سوره ابراهيم











سوره ابراهيم



(وفيها تسع آيات)

1- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ / 23.

2- أَ لَمْ تَرَ کَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً (إلي) تُؤْتِي أُکُلَها کُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها / 24-25.

3- يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ / 27.

4- أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ (إلي) فَإِنَّ مَصِيرَکُمْ إِلَي النَّارِ / 28-30.

5- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً / 35.

6- فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ / 37.

«وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ».

إبراهيم/ 23.

روي الحافظ الحسکاني (الحنفي) قال: حدثني علي بن موسي بن إسحاق (بإسناده المذکور) عن ابن عباس قال:

(ما في القرآن آية: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» إلاّ وعليٌّ أميرها وشريفها، وما من أصحاب محمد رجل إلاّ وقد عاتبه الله، وما ذکر علياً إلاّ بخير)[1] .

(أقول) هذه الرواية هي غير الروايات الواردة في «يا أيها الذين آمنوا»، فتلک خطاب للمؤمنين أمراً ونهياً، أو وعظاً، أو نحوها، وهذه توصف المؤمنين بأنّهم عملوا الصالحات، ثم ذکر فضيلة من فضائل المؤمنين، أو درجة من درجاتهم، أو مدحهم بشيء (ولا مانع) من ورود کليهما في علي بن أبي طالب، بعد ورود الخبر المسند بکليهما فتنبّه.

«أَ لَمْ تَرَ کَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً کَلِمَةً طَيِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُکُلَها کُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها».

إبراهيم/ 24-25.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي (بإسناده المذکور) عن سلام الخثعمي قال: دخلت علي أبي جعفر، محمد بن علي فقلت: يا ابن رسول الله، قول الله تعالي:

(أصلها ثابت وفرعها في السماء).

قال: يا سلام، الشجرة محمد، والفرع علي أمير المؤمنين، والثمر الحسن والحسين، والغصن فاطمة، وشعب ذلک الغصن الأئمّة من ولد فاطمة، والورق شيعتنا ومحبّونا أهل البيت، فإذا مات من شيعتنا رجل تناثر من الشجرة ورقة، فإذا ولد لمحبينا مولود اخضرّ مکان تلک الورقة ورقة.

فقلت: يا ابن رسول الله قول الله تعالي:

«تُؤْتِي أُکُلَها کُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها» ما يعني؟

قال (عليه السلام): يعني الأئمّة تفتي شيعتهم في الحلال والحرام في کلِّ حجٍّ وعمرة[2] .

(أقول) ذکر الحج والعمرة لعلّه باعتبار أنّ الأئمّة (عليهم السلام) غالباً کانوا في الحجاز، وکانت الشيعة الذين هم في غير الحجاز کالعراق، وإيران، وغيرهما يأتون الأئمّة في مواسم الحج والعمرة، ويسألونهم أحکام الدين ومسائل الحرام والحلال.

وفي حديث عاصم بن حمزة، عن علي قال: قال رسول الله ـ (صلي الله عليه وسلّم) ـ: (شجرة أنا أصلها وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمرها والشيعة ورقها. فهل يخرج من الطيب إلاّ الطيب؟)[3] .

وأخرج نحواً منه بعبارات متغايرة في بعض ألفاظها، متّحدة في مفادها العديد من المحدِّث ين والمؤرخين:

(مثل) الحاکم النيسابوري في مستدرکه[4] .

وابن الأثير، في أسد الغابة[5] .

وابن حجر العسقلاني، في تهذيب التهذيب[6] .

وعبد الرؤوف المناوي، في فيض القدير[7] .

وآخرون...

«يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ».

إبراهيم/ 27.

روي العلاّمة البحراني، عن تفسير الحبري، عن ابن عباس في قوله تعالي:

«يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ».

قال: بولاية علي بن أبي طالب[8] .

(أقول) القول الثابت في الدنيا والآخرة، هو ولاية علي بن أبي طالب، من کانت عنده ولايته کان ثابت الإيمان في الدنيا، فلا يخرج عنها بلا إيمان، وثابت الإيمان في الآخرة، فلا يتلجلج لسانه عند الحساب.

«أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ کُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ * وَجَعَلُوا للهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَکُمْ إِلَي النّار».

إبراهيم/ 28-30.

علي هو يکفي فجّار قريش

روي السّيوطي (الشافعي) في تفسيره (الدّر المنثور) عند تفسير قوله تعالي:

«أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ کُفْراً» الآيات.

روي بإسناده عن أبي الطفيل: إنّ ابن الکوّا سأل علياً من «الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ کُفْراً»؟

قال (رضي الله عنه): هم الفجار من قريش کفيتهم يوم بدر[9] .

(أقول) باعتبار أنّ هؤلاء الفجار قد کفا علي (عليه السلام) شرّهم، ولم يدعهم يوصلوا الشر بالإسلام کانت هذه الآيات تسجيلاً في فضائل علي أمير المؤمنين.

«وَإِذْ قالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ».

إبراهيم/ 35.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو نصر، عبد الرحمن بن علي بن محمد البزاز من أصل سماعه (بإسناده المذکور) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلّم):

(أنا دعوة أبي إبراهيم).

قلنا: يا رسول الله وکيف صرت دعوة أبيک إبراهيم.

قال (صلي الله عليه وسلّم):

(أوحي الله عزّ وجلّ إلي إبراهيم (إنّي جاعلک للناس إماماً) فاستخف إبراهيم الفرح فقال: يا رب ومن ذريتي أئمة مثلي، فأوحي الله عزّ وجلّ إليه: أنْ يا إبراهيم إنّي لا أعطيک عهداً لا أفي لک به (قال) يا رب ما العهد الذي لا تفي لي به؟ (قال) لا أعطي (العهد) لظالم من ذريتک (قال) ومن الظالم من ولدي الذي لا يناله عهدک؟ (قال) من سجد لصنم من دوني لا أجعله إماماً أبداً. ولا يصلح أنْ يکون إماماً (قال إبراهيم):

«وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ کَثِيراً مِنَ النّاس».

قال النبي (صلي الله عليه وسلّم): فانتهت الدعوة إليّ وإلي علي، لم يسجد أحد منّا لصنم قط، فاتخذني الله نبياً، وعلياً وصياً[10] .

«فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاس تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْکُرُونَ».

إبراهيم/ 37.

روي العلاّمة السيّد هاشم البحراني، عن محمد بن إبراهيم العمّاني في (الغيبة) ـ من طريق النصاب ـ (بإسناده المذکور) عن حيفا، مولي عبد الرحمن بن عوف، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:

وفد علي رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) أهل اليمن، فقال النبي (صلي الله عليه وسلّم): جاءکم أهل اليمن يبسون بسيساً، فلمّا دخلوا علي رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) قال: قوم رقيقة قلوبهم، راسخ إيمانهم، (إلي أنْ قال) فقالوا: يا رسول الله ومن وصيّک؟

(إلي أنْ قال): فقال النبي (صلي الله عليه وسلّم):

(هو الذي جعله (الله) آية للمتوسمين، فإن نظرتم إليه نظر من کان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد، عرفتم أنّه وصيي کما عرفتم أنّي نبيکم، فتخللوا الصفوف وتصفحوا الوجوه فمن أهوت إليه قلوبکم فإنّه هو، لأن الله عزّ وجلّ يقول في کتابه:

(فاجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم) (يعني) إليه وإلي ذريته.

ثم قال (جابر بن عبد الله): فقام أبو عامر الأشعري في الأشعريين، وأبو غرة الخولي في الخولانيين، وظبيان وعثمان بن قيس وعرثة الدوسي في الدوسيين، ولاحق بن علاقة، فتخللوا الصفوف، وتصفحوا الوجوه، وأخذوا بيد الأصلع البطين وقالوا:

إلي هذا أهوت أفئدتنا يا رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال النبي (صلي الله عليه وسلّم): أنتم نخبة الله حين عرفتم وصيّ رسول الله قبل أنْ تعرفوه.

فبم عرفتم أنّه هو؟

فرفعوا أصواتهم يبکون وقالوا: يا رسول الله (صلي الله عليه وسلّم) نظرنا إلي القوم فلم نبخس، ولمّا رأيناه وجفّت قلوبنا، ثم أطمأنّت نفوسنا، فانجاست أکبادنا وهملت أعيننا، وتبلجت صدورنا، حتي کأنّه لنا أب، ونحن عنده بنون)[11] .

(أقول):

قوله (صلي الله عليه وسلّم): (يعني إليه وإلي ذريته) أي: إلي إبراهيم وإلي ذريته، وإلي إسماعيل وإلي ذريته، وعلي بن أبي طالب من تلک الذرية.

والرسول (صلي الله عليه وسلّم) بعلمه بتأويل القرآن وبطون القرآن: يعلم أنَّ علياً مشمول لهذه الآية الکريمة.

قول جابر (فأخذوا بيد الأصلع البطين) هذان وصفان لعلي بن أبي طالب عرف بهما، فقد وردت في عديد الروايات التعبير عن علي (بالأصلع) و (البطين) کما في رواية الأعرابي الذي سأل عمر بن الخطاب عن مسألة فوجهه عمر إلي أمير المؤمنين وقال له: (عليک بالأصلع فاسأله)، وکما في قول أهل الکوفة بعضهم لبعض، حينما برز إليهم الإمام السبط الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ: (هذا ابن الأنزع البطين) وغير ذلک.

و (البطين) ـ کما فسره بعض العلماء ـ هو عريض البطن الذين لبطنه امتداد من تحت الثدي إلي أسفل من السرة، وهذا النوع من البطن علاّمة الشجاعة والبطولة ـ کما قيل ـ وليس معناه الکبير البطن البارز البطن لأنّه مضافاً إلي مناقضته للشجاعة والعمل الکثير، ليس مدحاً.









  1. شواهد التنزيل/ ج1/ ص21.
  2. شواهد التنزيل/ ج1/ ص311-312.
  3. کفاية الطالب/ ص220.
  4. المستدرک علي الصحيحين/ ج3/ ص126.
  5. أسد الغابة/ ج4/ ص22.
  6. تهذيب التهذيب/ ج6/ ص320.
  7. فيض القدير/ ج3/ ص46.
  8. غاية المرام/ ص400.
  9. الدّر المنثور/ عند تفسير سورة إبراهيم.
  10. شواهد التنزيل/ ج1/ ص316.
  11. غاية المرام/ ص242.