اقتران النورين











اقتران النورين



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام علي رسول الله وعلي آله آل الله.

قال الله تعالي: (وأنکحوا الأيامي منکم والصالحين من عبادکم وإمائکم إن يکونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم).[1] .

النکاح من سنن الله تعالي في عباده، والمقصود منه التناسل والتکاثر تحت ظل القانون الإلهي، وليس الهدف منه إشباع الغريزة الجنسية فقط بل هو في ضمنه وإنما هو کالحصن يحفظ الإنسان من فساد الخلاعة وويلات الفجور.

والهدف الأسمي من النکاح هو: تأسيس بيت عائلي لتکوين جيل يربط الوالدين بتقبل المسؤوليات التي يتطلبها الجيل من بدو إيجاده إلي أن يقطع أدوار الحياة، وأطوارها من جنين ووليد ورضيع وفطيم وصبي وغلام ومراهق وشاب ويافع، أو بنت وشابة وفتاة وامرأة.

فالنسل بحاجة ماسة في أدواره إلي الکفيل والمربي والمنفق والمؤدب والولي، إلي جانب حاجته إلي الرضاعة والحضانة والتربية والعناية والخدمة وتأمين لوازم الحياة من المأکل والملبس والمسکن والتعليم وما شابه ذلک.

ولا يندفع أحد إلي تحمل هذه المسؤوليات کما يندفع الوالدان، ولا أظن أني أحتاج في هذا البحث إلي إقامة الدليل والبرهان.

فهل تکون المرضعة کالأم؟، وهل الموظفات في دور الحضانة والروضات يسهرن الليالي للطفل المريض کما تسهر الأم الحنون؟؟ وقد قيل: ليست الثکلي کالمستأجرة، فهناک فرق کبير وبون شاسع بين من يندفع للعناية والرعاية بالأطفال بدافع الأبوة والعاطفة والمحبة التي لا يکدرها شي ء، وبين من يتحمل مسؤولية بدافع الراتب والوظيفة.

وإدراک أهمية هذا الموقف کثيراً ما يحول بين الوالدين وبين إجابة رغبات الأولاد وتحقيق هواياتهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فالارتباط بالعائلة يدفع الإنسان إلي التفکير حول تأمين حياته والخوض في معرکة العمل المثمر والإنتاج المفيد، وفي الوقت نفسه يردعه عن کل مجازفة تهدد کيانه وحريته وتعرقل عليه المساعي کالإقدام علي جريمة القتل أو ارتکاب الجنايات التي تؤدي إلي شقاء الوالدين.

وإن هذه الأحزاب والمبادئ التي استولت علي الشباب واستنزفت منهم کل نشاط وطاقة لم تنجح إلا بعد أن تقهقرت سنة الزواج بين المسلمين، وکثر عدد العزاب والبطالين الذين لا تربطهم بالحياة البيتية والعائلية أية رابطة أو مسؤولية، ولعل الحديث المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) يشير إلي هذا الموضوع حيث قال (عليه السلام): من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر.

هذا والبحث طويل والکلام يحتاج إلي تفصيل، وقد ذکرنا هذه المقدمة لحديثنا العذب في هذه الليلة.

العراقيل والمشاکل التي سدت علي شبابنا طرق الزواج وجعلتهم يهابون النکاح ولا يهابون السفاح، ويفضلون الکبت والضغط (علي غرائزهم) أو يرجحون الفساد والمجون علي انتخاب زوجة تشارکهم حلو الحياة ومرها وأفراحها وأتراحها.

هذه العراقيل کانت موجودة في الجاهلية ولکن بصورة أخري.

کغلاء المهر والعصبيات القبلية وما شاکلها، فتکونت عندهم الأزمات بجميع أقسامها، واشتدت الحالة حتي أدت إلي دفن البنات وهن في قيد الحياة، قال تعالي: (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت)[2] وقال عزوجل: (وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو کظيم يتواري من القوم من سوء ما بشر به أيمسکه علي هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحکمون).[3] .

فکان من جملة الخطوات الإصلاحية التي قام بها الرسول الأعظم (صلّي الله عليه وآله) هو القضاء علي هذه العادات الجهنمية والتقاليد الجاهلية، وإلي هذه الناحية أشار القرآن الکريم بقوله تعالي: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مکتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنکر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي کانت عليهم).[4] .

ولم يکتف الرسول الأقدس (صلّي الله عليه وآله) بمکافحة هذه السيئات ن طريق اللسان، فالکلام وحده لا يجدي، وإنما قام الرسول بفک هذه الأغلال عن طريق العمل.

فمن جملة ذلک: أنه زوج ابنته الطاهرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) بأبسط ما يمکن، وتجسم التساهل في ذلک الزواج المبارک بخفة المؤونة وانتهاء الأمر بکل بساطة بعيداً عن التکاليف المجهدة المتعبة التي يفر من شبحها الشباب المغلول بسلاسل التقاليد ويفضل العزوبة علي الزواج المقرون بالمشاکل، وإليکم الواقعة:

لما أدرکت فاطمة بنت رسول الله (صلّي الله عليه وآله) مدرک النساء خطبها أکابر قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام، والشرف والمال، وکان کلما ذکرها رجل من قريش لرسول الله (صلّي الله عليه وآله) أعرض عنه رسول الله بوجهه، حتي کان الرجل منهم يظن في نفسه أن رسول الله فيه وحي من السماء.

ولقد خطبها من رسول الله (صلّي الله عليه وآله) أبوبکر، فقال له رسول الله: أمرها إلي ربها، وخطبها بعد أبي بکر عمر بن الخطاب، فقال له رسول الله (صلّي الله عليه وآله) کمقالته لأبي بکر.

فجاء أبوبکر وسعد بن معاد إلي علي (عليه السلام) وهو خارج المدينة يسقي نخلاً له، وسألاه عما يمنعه عن خطبة فاطمة (عليهاالسلام) فقال لهما علي: ما يمنعني إلا الحياء وقلة ذات اليد (المال) فقال له سعد: اذهب إلي رسول الله واخطب منه فاطمة، فإنه يزوجک، والله ما أري رسول الله يحبسها إلا عليک.

فقال علي: فأقول ماذا؟ فقال سعد: تقول: جئت خاطباً إلي الله ورسوله فاطمة بنت محمد.

فأقبل علي (عليه السلام) يقصد دار النبي، وهبط جبرائيل علي الرسول وأخبره بمجي ء علي، وکان رسول الله (صلّي الله عليه وآله) في دار أم سلمة، فدق علي الباب، فقالت أم سلمة: من بالباب؟ فقال لها الرسول من قبل أن يقول علي: أنا: قومي يا أم سلمة فافتحي له الباب، ومريه بالدخول، فهذا رجل يحبه الله ورسوله ويحبهما.

فقالت أم سلمة: فداک أبي وأمي، ومن هذا الذي تذکر فيه هذا وأنت لم تره؟ فقال: مه يا أم سلمة، فهذا رجل ليس بالخرق ولا بالنزق[5] هذا أخي وابن عمي وأحب الخلق إلي.

فقامت أم سلمة وفتحت الباب وإذا هو علي بن أبي طالب قالت أم سلمة: والله ما دخل حين فتحت الباب حتي علم أني رجعت إلي خدري، ثم دخل علي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فقال: السلام عليک يا رسول الله ورحمة الله وبرکاته.

فقال النبي: وعليک السلام اجلس.

فجلس علي، وجعل ينظر إلي الأرض، کأنه قصد لحاجة وهو يستحي أن يبديها، فهو مطرق إلي الأرض حياء من رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فقال النبي: إني أري أنک أتيت لحاجة، فقل ما حاجتک؟ وأبد ما في نفسک فکل حاجة لک مقضية.

فقال علي (عليه السلام): فداک أبي وأمي، إنک لتعلم أنک أخذتني من عمک أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي، فغذيتني بغذائک وأدبتني بأدبک، فکنت إلي أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البر والشفقة، وأن الله تعالي هداني بک وعلي يديک وأنت (والله) يا رسول الله ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة.

يا رسول الله: فقد أحببت مع ما شد الله من عضدي بک أن يکون لي بيت وأن يکون لي زوجة أسکن إليها، وقد أتيتک خاطباً راغباً، أخطب إليک ابنتک فاطمة! فهل أنت مزوجي يا رسول الله؟ فتهلل وجه رسول الله فرحاً وسروراً، ثم تبسم في وجه علي وقال: فهل معک شي ء أزوجک به؟ فقال علي: فداک أبي وأمي، والله ما يخفي عليک من أمري شي ء، أملک سيفي ودرعي وناضحي (البعير الذي يحمل عليه الماء) وما لي شي ء غير هذا.

فقال رسول الله (صلّي الله عليه وآله): يا علي أما سيفک فلا غني بک عنه، تجاهد به في سبيل الله وتقاتل به أعداء الله.

وناضحک تنضح به علي نخلک وأهلک، وتحمل عليه رحلک في سفرک ولکني قد زوجتک بالدرع، ورضيت بها منک.

يا علي أبشرک؟.

فقال: نعم فداک أبي وأمي، بشرني فإنک لم تزل ميمون النقيبة، مبارک الطائر، رشيد الأمر، صلي الله عليک.

فقال (صلّي الله عليه وآله): ابشر فإن الله قد زوجکها في السماء من قبل أن أزوجک في الأرض.. إلي آخر کلامه.

ثم قال: يا علي إنه قد ذکرها قبلک رجال فذکرت ذلک لها فرأيت الکراهة في وجهها ولکن علي رسلک حتي أخرج إليک فدخل عليها فقامت فأخذت رداءه ونزعت نعليه وأتته بالوضوء فوضئته بيدها وغسلت رجليه ثم قعدت فقال لها: يا فاطمة فقالت: لبيک ما حاجتک يا رسول الله؟ قال: إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه وإني قد سألت ربي أن يزوجک خير خلقه وأحبهم إليه وقد ذکر عن أمرک شيئاً فما ترين؟ فسکتت ولم تول وجهها ولم ير فيها رسول الله (صلّي الله عليه وآله) کراهة، فقام وهو يقول: الله أکبر، سکوتها إقرارها، فمضي علي إلي المسجد، وجاء رسول الله في أثره، وفي المسجد المهاجرون والأنصار، فصعد رسول الله (صلّي الله عليه وآله) علي درجة من المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: معاشر المسلمين إن جبرائيل أتاني آنفاً فأخبرني عن ربي عزوجل أنه جمع الملائکة عند البيت المعمور وأنه أشهدهم جميعاً أنه زوج أمته فاطمة بنت رسول الله من عبده علي بن أبي طالب، وأمرني أن أزوجه في الأرض وأشهدکم علي ذلک، ثم جلس وقال لعلي: قم يا أباالحسن فاخطب أنت لنفسک: فقام وحمد الله وأثني عليه وصلي علي النبي (صلّي الله عليه وآله) وقال: الحمد لله شکراً لأنعمه وأياديه، ولا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه، وصلي الله علي محمد صلاة تزلفه وتحظيه، والنکاح مما أمر الله عزوجل به ورضيه، ومجلسنا هذا مما قضاه الله وأذن فيه، وقد زوجني رسول الله ابنته فاطمة، وجعل صداقها درعي هذا وقد رضيت بذلک فاسألوه واشهدوا.

فقال المسلمون لرسول الله (صلّي الله عليه وآله): زوجته يا رسول الله؟ فقال: نعم.فقالوا بارک الله لهما شملهما.

وانصرف رسول الله إلي أزواجه وأقبل فقال: يا علي انطلق الآن فبع درعک وائتني بثمنه حتي أهيئ لک ولابنتي فاطمة ما يصلحکما قال علي: فانطلقت فبعته بأربعمائة درهم سود هجرية وقيل بأربعمائة وثمانين أو خمسمائة من عثمان بن عفان فلما قبضت الدراهم أقبلت إلي رسول الله وطرحت الدراهم بين يديه، فدعا رسول الله (صلّي الله عليه وآله) بأبي بکر فدفعها إليه وقال: اشتر بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها، وبعث معه سلمان وبلالاً ليعيناه علي حمل ما يشتريه، قال أبوبکر: أحصيت الدراهم التي أعطانيها ثلاثة وستين درهماً فانطلقت واشتريت فراشاً من خيش مصر محشواً بالصوف، ونطعاً من أدم، ووسادة من أدم حشوها من ليف النخل، وعباءة خيبرية، وقربة للماء، وکيزاناً، وجراراً، ومطهرة للماء، وستر صوف، رقيقاً وحملناه جميعاً حتي وضعناه بين يدي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فلما نظر إليه بکي، وجرت دموعه ثم رفع رأسه إلي السماء وقال: اللهم بارک لقوم جل آنيتهم الخزف! قال علي: ودفع رسول الله باقي ثمن الدرع إلي أم سلمة فقال: اترکي هذه الدراهم عندک.

ومکثت بعد ذلک شهراً لا أعاود رسول الله (صلّي الله عليه وآله) في أمر فاطمة بشي ء استحياء من رسول الله غير أني کنت إذا خلوت برسول الله يقول لي: يا أباالحسن ما زوجتک سيدة نساء العالمين.

قال علي: فلما کان بعد شهر دخل علي أخي عقيل بن أبي طالب فقال: يا أخي ما فرحت بشي ء کفرحي بتزويجک فاطمة بنت محمد (صلّي الله عليه وآله)، يا أخي فما بالک لا تسأل رسول الله (صلّي الله عليه وآله) يدخلها عليک فتقر عيناً باجتماع شملکما؟ قال علي: والله يا أخي إني لأحب ذلک وما يمنعني من مسألته إلا الحياء منه، فقال: أقسمت عليک إلا قمت معي.

فقمنا نريد رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فلقيتنا في طريقنا أم أيمن مولاة رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فذکرنا ذلک لها فقالت لا تفعل ودعنا نحن نکلمه، فإن کلام النساء في هذا الأمر أحسن وأوقع بقلوب الرجال.

ثم انثنت راجعة فدخلت علي أم سلمة فأعلمتها بذلک وأعلمت نساء النبي فاجتمعن عند رسول الله وکان في بيته عائشة فأحدقن به وقلن: فديناک بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الأحياء لقرت بذلک عينها.

قالت أم سلمة: فلما ذکرنا خديجة بکي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) ثم قال: خديجة! وأين مثل خديجة؟ صدقتني حين کذبني الناس وآزرتني علي دين الله وأعانتني عليه بمالها!! إن الله عزوجل أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب الزمرد، لا صخب فيه ولا نصب.

قالت أم سلمة فقلنا: فديناک بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله إنک لم تذکر من خديجة أمراً إلا وقد کانت کذلک، غير أنها قد مضت إلي ربها فهنأها الله بذلک وجمع بيننا وبينها في درجات جنته ورضوانه ورحمته، يا رسول الله وهذا أخوک في الدنيا وابن عمک في النسب علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحب أن تدخل عليه زوجته فاطمة تجمع بها شمله.

فقال: يا أم سلمة فما بال علي لا يسألني ذلک؟ فقلت: الحياء منک يا رسول الله.

قالت أم أيمن: فقال لي رسول الله (صلّي الله عليه وآله): انطلقي إلي علي فآتيني به، فخرجت من عند رسول الله، فإذا علي ينتظرني، ليسألني عن جواب رسول الله (صلّي الله عليه وآله)، وحضر علي (عليه السلام) عند رسول الله (صلّي الله عليه وآله).

فقال له رسول الله (صلّي الله عليه وآله): هيئ منزلاً حتي تحول فاطمة إليه، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله ما هاهنا منزل إلا منزل حارثة بن النعمان وکان لفاطمة (عليهاالسلام) يوم بني بها أميرالمؤمنين (عليه السلام) تسع سنين، فقال رسول الله (صلّي الله عليه وآله): والله لقد استحينا من حارثة بن النعمان قد أخذنا عامة منازله.

فبلغ ذلک حارثة فجاء إلي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أنا ومالي لله ولرسوله، والله ما شي ء أحب إلي مما تأخذه والذي تأخذه أحب إلي مما تترکه، فجزاه رسول الله (صلّي الله عليه وآله) خيراً، فحولت فاطمة إلي علي (عليه السلام) في منزل حارثة، وبسطوا في بيت علي کثيباً (الرمل)، ونصبوا عوداً يوضع عليه السقاء (القربة) وستروه بکساء ونصبوا خشبة من حائط إلي حائط للثياب وبسط جلد کبش ومخدة ليف.

فقال النبي (صلّي الله عليه وآله): يا علي اصنع لأهلک طعاماً فاضلاً، فجاء أصحابه بالهدايا، فأمر النبي فطحن البر (الحنطة) وخبز، وذبح الکبش واشتري علي تمرأ وسمناً، وأقبل رسول الله (صلّي الله عليه وآله) وحسر عن ذراعيه، وجعل يشدخ التمر في السمن فقال النبي: يا علي ادع من أحببت.

قال علي: فأتيت المسجد وهو غاص بالناس، فناديت: أجيبوا إلي وليمة فاطمة بنت محمد، فأجابوا من النخلات والزروع، وأقبل الناس إرسالاً وهم أکثر من أربعة آلاف رجل، وساير نساء المدينة، ورفعوا منها ما أرادوا، ولم ينقص من الطعام شي ء، ثم دعا رسول الله (صلّي الله عليه وآله) بالصحاف (الأواني) فملئت، ووجه بها إلي منازل أزواجه ثم أخذ صحفة، وقال: هذه لفاطمة وبعلها.

(عن ابن بابويه): أمر النبي (صلّي الله عليه وآله) بنات عبدالمطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة سلام الله عليها وأن يفرحن ويرجزن ويکبرن ويحمدن ولا يقولن ما لا يرضي الله.

قال جابر: فأرکبها علي ناقته وفي رواية علي بغلته الشهباء وأخذ سلمان زمامها والنبي وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ونساء النبي (صلّي الله عليه وآله) قدامها يرجزن، فأنشأت أم سلمة تقول:


سرن بعون الله جاراتي
واشکرنه في کل حالات


واذکرن ما أنعم رب العلا
من کشف مکروه وآفات


فقد هدانا بعد کفر وقد
أنعشنا رب السماوات


وسرن مع خير نساء الوري
تفدي بعمات وخالات


يا بنت من فضله ذو العلا
بالوحي منه والرسالات


وقالت عائشة:


يا نسوة استترن بالمعاجر
واذکرن ما يحسن في المحاضر


واذکرن رب الناس إذ يخصنا
بدينه مع کل عبد شاکر


والحمد لله علي أفضاله
والشکر لله العزيز القادر


سرن بها فالله أعطي ذکرها
وخصها منه بطهر طاهر


وقالت حفصة:


فاطمة خير نساء البشر
ومن لها وجه کوجه القمر


فضلک الله علي کل الوري
بفضل من خص بآي الزمر


زوجک الله فتي فاضلاً
أعني علياً خير من في الحضر


فسرن جاراتي بها فإنها
کريمة بنت عظيم الخطر


وقالت معاذة أم سعد بن معاذ:


أقول قولاً فيه ما فيه
وأذکر الخير وأبديه


محمد خير بني آدم
ما فيه من کبر ولا تيه


بفضله عرفنا رشدنا
فالله بالخير يجازيه


ونحن مع بنت نبي الهدي
ذي شرف قد مکنت فيه


في ذروة شامخة أصلها
فما أري شيئاً يدانيه


وکانت النسوة يرجعن أول بيت من کل رجز ثم يکبرن ودخلن الدار ثم أنفذ رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إلي علي (عليه السلام) ثم دعا فاطمة سلام الله عليها فأخذ يدها ووضعها في يده وقال: بارک الله في ابنة رسول الله.

يا علي: نعم الزوجة فاطمة ويا فاطمة نعم الزوج علي، ثم قال: يا علي هذه فاطمة وديعتي عندک، ثم قال النبي (صلّي الله عليه وآله): اللهم اجمع شملهما، وألف بين قلوبهما، واجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم، وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مبارکة، واجعل في ذريتهما البرکة واجعلهم أئمة يهدون بأمرک إلي طاعتک ويأمرون بما يرضيک، اللهم إنهما أحب خلقک إلي، فأحبهما واجعل عليهما منک حافظاً وإني أعيذهما بک وذريتهما من الشيطان الرجيم.

ثم خرج إلي الباب وهو يقول: طهرکما وطهر نسلکما، أنا سلم لمن سالمکما، وحرب لمن حاربکما، أستودعکما الله، وأستخلفه عليکما.

وباتت أسماء عندهما في البيت، وأصبح الصباح، وجاء رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إلي زيارة العروسين، وقال: السلام عليکما، أأدخل؟ ففتحت أسماء الباب فدخل النبي، فسأل علياً (عليه السلام): کيف وجدت أهلک؟ قال: نعم العون علي طاعة الله، وسأل فاطمة فقالت: خير بعل، وجاء النبي بعس (قدح) فيه لبن فقال لفاطمة: اشربي فداک أبوک، وقال لعلي: اشرب فداک ابن عمک.

ثم قال (صلّي الله عليه وآله): يا علي آتيني بکوز من ماء، فجاء علي بکوز من ماء فتفل فيه ثلاثاً، وقرأ عليه آيات من کتاب الله تعالي ثم قال: يا علي اشربه، واترک فيه قليلاً ففعل علي ذلک.

فرش النبي (صلّي الله عليه وآله) باقي الماء علي رأسه وصدره، ثم قال: أذهب الله عنک الرجس يا علي وطهرک تطهيراً.

وأمره بالخروج من البيت وخلي بابنته فاطمة وقال: کيف أنت يا بنية؟ وکيف رأيت زوجک؟ قالت: يا أبه خير زوج إلا أنه دخل علي نساء من قريش وقلن لي: زوجک رسول الله من فقير لا مال له.

فقال رسول الله (صلّي الله عليه وآله) يا بنية ما أبوک بفقير، ولا بعلک بفقير.

ولقد عرضت علي خزائن الأرض من الذهب والفضة فاخترت ما عند ربي عزوجل، يا بنية لو تعلمين ما علم أبوک لسمحت الدنيا في عينيک، والله يا بنية ما ألوتک نصحاً، إني زوجتک أقدمهم سلماً وأکثرهم علماً وأعظمهم حلماً، يا بنية إن الله عزوجل اطلع إلي الأرض اطلاعة فاختار من أهلها رجلين فجعل أحدهما أباک والآخر بعلک.

يا بنية نعم الزوج زوجک لا تعصي له أمراً.[6] .







  1. سورة النور، الآية: 32.
  2. سورة التکوير، الآيتان: 8 و 9.
  3. سورة النحل، الآيتان: 58 و 59.
  4. سورة الأعراف، الآية: 157.
  5. الخرق: سيئ التصرف والجاهل. والنزق: الخفيف في کل أمر، العجول في الجهل والحمق.
  6. اقتطفنا أحاديث هذا البحث من المجلد العاشر من کتاب بحارالأنوار لشيخنا المجلسي (ره).