علي عند وفاة الرسول











علي عند وفاة الرسول



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة علي سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.

قال الله تبارک وتعالي: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابکم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاکرين).[1] .

لقد ذکرنا من أول الشهر إلي الليلة الماضية شيئاً من اختصاص الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) برسول الله من حيث الانضمام والتربية والتأديب والتوجيه والأخوة والنفس وسائر الخصائص التي اختص بها کحديث الطائر المشوي وسد الأبواب وغير ذلک.

والليلة حديثنا حول وفاة رسول الله (صلّي الله عليه وآله) وموقف الإمام من تلک الفاجعة العظمي والمصيبة الکبري التي لم يشهد التاريخ مثلها، فقد مرض رسول الله (صلّي الله عليه وآله) بعد أن بلغ من العمر ثلاثاً وستين سنة، وکان النبي ينعي نفسه إلي أصحابه وأهل بيته وزوجاته، ويخبرهم أن تلک السنة آخر سنوات حياته الشريفة المبارکة، وأن شمس وجوده قد اقتربت من الغروب، ولهذا قام بتعيين الخليفة والإمام القائم مقامه، وقد تقدم الکلام في الليلة الماضية حول واقعة الغدير.

من جملة الأحکام الشرعية والتعاليم الإسلامية هو الوصية عند الإحساس بخطر الوفاة، قال الله تعالي: (کتب عليکم إذا حضر أحدکم الموت إن ترک خيراً الوصية).[2] .

فهل من المعقول أن يموت صاحب الشريعة الإسلامية والمقتدي لقوافل المسلمين علي مر القرون والأجيال بلا وصية؟؟ هل يمکن أن يأمر النبي أمته بالوصية ويترکها هو؟ وعمله حجة وسنة يأخذ بها المسلمون؟ وهو القائل: (من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية).

إن الأخبار والأحاديث والنصوص الواردة حول وصية النبي (صلّي الله عليه وآله) مستفيضة متواترة، وقد زعم بعض الناس أن رسول الله مات بلا وصية وهم يبتغون من وراء هذا الافتراء تبرير مواقف بعض الأفراد، ولا يهمهم تشويه سمعة النبي والمس بکرامته والحط من مقامه.

وللمرحوم السيد عبدالحسين شرف الدين کلام قيّم حول هذا الموضوع تقتطف منه محل الحاجة، قال تغمده الله برحمته: ونصوص الوصية متواترة، عن أئمة العترة الطاهرة، وحسبک مما جاء من طريق غيرهم في قول النبي (صلّي الله عليه وآله) وقد أخذ برقبة علي: (هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيکم، فاسمعوا له وأطيعوا).

رواه محمد بن حميد الرازي عن رسول الله (صلّي الله عليه وآله): (لکل نبي وصي ووارث، وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب (عليه السلام).[3] .

وروي الطبراني في الکبير بالإسناد إلي سلمان الفارسي قال: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله): (إن وصيي وموضع سري، وخير من أترک بعدي، ينجز عدتي، ويقضي ديني، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا نص في کونه الوصي، وصريح في أنه أفضل الناس بعد النبي، وفيه من الدلالة الإلتزامية علي خلافته، ووجوب طاعته، ما لا يخفي علي أولي الألباب.

وأخرج أبونعيم الحافظ في حلية الأولياء عن أنس، قال: قال لي رسول الله (صلّي الله عليه وآله): يا أنس أول من يدخل عليک هذا الباب: إمام المتقين، وسيد المسلمين.

قال أنس: فجاء علي فقام إليه رسول الله (صلّي الله عليه وآله)، مستبشراً فاعتنقه وقال له: أنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.

وأخرج الطبراني في الکبير بالإسناد إلي أبي أيوب الأنصاري، عن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) قال: يا فاطمة، أما علمت أن الله عزوجل اطلع علي أهل الأرض، فاختار منهم أباک فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلک، فأوحي إلي فأنکحته واتخذته وصيا.

أنظر کيف اختار الله عليا من أهل الأرض کافة بعد أن اختار منهم خاتم أنبيائه، ونظر إلي اختيار الوصي وکونه علي نسق اختيار النبي، وانظر کيف أوحي الله إلي نبيه أن يزوجه ويتخذه وصياً، وانظر هل کانت خلفاء الأنبياء من قبل إلا أوصياؤهم، وهل يجوز تأخير خيرة الله من عباده، ووصي سيد أنبيائه، وتقديم غيره عليه، وهل يمکن عقلاً أن يکون طاعة ذلک المتولي الحکم عليه، فيجعله من سوقته ورعاياه؟ وهل يمکن عقلاً أن تکون طاعة ذلک المتولي واجبة علي هذا الذي اختاره الله کما اختار نبيه؟ وکيف يختاره الله ورسوله ثم نحن نختار غيره (وما کان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يکون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً).[4] .

وقد تضافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لما علموا أن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) سيزوج علياً من بضعته الزهراء وهي عديلة مريم وسيدة نساء أهل الجنة حسدوه لذلک وعظم عليهم الأمر.

ولا سيما بعد أن خطبها من خطبها فلم يفلح، وقالوا: أن هذه ميزة يظهر بها فضل علي، فلا يلحقه بعدها لاحق ولا يطمع في إدارته طامع، فأجلبوا بما لديهم من إرجاف وعملوا لذلک أعمالا، فبعثوا نساءهم إلي سيدة نساء العالمين ينفرنها، فکان مما قلن لها: إنه فقير ليس له شي ء، لکنها (عليهاالسلام) لم يخف عليها مکرهن، وسوء مقاصد رجالهن، ومع ذلک لم تبد لهن شيئاً يکرهنه، ثم ما أراده الله عزوجل ورسوله لها، وحينئذ أرادت أن تظهر من فضل أميرالمؤمنين ما يخزي الله به أعداءه، فقالت: يا رسول الله زوجتني من فقير لا مال له؟ فأجابها (صلّي الله عليه وآله) بما سمعت.


وإذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسود


وأخرج الخطيب في المتفق بسنده المعتبر إلي ابن عباس، قال: لما زوج النبي (صلّي الله عليه وآله) فاطمة من علي، قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من رجل فقير ليس له شي ء، فقال النبي (صلّي الله عليه وآله): أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوک والآخر بعلک.

وأخرج الحاکم في مناقب علي (صلّي الله عليه وآله) 129 الجزء الثالث من المستدرک عن طريق سريج بن يونس، عن أبي حفص الأبار، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من علي وهو فقير لا مال له؟ قال (صلّي الله عليه وآله): يا فاطمة أما ترضين أن الله عزوجل اطلع إلي أهل الأرض فاختار رجلين، أحدهما أبوک والآخر بعلک، وعن ابن العباس قال: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله): أما ترضين أني زوجتک أول المسلمين إسلاما، وأعلمهم علماً، وأنک سيدة نساء أمتي، کما سادت مريم نساء قومها، أما ترضين يا فاطمة أن الله اطلع علي أهل الأرض فاختار منها رجلين، فجعل أحدهما أباک، والآخر بعلک.

وکان رسول الله (صلّي الله عليه وآله) بعد هذا إذا ألمّ بسيدة النساء من الدهر لمم يذکرها بنعمة الله ورسوله عليها، إذ زوجها أفضل أمته، ليکون ذلک عزاءً لها، وسلوة عما يصيبها من طوارق الدهر، وحسبک شاهداً لهذا ما أخرجه الإمام أحمد في ص 26 من الجزء الخامس من مسنده من حديث معقل بن يسار، أن النبي (صلّي الله عليه وآله) عاد فاطمة في مرض أصابها علي عهده فقال لها: کيف تجدينک؟ قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي، قال (صلّي الله عليه وآله) أما ترضين أني زوجتک أقدم أمتي سلماً وأکثرهم علماً، وأعظمهم حلماً. الوصية بصورة أخري:

وصية النبي (صلّي الله عليه وآله) إلي علي لا يمکن جحودها، إذ لا ريب في أنه عهد إليه بعد أن أورثه العلم والحکمة بأن يغسله، ويجهزه ويدفنه، ويفي دينه، وينجز وعده، ويؤدي دينه ويواريه في حفرته، أخرجه الديلمي وهو الحديث 2583 ج 6 من الکنز، وعن عمر من حديث قال فيه رسول الله لعلي: وأنت غاسلي ودافني الحديث، في ص 393 ج 6 في الکنز، وفي هامش ص 45 ج 5 من مسند أحمد، وعن علي: سمعت رسول الله، يقول: أعطيت في علي خمساً لم يعطها نبي في أحد قبلي، أما الأولي فإنه يقضي ديني، ويواريني...

الحديث في أول ص 403 ج 6 من الکنز، ولما وضع علي السرير وأرادوا الصلاة عليه (صلّي الله عليه وآله) قال علي: لا يؤم علي رسول الله أحد، هو إمامکم حياً وميتاً، فکان الناس يدخلون رسلاً رسلاً، فيصلون صفاً صفاً، ليس لهم إمام ويکبرون، وعلي قائم حيال رسول الله يقول: سلام الله عليک أيها النبي ورحمة الله وبرکاته، اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزلت إليه، ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتي أعز الله عزوجل دينه، وتمت کلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل الله إليه، وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتي صلي عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان، روي هذا کله باللفظ الذي أوردناه ابن سعد عند ذکره غسل النبي من طبقاته، وأول من دخل علي رسول الله يومئذ بنو هاشم، ثم المهاجرون، ثم الأنصار ثم الناس، وأول من صلي عليه علي والعباس وقفا صفاً وکبرا عليه خمساً.

إلي هنا انتهي کلام سيدنا شرف الدين رحمه الله.







  1. سورة آل عمران، الآية: 144.
  2. سورة آل عمران، الآية: 144.
  3. سورة البقرة، الآية: 180.
  4. سورة الأحزاب، الآية: 36.