سورة براءة











سورة براءة



لما نزلت هذه السورة علي النبي محمد (صلّي الله عليه وآله) أمر رسول الله أبابکر أن يذهب إلي مکة ويقرأها علي الناس، وفي رواية: يقرأ عشر آيات من أول هذه السورة، وأن ينبذ إلي کل ذي عهد عهده، فلما وصل أبوبکر إلي ذي الحلفية نزل جبرائيل علي النبي وقال: لا يبلغ عنک إلا علي.

فدعا رسول الله علياً وأمره أن يرکب ناقته العضباء، وأمره أن يلحق أبابکر ويأخذ منه سورة براءة ويقرأها علي الناس بمکة، فأدرک علي أبابکر فلما رآه أبوبکر فزع من لحوقه به واستقبله فقال: فيم جئت يا أباالحسن؟ أسائر أنت معي أم لغير ذلک؟ فقال علي: إن رسول الله أمرني أن ألحقک فأقبض منک الآيات من براءة وأنبذ بها عهد المشرکين إليهم، وأمرني أن أخيرک بين أن تسير معي أو ترجع إليه، فقال: بل أرجع إليه وعاد إلي النبي (صلّي الله عليه وآله) فلما دخل عليه قال: يا رسول الله إنک أهلتني لأمر طالت الأعناق إلي فيه، فلما توجهت إليه رددتني عنه، ما لي أنزل في قرآن؟ فقال له النبي (صلّي الله عليه وآله): لا، ولکن الأمين جبرائيل (عليه السلام) هبط إلي عن الله عزوجل بأنه لا يؤدي عنک إلا أنت أو رجل منک، وعلي مني، ولا يؤدي عني إلا علي.

قال المقريزي في الإمتاع: بأن العرب کان إذا تحالف سيدهم أو رئيسهم لم ينقض ذلک إلا الذي يحالف أو أقرب الناس قرابة منه، وکان علي رضي الله عنه هو الذي عاهد المشرکين فلذلک بعثه (صلّي الله عليه وآله) ببراءة.

وذکر أبوعبدالله الحافظ بإسناده عن زيد بن نقيع قال: سألنا علياً بأي شي ء بعثت في ذي الحجة؟ قال بعثت بأربعة: لا تدخل الکعبة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وکافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا، ومن کان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلي مدته، ومن لم يکن له عهد فأجله أربعة أشهر.

وروي أنه (عليه السلام) قام عند جمرة العقبة وقال: يا أيها الناس إني رسول رسول الله إليکم بأن لا يدخل البيت کافر، ولا يحج البيت مشرک، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن کان له عهد عند رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فله عهده إلي أربعة أشهر، ومن لا عهد له فله مدة بقية الأشهر الحرم، وقرأ عليهم سورة براءة، وقيل: قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أول براءة، وروي أنه (عليه السلام) لما نادي فيهم: (إن الله بري ء من المشرکين).[1] .

قال المشرکون: نحن نتبرأ من عهدک وعهد ابن عمک.

وهذه صور أخري:

في البحار عن الإمام الباقر (عليه السلام): لما سرح رسول الله (صلّي الله عليه وآله) أبابکر بأول سورة براءة إلي أهل مکة أتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد إن الله يأمرک أن لا تبعث هذا وأن تبعث علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وإنه لا يؤديها عنک غيره، فأمر النبي (صلّي الله عليه وآله) علي بن أبي طالب فلحقه وأخذ منه الصحيفة وقال: ارجع إلي النبي، فقال أبوبکر: هل حدث في شي ء؟ فقال: سيخبرک رسول الله، فرجع أبوبکر إلي النبي (صلّي الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله ما کنت تري أني مؤد عنک هذه الرسالة؟ فقال له النبي (صلّي الله عليه وآله): أبي الله أن يؤديها إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأکثر أبوبکر عليه من الکلام فقال له النبي (صلّي الله عليه وآله): کيف تؤديها وأنت صاحبي في الغار.

قال: فانطلق علي (عليه السلام) حتي قدم مکة ثم وافي عرفات، ثم رجع إلي جمع، ثم إلي مني ثم ذبح وحلق، وصعد علي الجبل المشرف المعروف بالشعب فأذن ثلاث مرات: ألا تسمعون أيها الناس إني رسول رسول الله إليکم؟ ثم قال: (براءة من الله ورسوله إلي الذين عاهدتهم من المشرکين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنکم غير معجزي الله وأن الله مخزي الکافرين وأذان من الله ورسوله)[2] إلي قوله: (إن الله غفور رحيم)[3] تسع آيات من أولها، ثم لمع بسيفه (أي أشار) فأسمع الناس وکررها فقال الناس: من هذا الذي ينادي في الناس؟ فقالوا: علي بن أبي طالب، وقال من عرفه من الناس: هذا ابن عم محمد، وما کان ليجترئ علي هذا غير عشيرة محمد (صلّي الله عليه وآله)، فأقام أيام التشريق ثلاثة ينادي بذلک ويقرأ علي الناس غدوة وعشية، فناداه الناس من المشرکين: أبلغ ابن عمک أن ليس له عندنا إلا ضرباً بالسيف وطعناً بالرماح.

ثم انصرف علي (عليه السلام) إلي النبي (صلّي الله عليه وآله) يقصد في السير، وأبطأ الوحي عن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) في أمر علي وما کان منه، فاغتم النبي لذلک غماً شديداً حتي رؤي في وجهه، وکف عن النساء من الهم والغم، فقال بعضهم لبعض: لعله قد نعيت إليه نفسه أو عرض له مرض، فقالوا لأبي ذر: قد نعلم منزلتک من رسول الله، وقد تري ما به، فنحن نحب أن تعلم لنا أمره، فسأل أبوذر النبي (صلّي الله عليه وآله) عن ذلک، فقال النبي: ما نعيت إلي نفسي وإني لميت، وما وجدت في أمتي إلا خيراً، وما بي من مرض، ولکن من شدة وجدي بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وإبطاء الوحي عني في أمره، فإن الله عزوجل قد أعطاني في علي (عليه السلام) تسع خصال: ثلاثة لدنياي، واثنتان لآخرتي واثنتان أنا منهما آمن، واثنتان أنا منهما خائف، وقد کان رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إذا صلي الغداة استقبل القبلة بوجهه إلي طلوع الشمس يذکر الله عزوجل، وتقدم علي بن أبي طالب خلف النبي (صلّي الله عليه وآله) ويستقبل الناس بوجهه فيستأذنون في حوائجهم، وبذلک أمرهم رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فلما توجه علي (عليه السلام) إلي ذلک الوجه لم يجعل رسول الله مکان علي لأحد، وکان رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إذا صلي وسلم استقبل الناس بوجهه فأذن للناس.

فقام أبوذر فقال: يا رسول الله لي حاجة، قال: انطلق في حاجتک.

فخرج أبوذر من المدينة يستقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلما کان ببعض الطريق إذا هو براکب مقبل علي ناقته، فإذا هو علي فاستقبله والتزمه وقبله وقال: بأبي أنت وأمي اقصد في مسيرک حتي أکون أنا الذي أبشر رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فإن رسول الله من أمرک في غم شديد وهم، فقال له علي (عليه السلام): نعم، فانطلق أبوذر مسرعاً حتي أتي النبي (صلّي الله عليه وآله) فقال: البشري، قال: وما بشراک يا أباذر؟ قال: قدم علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: لک بذلک الجنة، ثم رکب النبي (صلّي الله عليه وآله) ورکب معه الناس فلما رآه أناخ ناقته، ونزل رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فتلقاه والتزمه وعانقه ووضع خده علي منکب علي وبکي النبي فرحاً بقدومه وبکي علي معه، ثم قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله): ما صنعت بأبي أنت وأمي؟ فإن الوحي أبطأ علي في أمرک، فأخبره بما صنع، فقال رسول الله (صلّي الله عليه وآله) کان الله عزوجل أعلم بک مني حين أمرني بإرسالک.

عن الصادق (عليه السلام) قال: خطب علي فاخترط سيفه وقال: لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحجن البيت مشرک، ومن کان له مدة فهو إلي مدته، ومن لم يکن له مدة فمدته أربعة أشهر زيادة في مسند الموصلي: ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة وهذا هو الذي أمر الله تعالي به إبراهيم (عليه السلام) حين قال: (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والرکع السجود)[4] فکان الله تعالي أمر إبراهيم الخليل بالنداء أولاً قوله: (وأذن في الناس بالحج)[5] وأمر الولي بالنداء آخراً قوله: (وأذان من الله ورسوله)[6] قال السدي وأبومالک وابن عباس وزين العابدين (عليه السلام): الأذان علي بن أبي طالب الذي نادي به.







  1. سورة التوبة، الآية: 3.
  2. سورة التوبة، الآيات: 31.
  3. سورة التوبة، الآية: 5.
  4. سورة البقرة، الآية: 125.
  5. سورة الحج، الآية: 27.
  6. سورة التوبة، الآية: 3.