علي والعبادة











علي والعبادة



في الأمالي عن عروة بن الزبير قال: کنا جلوساً في مسجد رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فتذاکرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان، فقال أبوالدرداء: يا قوم ألا أخبرکم بأقل القوم مالاً وأکثرهم ورعاً وأشدهم اجتهاداً في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: فوالله إن کان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه وجهه، ثم انتدب له رجل من الأنصار فقال له: يا عويمر لقد تکلمت بکلمة ما وافقک عليها أحد منذ أتيت بها، فقال أبوالدرداء: يا قوم إني قائل ما رأيت، وليقل کل قوم منکم ما رأوا، شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام) بشويحطات (أشجار) النجار، وقد اعتزل عن مواليه واختفي ممن يليه واستتر بمغيلات النخل، فافتقدته وبعُد علي مکانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: (إلهي کم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتک، وکم من جريرة تکرمت عن کشفها بکرمک، إلهي إن طال في عصيانک عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفرانک، ولا أنا براج غير رضوانک) فشغلني الصوت واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعينه فاستترت له وأخملت الحرکة، فرکع رکعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلي الدعاء والبکاء والبث والشکوي، فکان مما به الله ناجاه أن قال: (إلهي أفکر في عفوک فتهون علي خطيئتي، ثم أذکر العظيم من أخذک فتعظم علي بليتي) ثم قال: (آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول: خذوه.

فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء) ثم قال: (آه من نار تنضج الأکباد والکلي، آه من نار نزاعة للشوي، آه من غمرة من ملهبات لظي).

قال: ثم انغمر في البکاء فلم أسمع له حساً ولا حرکة فقلت غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، قال أبوالدرداء: فأتيته فإذا هو کالخشبة الملقاة، فحرکته فلم يتحرک، وزويته فلم ينزو) فقلت: (إنا لله وإنا إليه راجعون) مات والله علي بن أبي طالب.

قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة (عليهاالسلام): يا أباالدرداء ما کان من شأنه ومن قصته؟ فأخبرها الخبر، فقالت هي والله يا أباالدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله، ثم أتوه بماء فنضحوه علي وجهه فأفاق، ونظر إلي وأنا أبکي، فقال: مما بکاؤک يا أباالدرداء؟ فقلت: ما أراه تنزله بنفسک، فقال: يا أباالدرداء فکيف ولو رأيتني ودعي بي إلي الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائکة غلاظ وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملک الجبار قد أسلمني الأحياء ورحمني أهل الدنيا، لکنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفي عليه خافية، فقال أبوالدرداء: فوالله ما رأيت ذلک لأحد من أصحاب رسول الله (صلّي الله عليه وآله).

قال ابن أبي الحديد: وأما العبادة: فکان أعبد الناس وأکثرهم صلاة وصوماً، وملازمة للأوراد، وقيام النافلة، وما ظنک برجل يبلغ من محافظته علي ورده: أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده، والسهام تقع بين يديه، وتمر علي صماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلک ولا يقوم حتي يفرغ من وظيفته؟؟ وما ظنک برجل کانت جبهته کثفنة البعير لطول سجوده؟ وأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته، ووقفت علي ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله، وما يتضمنه من الخضوع لهيبته والخشوع لعزته، والاستخذاء له عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أي قلب خرجت، وعلي أي لسان جرت؟؟!! وقيل لعلي بن الحسين (عليه السلام) وکان الغاية في العبادة: أين عبادتک من عبادة جدک؟ قال: عبادتي عند عبادة جدي کعبادة جدي عند عبادة رسول الله (صلّي الله عليه وآله).