حديث سد الأبواب











حديث سد الأبواب



في البحار ج 9 عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) لما بني مسجده بالمدينة وأشرع بابه وأشرع المهاجرون والأنصار أبوابهم أراد الله عزوجل إبانة محمد وآله الأفضلين بالفضيلة، فنزل جبرائيل (عليه السلام) عن الله: بأن سدوا الأبواب عن مسجد رسول الله (صلّي الله عليه وآله) قبل أن ينزل بکم العذاب، فأول من بعث إليه رسول الله (صلّي الله عليه وآله) کان العباس، وکان الرسول معاذ بن جبل، ثم مر العباس بفاطمة (عليهاالسلام) فرآها قاعدة علي بابها وقد أقعدت الحسن والحسين (عليهماالسلام) فقال لها: ما بالک قاعدة؟ انظروا إليها کأنها لبوءة بين يديها شبلاها! تظن أن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) يخرج عمه ويدخل ابن عمه! فمر بهم رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فقال لها: ما بالک قاعدة؟ فقالت: أنتظر أمر رسول الله (صلّي الله عليه وآله) بسد الأبواب، فقال (صلّي الله عليه وآله): إن الله تعالي أمرهم بسد الأبواب واستثني منهم رسوله وأنتم نفس رسول الله، ثم إن عمر بن الخطاب جاء فقال: إني أحب النظر إليک يا رسول الله إذا مررت إلي مصلاک، فأذن لي في خوخة (فرجة) أنظر إليک منها! فقال: قد أبي الله ذلک، فقال: فمقدار ما أضع عليه وجهي، قال قد أبي الله ذلک، قال: فمقدار ما أضع عليه عيني، فقال: قد أبي الله ذلک ولو قلت: قدر طرف إبرة لم آذن لک، والذي نفسي بيده ما أنا أخرجتکم ولا أدخلتکم ولکن الله أدخلکم وأخرجکم.

ثم قال: لا ينبغي لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت في هذا المسجد جنباً إلا محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والمنتجبون من آلهم الطيبون من أولادهم..

الحديث بلفظ آخر:

حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لما قدم أصحاب النبي (صلّي الله عليه وآله) المدينة لم تکن لهم بيوت فکانوا يبيتون في المسجد، فقال لهم النبي (صلّي الله عليه وآله): لا تبيتوا في المسجد فتحتلموا، ثم إن القوم بنوا بيوتاً حول المسجد وجعلوا أبوابها إلي المسجد، وإن النبي (صلّي الله عليه وآله) بعث إليهم معاذ بن جبل فنادي أبابکر فقال: إن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) يأمرک أن تخرج من المسجد وتسد بابک، فقال: سمعاً وطاعة.

فسد بابه وخرج من المسجد، ثم أرسل إلي عمر فقال: إن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) يأمرک أن تسد بابک الذي في المسجد وتخرج منه، فقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله غير أني أرغب إلي الله تعالي في خوخة (فرجة) في المسجد.

فأبلغه معاذ ما قاله عمر، ثم أرسل إلي عثمان وعنده رقية فقال: سمعاً وطاعة.

فسد بابه وخرج من المسجد، ثم أرسل إلي حمزة رضي الله عنه فسد بابه وقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله وعلي (عليه السلام) علي ذلک متردد لا يدري أهو فيمن يقيم أو فيمن يخرج؟ وکان النبي (صلّي الله عليه وآله) قد بني له في المسجد بيتاً بين أبياته، فقال له النبي (صلّي الله عليه وآله): اسکن طاهراً مطهراً، فبلغ حمزة قول النبي (صلّي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) فقال: يا محمد تخرجنا وتمسک غلمان بني عبدالمطلب فقال له نبي الله: لو کان الأمر إلي ما جعلت دونکم من أحد، والله ما أعطاه إياه إلا الله وإنک لعلي خير من الله ورسوله، أبشر، فبشره النبي (صلّي الله عليه وآله) فقتل يوم أحد شهيداً، ونفس ذلک رجال علي علي فوجدوا في أنفسهم، وتبين فضله عليهم وعلي غيرهم من أصحاب رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فبلغ ذلک النبي (صلّي الله عليه وآله) فقام خطيباً فقال إن رجالاً يجدون في أنفسهم في أن أسکن علياً في المسجد وأخرجهم والله ما أخرجهم ولا أسکنته، إن الله عزوجل أوحي إلي موسي وأخيه (أن تبوءا لقومکما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتکم قبلة وأقيموا الصلاة)[1] وأمر موسي أن لا يسکن مسجداً ولا ينکح فيه ولا يدخله إلا هارون وذريته، وإن علياً بمنزله هارون من موسي وهو أخي دون أهلي ولا يحل مسجدي لأحد ينکح فيه النساء إلا علي وذريته، فمن شاء فها هنا وأومأ بيده نحو الشام.

ولإبن أبي الحديد کلام جامع يشير إلي بعض الفضائل بصورة موجزة يقول: وکان أميرالمؤمنين (عليه السلام) ذا أخلاق متضادة، فمنها أن الغالب علي أهل الإقدام والمغامرة والجرأة أن يکونوا ذوي قلوب قاسية وفتک وتنمر وجبرية، والغالب علي أهل الزهد ورفض الدنيا وهجران ملاذها والاشتغال بمواعظ الناس وتخويفهم المعاد وتذکيرهم الموت أن يکونوا ذوي رقة ولين.

وضعف قلب وخور طبع، وهاتان حالتان متضادتان وقد اجتمعتا له (عليه السلام).

ومنها: أن الغالب علي ذوي الشجاعة وإراقة الدماء أن يکونوا ذوي أخلاق سبعيه وطباع وحشية، وکذلک الغالب علي أهل الزهاد وأرباب الوعظ والتذکير ورفض الدنيا أن يکونوا ذوي انقباض في الأخلاق وعبوس في الوجوه ونفار من الناس واستيحاش.

وعلي (عليه السلام) کان أشجع الناس وأعظمهم إراقة للدم، وأزهد الناس وأبعدهم عن ملاذ الدنيا وأکثرهم وعظاً وتذکيراً بأيام الله ومثلاته وأشدهم اجتهادا في العبادة، وآداباً لنفسه في المعاملة.

وکان مع ذلک ألطف العالم أخلاقاً، وأسفرهم وجهاً، وأکثرهم بشراَ وأوفاهم هشاشة وبشاشة، وأبعدهم عن انقباض موحش أو خلق نافر، أو تجهم مباعد، أو غلظة وفظاظة ينفر معها نفس، أو يتکدر معها قلب، حتي عيب بالدعابة.

ولما لم يجدوا فيه مغمزاً ولا مطعناً تعلقوا بها (الدعابة)، واعتمدوا في التنفير عليها، وهذا من عجائبه وغرائبه اللطيفة.

ومنها: أن الغالب علي شرفاء الناس ومن هو من أهل السيادة والرئاسة أن يکون ذا کبرٍ وتيهٍ وتعظم، وخصوصاً إذا أضيف إلي شرفه من جهة النسب شرفه من جهات أخري.

وکان أميرالمؤمنين (عليه السلام) في مصاص الشرف ومعدنه، لا شک عدو ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسباً بعد ابن عمه (صلوات الله عليه) وقد حصل له الشرف غير شرف النسب جهات کثيرة متعددة، وقد ذکرنا بعضها ومع ذلک کان أشد الناس تواضعاًَ لصغير وکبير، وألينهم عريکة، وأسمحهم خلقاً، وأبعدهم عن الکبر، وأعرفهم بحق.

وکانت حاله هذه حالة في کل زمانيه: زمان خلافته، والزمان الذي قبله، ما غيرت سجيته الإمرة، ولا أحالت خلقه الرئاسة وکيف تحيل الرئاسة خلقه وما زال رئيساً؟ وکيف تغير الإمرة سجيته وما برح أميراً؟ لم يستفد بالخلافة شرفاً، ولا اکتسب بها زينة، بل هو کما قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: ذکر ذلک الشيخ أبوالفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي في تاريخه المعروف (بالمنتظم) قال: تذاکروا عند أحمد خلافة أبي بکر وعلي وقالوا، وأکثروا فرفع رأسه إليهم وقال: قد أکثرتم، إن علياً لم تزنه الخلافة لکنه زانها، وهذا الکلام بفحواه ومفهومه علي أن غيره ازداد بالخلافة وتمت نقيصه، وأن علياً لم يکن فيه نقص يحتاج إلي أن يتم بالخلافة وکانت الخلافة ذات نقص في نفسها، فتم نقصها بولايته إياها.

ومنها: إن الغالب علي ذوي الشجاعة وقتل الأنفس وإراقة الدماء لأن يکونوا قليلي الصفح، بعيدي العفو، لأن أکبادهم واغرة، وقلوبهم ملتهبة، والقوة الغضبية عندهم شديدة، وقد علمت حال أميرالمؤمنين (عليه السلام) في کثرة إراقة الدماء وما عنده من الحلم والصفح ومغالبته هوي النفس، وقد رأيت فعله يوم الجمل.

ومنها ما رأيناه شجاعاً جواداً قط...

وقد علمت حال أميرالمؤمنين في الشجاعة والسخاء کيف هي؟ وهي من أعاجيبه (عليه السلام)...

إلي آخر کلامه.







  1. سورة يونس، الآية: 87.