الخطبة الشقشقية











الخطبة الشقشقية



أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي، ينحدر عني السيل ولا يرقي إلي الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها کشحا، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر علي طخية عمياء، يهرم منها الکبير ويشيب فيها الصغير ويکدح فيها المؤمن حتي يلقي ربه فرأيت أن الصبر علي هاتا أحجي، فصبرت وفي العين قذي، وفي الحلق شجا، أري تراثي نهبا، حتي مضي الأول لسبيله فأدلي بها إلي ابن الخطاب بعده (ثم تمثل بقول الأعشي):


شتان ما يومي علي کورها
ويوم حيان أخي جابر


فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ کلامها[1] ويخشن مسها.

ويکثر العثار فيها.

والاعتذار منها، فصاحبها کراکب الصعبة إن أشنق لها خرم.

وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض، فصبرت علي طول المدة وشدة المحنة، حتي إذا مضي لسبيله، جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشوري! متي اعترض الريب في مع الأول منهم حتي صرت أقرن إلي هذه النظائر لکني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا.

فصغي رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره، مع هنٍ وهنٍ، إلي أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة[2] الإبل نبتة الربيع، إلي أن انتکث فتله.

وأجهز عليه عمله وکبت به بطنته، فما راعني إلا والناس کعرف الضبع إلي ينثالون علي من کل جانب.

حتي لقد وطئ الحسنان.

وشق عطفاي, مجتمعين حولي کربيضة الغنم، فلما نهضت بالأمر نکثت طائفة ومرقت أخري, وقسط آخرون، کأنهم لم يسمعوا کلام الله حيث يقول: (تلک الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).[3] .

بلي والله لقد سمعوها ووعوها.

ولکنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.

أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر.

وما أخذ الله علي العلماء أن لا يقارّوا علي کظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها علي غاربها، ولسقيت آخرها بکأس أولها.

ولألفيتم دنياکم هذه أزهد عندي من عفطة عنز...

(قالوا) وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلي هذا الموضع من خطبته فناوله کتابا فأقبل ينظر فيه قال له ابن عباس رضي الله عنه: يا أميرالمؤمنين لو أطردت خطبتک من حيث أفضيت.

فقال: هيهات يا ابن عباس تلک شقشقة هدرت ثم قرت!!

قال ابن عباس: فوالله ما أسفت علي کلام قط کأسفي علي هذا الکلام أن لا يکون أميرالمؤمنين (عليه السلام) بلغ منه حيث أراد.

قوله: (کراکب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم)، يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها وإن أرخي عليها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملکها، يقال: أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه وشنقها أيضا، ذکر ذلک ابن السکيت في إصلاح المنطق.







  1. وفي نسخة أخري: کلمها.
  2. وفي نسخة أخري: خضم.
  3. سورة القصص، الآية: 83.