ابوطالب حامي الرسول
ولأبي طالب (عليه السلام) الحظ الأوفر في القيام بتزويج النبي من السيدة خديجة والقضاء علي المشاغبات والمنافسات التي کادت أن تحول دون ذلک الزواج الميمون. ومواقف أبي طالب في سبيل التحفظ علي النبي والدفاع عنه والحماية له من بدء بعثته إلي آخر حياة أبي طالب، مشکورة مذکورة في تاريخ المسلمين، وإسلام أبي طالب (عليه السلام) وإيمانه بالنبي مما لا شک فيه عند کل مسلم منصف، وهذا بعض تلک البحوث الشاهدة لما نحن فيه الآن: قال ابن الأثير: إن أباطالب رأي النبي (صلّي الله عليه وآله) وعلياً يصليان وعلي علي يمينه فقال لجعفر رضي الله عنه: صل جناح ابن عمک وصل عن يساره. وفي رواية: فقام جعفر إلي جنب علي، فأحس النبي، فتقدمهما، فأقبلوا علي أمرهم حتي فرغوا، فانصرف أبوطالب مسروراً، وأنشأ يقول: إن علياً وجعفراً ثقتي لا تخذلا وانصرا ابن عمکما والله لا أخذل النبي ولا وکان أبوطالب إذا رأي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) أحياناً يبکي ويقول: إذا رأيته ذکرت أخي، وکان عبدالله أخاه لأبويه، وکان شديد الحب والحنو عليه، وکذلک کان عبدالمطلب شديد الحب له، وکان أبوطالب کثيراً ما يخاف علي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) البيات إذا عرف مضجعه، فکان يقيمه ليلاً من منامه ويضجع ابنه علياً مکانه، فقال له علي ليلة: يا أبت إني مقتول. فقال له: اصبرنْ يا بني فالصبر أحجي قد بذلناک والبلاءُ شديد لفداء الأغر ذي الحسب الثا فأجاب علي بقوله: أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ولکنني أحببت أن تر نصرتي سأسعي لوجه الله في نصر أحمد وقال القرطبي في تفسيره: روي أهل السير قال: کان النبي قد خرج إلي الکعبة يوماً وأراد أن يصلي، فلما دخل في الصلاة قال أبوجهل لعنه الله: من يقوم إلي هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري فأخذ فرثاً ودماً فلطخ به وجه النبي (صلّي الله عليه وآله) فانفتل النبي من صلاته، ثم أتي أباطالب عمه فقال: يا عم! ألا تري إلي ما فعل بي؟ فقال أبوطالب: من فعل هذا بک؟ فقال النبي (صلّي الله عليه وآله): عبدالله بن الزبعري. فقام أبوطالب ووضع سيفه علي عاتقه ومشي معه حتي أتي القوم، فلما رأوا أباطالب قد أقبل جعل القوم ينهضون، فقال أبوطالب: والله لئن قام رجل لجللته بسيفي. فقعدوا حتي دنا إليهم، فقال: يا بني من الفاعل بک هذا؟ فقال: عبدالله بن الزبعري، فأخذ أبوطالب فرثاً ودماً فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم، وأساء لهم القول. وهناک أحاديث کثيرة متواترة حول إسلام أبي طالب وإيمانه، بل وکتب طائفة من العلماء والفضلاء مؤلفات واسعة قيمة حول إيمان أبي طالب أمثال کتاب أسني المطالب، وأبوطالب مؤمن قريش، وکتاب: الحجة علي الذاهب إلي تکفير أبي طالب، وفي المجلد السابع من الغدير لشيخنا الأميني ما يروي الغليل. ولسيدنا أبي طالب (عليه السلام) قصائد وأبيات في مدح النبي (صلّي الله عليه وآله) والاعتراف برسالته والتصديق بنبوته، وذکر الشيخ الأميني في المجلد السابع من الغدير عن بعض المؤرخين: أن الأبيات التي قالها أبوطالب في مدح النبي (صلّي الله عليه وآله) قد بلغت ثلاثة آلاف ونحن نقتطف أبياتاً تصرح بإيمان أبي طالب وتفانيه في نصرة النبي، فقد کتب أبوطالب أبياتاً إلي النجاشي ملک الحبشة وهي: ليعلم خيار الناس أن محمداً أتانا بهدي مثل ما أتنا به وقال أيضاً: ألا أبلغا عني علي ذات بينها ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً وقال أيضاً: يرجون أن نسخي بقتل محمد کذبتم وبيت الله حتي تفلقوا وقال يخاطب النبي: والله لن يصلوا إليک بجمعهم فاصدع بأمرک ما عليک غضاضة ودعوتني وعلمت أنک ناصحي ولقد علمت بأن دين محمد وقال يمدح النبي: لقد أکرم الله النبي محمداً وشق له من اسمه ليجله وقال أيضاً: کذبتم وبيت الله نبزي محمداً ونسلمه حتي نصرّع حوله وأبيض يستسقي الغمام بوجهه يلوذ به الهُلاک من آل هاشم ألم تعلموا أن ابننا لا مکذب فأيده رب العباد بنصره وقال أيضاً: أوصي بنصر نبي الخير أربعة وحمزة الأسد الحامي حقيقته کونوا فداءً لکم أمي وما ولدت وقال أيضاً: إن ابن آمنة النبي محمداً دراعيت فيه قرابة موصولة وغير ذلک من قصائده وأبياته المفصلة المذکورة في ديوانه وسجلتها کتب التراجم والتاريخ. أما تکفي هذه الأحاديث وهذه القصائد أن تکون وثيقة لإيمان أبي طالب وإسلامه، وهل الإسلام غير هذا؟ ولو کان جزء من هذه الآثار والمآثر لأبي قحافة والخطاب أو عفان لکانوا أول المسلمين، ولکن أباطالب (عليه السلام) بالرغم من تلک المواقف والمواطن التي وقف بها للدفاع عن النبي والمحافظة علي حياته في الشعب وقبله وبعده، وهذه الاعترافات منه بنبوة محمد ورسالته، لا تکفي للدلالة علي إسلامه فيقولون: مات أبوطالب مشرکاً کافراً. فليکن کل هذا، فإن هذه الغارات التي تشن علي کفيل رسول الله وناصره والمحامي عنه إنما هي لأجل ولده علي (عليه السلام) فإن القوم لم يرضوا أن تکون ساحة نسب علي (عليه السلام) منزهة عن کفر الجاهلية، ولم تطب نفوسهم أن تکون هذه المفاخر لعلي (عليه السلام) وسيعلمون غداً يوم يساقون إلي الحساب عما کتبت أيديهم.
قد ذکرنا في أول کلامنا الليلة أن التربية الصحيحة إنما تتسني للطفل عن طريق المربي والوالدين والبيت الذي يفتح الطفل فيه عيناه، فقد کان علي (عليه السلام) يتلقي دروس التوحيد من الرسول الأعظم (صلّي الله عليه وآله) من أيام صباه ويتعلم منه العلوم الإلهية طيلة أيام کونه طفلاً ويافعاً وشاباً وخليفة، وکان يجد کل التشجيع من والده أبي طالب (عليه السلام) الذي کفل النبي من يوم وفاة عبدالمطلب، ولم يبلغ النبي يومذاک من العمر ثمان سنين وأخذه إلي بيته وضمه إلي أهله وولده، وکان هو وزوجته السيدة فاطمة بنت أسد يبذلان کل ما في وسعهما في خدمة النبي والترفيه عنه حتي أنهما کانا يفضلانه علي أولادهما في المطعم والملبس والعناية والخدمة، وقام أبوطالب بما قام من أنواع العطف والحنان والرعاية والاهتمام بشأن النبي والإشادة بمواهبه في السفر والحضر.
عند ملم الزمان والنُوَب
أخي لأمي من بينهم وأبي
يخذله من بنيَّ ذو حسب
کل حي مصيره لشعوب
لفداء الحبيب وابن الحبيب
قب والباع والکريم النجيب
والله ما قلت الذي قلت جازعا
وتعلم أني لم أزل لک طائعا
نبي الهدي المحمود طفلاً ويافعا
وزير کموسي والمسيح بن مريم
فکل بأمر الله يهدي ويعصم
لوَّيا وخُصّا من لويِ بني کعب
رسولاً کموسي خُطّ في أول الکتب
ولم تختضب سمر العوالي من الدم
جماجم تلقي بالحطيم وزمزم
حتي أوسّد في التراب دفينا
وابشر بذاک وقُرّ منک عيونا
ولقد دعوت وکنت ثَم أمينا
من خير أديان البرية دينا
فأکرم خلق الله في الناس أحمد
فذو العرش محمود وهذا محمد[1] .
ولما نطاعن دونه ونناضل
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ثمال اليتامي عصمة للأرامل
فهم عنده في رحمة وفواضل
لدينا ولا نعبأ بقول الأباطل
وأظهر ديناً حقه غير باطل
ابني علياً وشيخ القوم عباسا
وجعفراً أن تذودوا دونه الناسا
في نصر أحمد دون الناس أتراسا
عندي يفوق منازل الأولا
وحفظت فيه وصية الأجداد