علي والجهاد











علي والجهاد



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله علي ما أنعم وصلي الله علي سيد العرب والعجم محمد وآله أهل الجود والکرم.

قال الله تعالي: (إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون)[1] الآية.

الإسلام هو الدين الوحيد الذي يحافظ علي الأمن والسلام، وهو الذي يحافظ علي النفوس والأموال والحقوق أکثر من أي دين آخر، وأبغض شي ء عند الإسلام هو إراقة دماء البشر وسلبهم نعمة الحياة بغير حق، ولکن الشرع والعقل والقانون يسمح بإراقة دم کل من يقف حجر عثرة في سبيل إسعاد أبناء البشر.

مثلاً: بلدة ليس فيها طبيب ولا دواء، وقد انتشرت فيهم الأمراض وأخذت منهم کل مأخذ، فجاء طبيب يداوي المرضي ويهب لهم الدواء مجاناً وبلا عوض، ويصلح کل ما فسد منهم ويعيد إليهم ما فقدوه من الصحة والعافية والسلامة ليعيشوا سعداء أصحاء.

وإذا بجماعة يحولون بين الطبيب وبين تداوي الناس ويحاربونه بکل ما لديهم من قوة ليحطوا من نشاط الطبيب، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وکلما صاح فيهم الطبيب وصرخ وذکر لهم الهدف الذي يبتغيه لأجلهم وهو الخير ازدادوا عناداً، وجعلوا يهددون المرضي الذين قد تحسنت صحتهم ولمسوا العافية من نصائح الطبيب بالوعيد، وکأن هؤلاء لا يعجبهم أن يروا السلامة والصحة تخيمان علي رؤوس المرضي.

أليس العقل يحکم علي هؤلاء المهرجين بالإعدام؟ أليس هؤلاء أضر علي البشر من الحيوانات المفترسة؟ أليس هؤلاء أشد خطراً من الأمراض الفتاکة التي تهدد البشر بالفناء؟ فالمريض هو المجتمع الجاهلي الفاسد، والطبيب هو الرسول، والمهرجون هم المناوئون للرسول، علي هذا أمر الإسلام بجهاد المشرکين والکفار الذين حاربوا رسول الله (صلّي الله عليه وآله) يوم کان في مکة وهجموا عليه ليقتلوه وکفاه الله شرهم، واضطر النبي أن يترک مسقط رأسه ويهاجر من وطنه کي يستطيع الاستمرار في الدعوة إلي مبدئه وإذا بالأعداء يطاردونه، وتتحزب الأحزاب ضده، ويستعين بعضهم ببعض للقضاء علي الرسول ومبدئه وعلي کل من اعتنق ذلک الدين الذي اعتبروه ديناً جديداً.

ولابد للرسول الأعظم أن يقف أمام هؤلاء للدفاع عن نفسه ومبدئه فهو بحاجة ماسة إلي الأنصار والأعوان ليقاوم بهم الأعداء الألداء، وهم الأنصار أصحابه الذين أسلموا علي يديه وهاجروا من مکة، وفيهم الشيوخ والکهول والشبان والمراهقون، وقد امتلأوا حباً للإسلام وتسلحوا بسلاح الإيمان الذي هو أقوي سلاح.

ولکن غريزة حب الحياة ما فارقتهم في بدء الأمر، فمن الصعب المستصعب عليهم أن يخوضوا غمار الموت، ويستقبلوا السيوف والرماح وخاصة وهم الأقلون عدداً وعدة، وعدوهم هو الأکثر عدداً وعدة.

وقعت الحرب الأولي للمسلمين في منطقة بين المدينة ومکة يقال لها: (بدر) فقد خرج الرسول بجيشه إلي ذلک الموضع واستقبل المشرکين الذين قصدوه من مکة، وفي بدر التقي العسکران وکان عدد المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وعدد المشرکين بين التسعمائة والألف وقد اجتمع مشرکو مکة وکفارها، وفيهم أقطاب الشرک کأبي جهل وأبي سفيان، وهم يزعمون أن الغلبة لهم والنصر والظفر من نصيبهم، ولکن الله أراد شيئاً آخر، فکم من فئة قليلة غلبت فئة کبيرة بإذن الله.

وکان علي (عليه السلام) له الحظ الأوفر والنصيب الأکثر من الشجاعة ومقاتلة الأبطال ومنازلة الشجعان، ولا أقصد من کلمتي هذه أن علياً کان سفاکاً للدماء، بل المقصود: أن إيمان علي (عليه السلام) بالله کان فوق کل غريزة وکل اتجاه، مع العلم أنه کان يومذاک في ريعان الشباب، والشاب أکثر تعلقاً بالحياة من الشيخ الذي قضي وطره في حياة الدنيا، مع ذلک لم يکن علي (عليه السلام) يعرف للخوف معني، ولا للجبن مفهوماً في نفسه، بل کان يستقبل الموت برحابة صدر ويهرول في الحرب جانب العدو کأنه يقصد شيئاً يحبه حتي أجمع المسلمون وغير المسلمين أن علياً أشجع العرب والعجم، ولم يشهد التاريخ له مثيلاً ونظيراً فضلاً من أن يري أشجع منه.

وهذه نبذة من غزوات الرسول (صلّي الله عليه وآله) التي حضرها الإمام.

وکان نصيبه من الجهد والعناء أکثر من غيره، ولم يسلم علي من سهام العدو وسيوفهم، بل کانت الجراحات تأخذ من مقاديم بدنه کل مأخذ، ولولا حفظ الله وعنايته لکان علي من المقتولين في تلک الحروب.

قال ابن أبي الحديد: وأما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوه أنه سيد المجاهدين وهل الجهاد لأحد من الناس إلا له؟ وقد عرفت أن أعظم غزوة غزاها رسول الله (صلّي الله عليه وآله) وأشدها نکاية في المشرکين: بدر الکبري التي قتل فيها سبعون من المشرکين، قتل علي نصفهم، وقتل المسلمون والملائکة النصف الآخر، وإذا رجعت إلي مغازي محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الأشراف ليحيي بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلک دع من قتله في غيرها کأحد والخندق وغيرهما...

فلنبدأ بذکر الغزوات حسب التاريخ مع رعاية الإجمال والاختصار ونذکر مواقف علي (عليه السلام) فيها:







  1. سورة التوبة، الآية: 111.