  19. شواهد التنزيل/ ج1/ ص343-345.
  20. مروج الذهب/ ج3/ ص475.
  21. المناقب للخوارزمي/ ص232-233.
  22. غاية المرام/ ص272.
  23. ينابيع الموّدة/ ص483.
  24. شواهد التنزيل/ ج1/ ص387.
  25. شواهد التنزيل/ ج1/ ص348-349.
  26. غاية المرام/ ص430.
  27. مسند أحمد بن حنبل/ ج1/ ص84و151.
  28. المستدرک علي الصحيحين/ ج2/ ص366.
  29. تاريخ بغداد/ ج13/ ص302.
  30. المناقب للخوارزمي/ ص71.
  31. کنز العمال/ ج6/ ص407.
  32. الرياض النضرة/ ج2/ ص200.
  33. کفاية الطالب/ ص257.
  34. شواهد التنزيل/ ج1/ ص352.