علي والكرم











علي والکرم



(في البحار): جاء أعرابي إلي علي فقال: يا أميرالمؤمنين إني مأخوذ بثلاث علل: علة النفس وعلة الفقر وعلة الجهل.

فأجاب أميرالمؤمنين (عليه السلام) وقال: يا أخا العرب: علة النفس تعرض علي الطبيب وعلة الجهل تعرض علي العالم وعلة الفقر تعرض علي الکريم.

فقال الأعرابي أنت الکريم، وأنت العالم، وأنت الطبيب، فأمر أميرالمؤمنين بأن يعطي له من بيت المال ثلاثة آلاف درهم وقال: تنفق ألفاً بعلة النفس، وألفاً بعلة الجهل، وألفاً بعلة الفقر.

وسأله أعرابي شيئاً فأمر له بألف، فقال الوکيل: من ذهب أو فضة؟ فقال (عليه السلام) کلاهما عندي حجران، فأعط الأعرابي أنفعهما له.

وقال له ابن الزبير: إني وجدت في حساب أبي: أن له علي أبيک ثمانين ألف درهم، فقال له: إن أباک صادق، فقضي ذلک، ثم جاءه فقال: غلطت فيما قلت، إنما کان لوالدک علي والدي ما ذکرته لک فقال: والدک في حل والذي قبضته مني هو لک!! قال الصادق (عليه السلام): إن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أعتق ألف نسمة من کد يده، جماعة لا يحصون کثرة.

وقال له رجل ورأي عنده وسق نوي: ما هذا يا أباالحسن؟ قال: مائة ألف نخل إن شاء الله، فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة، فهو من أوقافه ووقف مالاً بخيبر وبوادي القري، ووقف مال أبي نيرز والبغيبغة وأرباحاً وأرينة ورغد ورزيناً ورياحاً علي المؤمنين وأخرج مائة عن بينبع وجعلها للحجيج، وهو باق إلي يومنا هذا وحفر آباراً في طريق مکة والکوفة، وهي مسجد الفتح في المدينة، وعند مقابل قبر حمزة (عليه السلام)، وفي الميقات وفي الکوفة وجامع البصرة وفي عبادان وغير ذلک.

عن أحمد بن أبي المقدام العجلي قال: يروي أن رجلاً جاء إلي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: يا أميرالمؤمنين إن لي إليک حاجة، فقال: اکتبها في الأرض فإني أري الضر فيک بيناً، فکتب في الأرض أنا فقير محتاج، فقال علي (عليه السلام): يا قنبر اکسه حلتين، فأنشأ الرجل يقول:


کسوتني حلة تبلي محاسنها
فسوف أکسوک من حسن الثنا حللا


إن نلت حسن ثنائي نلت مکرمة
ولست تبغي بما قد نلته بدلا


إن الثناء ليحيي ذکر صاحبه
کالغيث يحيي نداه السهل والجبلا


لا تزهد الدهر في عرف بدأت به
فکل عبد سيجزي بالذي فعلا


فقال (عليه السلام): أعطوه مائة دينار، فقيل له: يا أميرالمؤمنين لقد أغنيته.

فقال: إني سمعت رسول الله (صلّي الله عليه وآله) يقول: أنزل الناس منازلهم، ثم قال علي (عليه السلام): إني لأعجب من أقوام يشترون المماليک بأموالهم ولا يشترون الأحرار بمعروفهم.

عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله)[1] قال: نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام).

عن أيوب بن عطية الحذاء قال: سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول: قسم نبي الله الفي ء فأصاب علياً أرض، فاحتفر فيها عيناً فخرج ماء ينبع في السماء کهيئة عنق البعير، فسماها ينبع، فجاء البشير يبشر فقال (عليه السلام) بشر الوارث هي صدقة بتة بتلاء في حجيج بيت الله وعابر سبيل لا تباع ولا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائکة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.

قال ابن أبي الحديد في شرحه، وأما السخاء والجود: فحاله فيه ظاهرة کان يصوم ويطوي، ويؤثر بزاده، وفيه أنزل (ويطعمون الطعام علي حبه مسکيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمکم لوجه الله لا نريد منکم جزاء ولا شکوراً)[2] وروي المفسرون: أنه لم يملک إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية، فأنزل فيه: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية).[3] .

وروي أنه کان يسقي بيده النخل لقوم من يهود المدينة حتي مجلت يداه، ويتصدق بالأجرة، ويشد علي بطنه حجراً.

قال الشعبي وقد ذکره (عليه السلام): کان أسخي الناس، کان علي الخلق الذي يحبه الله: السخاء والجود، ما قال: لا، لسائل قط.

وقال عدوه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه: معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي (لما قال له: جئتک من عند أبخل الناس): قال ويحک! کيف تقول: إنه أبخل الناس وهو الذي لو ملک بيتاً من تبر وبيتاً من تبن، لأنفد تبره قبل تبنه؟!!







  1. سورة البقرة، الآية: 265.
  2. سورة الإنسان، الآيتان: 8 و 9.
  3. سورة البقرة، الآية: 274.