المواخاة بين النبي وعلي











المواخاة بين النبي وعلي



کل شيئين إذا جمعهما جامع يطلق علي أحدهما: أنه أخو الآخر مثلاً: العربي تجمع العروبة بينه وبين العرب، فيقال للعربي: يا أخا العرب.

والفارسي يشارک الفرس في العنصر فيقال له: يا أخا الفرس.

واليهودية تجمع بين اليهود فيقال لليهودي: يا أخا اليهود، وأفراد القبيلة يجمعهم کونهم من تلک القبيلة فيقال لهم: يا أخا کندة أو يا أخا تميم وهکذا بقية الأديان أو القبائل أو الأشياء التي تجمع بين الأفراد کالمماثلة والمشابهة...

والأخوان الشقيقان أو الأخوان من قبل الأب وحده أو الأم وحدها يقال لهما: أخوان لأن الأب أو الأم أو کلاهما يجمعان الإنسانين وعلي هذا الأساس يقول الله تعالي: (إنما المؤمنون أخوة)[1] أي أن مبدأ الإيمان يجمعهما.

هذه نظرة خاطفة ولمحة موجزة عن الأخوة والإخاء في العرف والقرآن وقد تجتمع هذه العلل کأخوة النسب وأخوة الدين، وأخوة المماثلة في إنسانين فتتقوي أواصر الأخوة فيما بينهما.

روي البلاذري عن ابن عباس وغيره: لما نزل قوله تعالي: (إنما المؤمنون أخوة)[2] آخي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) بين الأشکال والأمثال، فآخي بين أبي بکر وعمر، وبين عثمان وعبدالرحمن، وبين سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، وبين طلحة والزبير، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب الأنصاري، وبين أبي ذر وأبي مسعود، وبين سلمان وحذيفة، وبين حمزة وزيد بن حارثة وبين أبي الدرداء والبلال، وبين جعفر الطيار ومعاذ بن جبل، وبين المقداد وعمار وبين عائشة وحفصة، وبين زينب بنت جحش وميمونة، وبين أم سلمة وصفية حتي آخي بين أصحابه بأجمعهم علي قدر منازلهم ثم قال: (أنت أخي، وأنا أخوک يا علي): وفي لفظ: قال علي (عليه السلام): يا رسول الله آخيت بين أصحابک وترکتني، فقال: أنت أخي، أما ترضي أن تدعي إذا دعيت، وتکسي إذا کسيت، وتدخل الجنة إذا دخلت؟ قال: بلي يا رسول الله.

وفي رواية مناقب آل أبي طالب: فقال له النبي (صلّي الله عليه وآله): إنما أخرتک لنفسي، أنت أخي وأنا أخوک في الدنيا والآخرة.

فبکي علي عند ذلک وقال:


أقيک بنفسي أيها المصطفي الذي
هدانا به الرحمن من عمه الجهل


وأفديک حوبائي وما قدر مهجتي؟
لمن أنتمي منه إلي الفرع والأصل[3] .


ومن ضمني مذ کنت طفلاً ويافعاً
وأنعشني بالبر والعل والنهل


ومن جده جدي ومن عمه عمي
ومن أهله أمي ومن بنته أهلي


ومن حين آخي بين من کان حاضراً
دعاني وآخاني وبين من فضلي


لک الفضل إني ما حييت لشاکر
لإتمام ما أوليت يا خاتم الرسل


وقال:أنا أخو المصطفي لا شک في نسبي
معه ربيت وسبطاه هما ولدي


وقال:محمد النبي أخي وصنوي
وحمزة سيد الشهداء عمي


ولا شک أن هذه الأخوة ليست نسبية، إذ لم يکونا أخوين من النسب تحقيقاً وإنما قال ذلک فيه إبانة لمنزلته وفضله وإمامته علي سائر المسلمين، لئلا يتقدمه أحد منهم، ولا يتآمر عليه بعد ما آخي بينهم أجمعين: الأشکال، وجعله شکلاً لنفسه، ولهذا کان علي (عليه السلام) يفتخر بهذه المنقبة والفضيلة لما فيه من علو الرتبة وسمو المنزلة، وشدة الاختصاص بالنبي، وکان علي (عليه السلام) يقول: أنا عبدالله وأخو رسول الله، وأنا الصديق الأکبر والفاروق الأعظم، لا يقوله غيري إلا کذاب.

إن کثرة النصوص الواردة حول هذه الفضيلة وتواترها لا تبقي مجالاً للشک والريب، وقد ذکرها طائفة کبيرة من علماء السنة وحفاظهم، وتطرق إلي ذلک الشعراء في نظمهم وقريضهم لم نذکرها رعاية للاختصار.







  1. سورة الحجرات، الآية: 10.
  2. سورة الحجرات، الآية: 10.
  3. الحوباء: روح القلب أو النفس.