بعض النصوص الواردة حول الوصية











بعض النصوص الواردة حول الوصية



وأما ما ذکره الشعراء في القرن الأول من المهاجرين والأنصار والتابعين حول وصاية أميرالمؤمنين (عليه السلام) فلا مجال لبيان تلک الأبيات الشعرية والأراجيز التي تتضمن هذا الأمر.

والآن ننتقل إلي حديث وفاة رسول الله (صلّي الله عليه وآله) وقيام الإمام بإنجاز وصاياه، وقد ذکرنا فيما سبق أن علياً کان أول الناس عهداً برسول الله (صلّي الله عليه وآله) وسيظهر اليوم أنه کان آخر الناس عهدا به.

وفي کتاب أبي إسحاق قال: دخل أبوبکر علي النبي (صلّي الله عليه وآله) وقد ثقل (اشتد مرضه)، فقال: يا رسول الله متي الأجل؟ قال: قد حضر، قال أبوبکر: الله المستعان علي ذلک فإلي ما المنقلب؟ قال: إلي السدرة المنتهي وجنة المأوي وإلي الرفيق الأعلي والکأس الأوفي والعيش المهني، قال أبوبکر: فمن يلي غسلک؟ قال رجال أهل بيتي، الأدني فالأدني قال: ففيما نکفنک؟ قال: في ثيابي هذه التي علي أو حلة يمانية أو في بياض مصر قال: کيف الصلاة عليک؟ فارتجت الأرض بالبکاء فقال لهم النبي (صلّي الله عليه وآله) مهلاً، عفا الله عنکم، إذا غُسلت فکُفنت فضعوني علي سريري في بيتي هذا علي شفير قبري ثم أخرجوا عني فإن الله تبارک وتعالي أول من يصلي علي ثم يأذن الملائکة في الصلاة علي فأول من ينزل جبرائيل (عليه السلام) ثم إسرافيل ثم ميکائيل ثم ملک الموت (عليه السلام) في جنود کثير من الملائکة بأجمعها ثم أدخلوا علي زمرة زمرة، فصلوا علي وسلموا تسليما ولا تؤذوني وليبدأ بالصلاة علي الأدني من أهل بيتي ثم النساء ثم الصبيان زمراً.

قال أبوبکر: فمن يدخل قبرک؟ قال: الأدني فالأدني من أهل بيتي مع ملائکة لا ترونهم، قوموا فأدوا عني إلي من ورائکم؟ فقلت للحرث بن مرة: من حدثک هذا الحديث؟ قال: عبدالله بن مسعود.

عن علي (عليه السلام) قال: کان جبرائيل ينزل علي النبي صلي الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه کل يوم وفي کل ليلة، فيقول،:السلام عليک إن ربک يقرؤک السلام فيقول: کيف تجدک؟ وهو أعلم بک ولکنه أراد أن يزيدک کرامة وشرفاً إلي ما أعطاک علي الخلق، وأراد أن يکون عيادة المريض سنة في أمتک، فيقول النبي (صلّي الله عليه وآله) إن کان وجعاً: يا جبرائيل أجدني وجعاً فقال له جبرائيل: اعلم يا محمد إن الله لم يشدد عليک وما من أحد من خلقه أکرم عليه منک، ولکنه أحب أن يسمع صوتک ودعاک حتي تلقاه مستوجباً للدرجة والثواب الذي أعد لک، والکرامة والفضيلة علي الخلق، وإن قال له النبي (صلّي الله عليه وآله) أجدني مريحاً في عافية.

قال له: فاحمد الله علي ذلک فإنه يحب أن تحمد وتشکره ليزيدک إلي ما أعطاک خيراً فإنه يحب أن يحمد ويزيد من شکر.

قال: وإنه نزل عليه في الوقت الذي کان ينزل فيه فعرفنا حسه فقال علي (عليه السلام): فيخرج من کان في البيت غيري؟ فقال له جبرائيل: يا محمد إن ربک يقرئک السلام ويسألک وهو أعلم بک کيف تجدک؟ فقال له النبي: أجدني ميتاً.

قال له جبرائيل: يا محمد أبشر فإن الله إنما أراد أن يبلغک بما تجد ما أعد لک من الکرامة.

قال له النبي صلي الله عليه وسلم: إن ملک الموت استأذن علي فأذنت له، فدخل واستنظرته مجيئک فقال له: يا محمد إن ربک إليک مشتاق فما استأذن ملک الموت علي أحد قبلک ولا يستأذن علي أحد بعدک.

فقال النبي (صلّي الله عليه وآله): لا تبرح يا جبرائيل حتي يعود، ثم أذن للنساء فدخلن فقال لأبنته: أدني مني يا فاطمة فأکبت عليه فناجاها، فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعاً فقال لها: أدني مني فدنت منه فأکبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحک، فتعجبنا لما رأينا فسألناها فأخبرتنا أنه نعي نفسه فبکيت فقال: يا بنية لا تجزعي فإني سألت ربي أن يجعلک أول أهل بيتي لحاقاً بي فأخبرني أنه استجاب لي فضحکت، قال: ثم دعا النبي (صلّي الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهماالسلام) فقبلهما وشمهما وجعل يترشفهما وعيناه تهملان.

في علل الشرائع: عن الإمام الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال لما حضرت رسول الله (صلّي الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبدالمطلب وأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال للعباس: يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه وقال: يا رسول الله: أنا شيخ کبير کثير العيال، قليل المال، من يطيقک وأنت تباري الريح؟ قال: فأطرق هنيئة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث رسول الله وتنجز عداته وتؤدي دينه.

فقال: بأبي أنت وأمي أنا شيخ کبير کثير العيال قليل المال، من يطيقک وأنت تباري الريح؟ فقال رسول الله (صلّي الله عليه وآله): أما إني سأعطيها من يأخذ بحقها.

ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عداة محمد وتقضي دينه وتأخذ تراثه؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي.

فنزع خاتمه من إصبعه فقال: تختم بهذا في حياتي فوضعه علي (عليه السلام) في إصبعه اليمني فصاح رسول الله (صلّي الله عليه وآله): يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية وسيفي: ذي الفقار وعمامتي: السحاب والبرد والأبرقة والقضيب.

فقال: يا علي أن جبرائيل أتاني بها.

فقال: يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستوفر بها مکان المنطقة ثم دعا بزوجي نعال عربيين إحداهما مخصوفة والأخري غير مخصوفه، والقميص الذي اسري به فيه، والقميص الذي خرج فيه يوم أحد والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين وقلنسوة کان يلبسها.

ثم قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله): يا بلال علي بالبغلتين: الصهباء والدلدل والناقتين: العضباء والصهباء والفرسين الجناح الذي کان يوقف بباب مسجد رسول الله لحوائج الناس، يبعث رسول الله (صلّي الله عليه وآله) الرجل في حاجته فيرکبه وحيزوم وهو الذي يقول أقدم حيزوم.

والحمار اليعفور.

ثم قال: يا علي إقبضها في حياتي حتي لا ينازعک فيها أحد بعدي.

وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة (عليهاالسلام) بأبي وأمي أنت!!! أرسلي إلي بعلک فادعيه لي.

فقالت فاطمة للحسين (عليه السلام): إنطلق إلي أبيک فقل: يدعوک جدي.

فانطلق إليه الحسين فدعاه فأقبل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتي دخل علي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) وفاطمة (عليهاالسلام) عنده وهي تقول: واکرباه لکربک يا أبتاه.

فقال لها رسول الله (صلّي الله عليه وآله): لا کرب علي أبيک بعد اليوم يا فاطمة، إن النبي لا يشق عليه الجيب، ولا يخمش عليه الوجه، ولا يدعي عليه بالويل ولکن قولي کما قال أبوک علي إبراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بک يا إبراهيم لمحزونون ولو عاش إبراهيم لکان نبياً.

ثم قال يا علي أدن مني.

فدنا منه فقال أدخل أذنک في في.

ففعل.

فقال: يا أخي ألم تسمع قول الله تعالي في کتابه (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئک هم خير البرية)؟[1] قال: بلي يا رسول الله.

قال: هم أنت وشيعتک يجيئون غراً محجلين، شباعاً مرويين، أولم تسمع قول الله في کتابه (إن الذين کفروا من أهل الکتاب والمشرکين في نار جهنم خالدين فيها أولئک هم شر البرية)؟[2] .

قال: بلي يا رسول الله.

قال: هم أعداؤک وشيعتهم، يجوزون يوم القيامة ظماء مظمئين، أشقياء معذبين، کفار منافقين، ذلک لک ولشيعتک، وهذا لعدوک ولشيعتهم.

ولما حضره الموت کان أميرالمؤمنين (عليه السلام) حاضراً عنده فلما قرب خروج نفسه (صلّي الله عليه وآله) قال له: ضع يا علي رأسي في حجرک فقد جاء أمر الله تعالي فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدک وامسح بها وجهک، ثم وجهني إلي القبلة وتول أمري وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتي تواريني في رمسي، واستعن بالله تعالي.

فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه فأکبت فاطمة (عليهاالسلام) تنظر في وحهه وتندبه وتبکي وتقول:


وأبيض يستقي الغمام بوجهه
ثمال اليتامي عصمة الأرامل


ففتح رسول الله (صلّي الله عليه وآله) عينه، وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمک أبي طالب لا تقوليه ولکن قولي (وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم علي أعقابکم)[3] فبکت طويلاً وأومأ إليها بالدنو منه فدنت منه فأسرّ إليها شيئاً تهلل وجهها له.

ثم قبض (صلّي الله عليه وآله) ويد أميرالمؤمنين (عليه السلام) تحت حنکه ففاضت نفسه (صلّي الله عليه وآله) فيها فرفعها إلي وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره.

وقال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): إن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) أوصي إلي علي (عليه السلام) أن لا يغسلني غيرک فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله من يناولني الماء؟ إنک رجل ثقيل لا أستطيع أن أُقلّبک؟ فقال: جبرائيل معک يعاونک، ويناولک الفضل الماء، وقل له فليغمض عينيه، فإنه لا أحد يري عورتي غيرک إلا انفقأت عيناه.

کان الفضل بن العباس يناوله الماء وجبرائيل يعاونه، وعلي يغسله، فلما أن فرغ من غسله وکفنه أتاه العباس فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا علي أن يدفن النبي (صلّي الله عليه وآله) في بقيع المصلي، وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج علي إلي الناس فقال: يا أيها الناس: أما تعلمون أن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً؟ وهل تعلمون أنه (صلّي الله عليه وآله) لعن من جعل القبور مصلي؟ ولعن من يجعل مع الله إلهاً؟ ولعن من کسر رباعيته وشق لثته؟ فقالوا: الأمر إليک فاصنع ما رأيت.

فقال: إني أدفن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) في البقعة التي قبض فيها.

ثم قام علي الباب فصلي عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون.

لما أراد أميرالمؤمنين (عليه السلام) غسل الرسول (صلّي الله عليه وآله) استدعي الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله فغسله بعد أن عصب عينيه، ثم شق قميصه من قبل جيبه حتي بلغ إلي سرته وتولي (عليه السلام) غسله وتحنيطه وتکفينه والفضل يعطيه الماء ويعينه عليه فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلي عليه وحده، ولم يشترک معه أحد في الصلاة عليه، وکان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم بالصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أميرالمؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: إن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منکم فيصلون عليه بغير إمام، وينصرفون، وإن الله تعالي لم يقبض نبياً في مکان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها.

فسلم القوم لذلک ورضوا به، ولما صلي المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبدالمطلب برجل إلي أبي عبيدة بن الجراح وکان يحفر لأهل مکة ويضرح، وکان ذلک عادة أهل مکة، وأنفذ (أرسل) إلي زيد بن سهل وکان يحفر لأهل المدينة ويلحد، فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيک.

فوجد أبوطلحه فقيل له: احفر لرسول الله.

فحفر له لحداً، ودخل أميرالمؤمنين والعباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي إن نذکرک الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلّي الله عليه وآله) أن يذهب، أدخل منا رجلاً يکون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فقال ليدخل أنس بن خولي وکان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام) انزل القبر.

فنزل ووضع أميرالمؤمنين رسول الله (صلّي الله عليه وآله) علي يديه ودلاّه في حفرته، فلما حصل في الأرض قال له أخرج.

فخرج ونزل علي (عليه السلام) إلي القبر، فکشف عن وجه رسول الله (صلّي الله عليه وآله) ووضع خده علي الأرض موجهاً إلي القبلة علي يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب.

وکان (عليه السلام) يرثي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) ويقول:


الموت لا والداً يبقي ولا ولد
هذا السبيل إلي أن لا تري أحد


هذا النبي ولم يخلد لأمته
لو خلّد الله خلقاً قبله خلد


اللموت فينا سهام غير خاطئة
من فاته اليوم سهم لم يفته غدا


وکان (عليه السلام) يصلح قبر رسول الله بمسحاته، وکانت وفاة النبي (صلّي الله عليه وآله) في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر في السنة العاشرة من الهجرة کما هو مشهور عند أهل بيته عليهم و(عليه السلام).







  1. سورة البينة، الآية: 7.
  2. سورة البينة، الآية: 6.
  3. سورة آل عمران، الآية: 144.