من خطبة له يذكر فيها بديع خلقة الخفاش











من خطبة له يذکر فيها بديع خلقة الخفاش



منها: ومن لطائف صنعته وعجائب خلقته ما أرانا من غوامض الحکمة في هذه الخفافيش التي يقبضها الضياء الباسط لکل شي ء ويبسطها الظلام القابض لکل حي.

وکيف عشيت أعينها، عن أن تستمد من الشمس المضيئة نوراً تهتدي به في مذاهبها، وتتصل بعلانية برهان الشمس إلي معارفها، وردعها بتلألؤ ضيائها عن المضي في سبحات إشراقها، وأکنها في مکانها عن الذهاب في بلج ائتلاقها، فهي مسدلة الجفون بالنهار علي أحداقها، وجاعلة الليل سراجاً تستدل به في التماس أرزاقها.

فلا يرد أبصارها إسداف ظلمته، ولا تمتنع من المضي فيه لغسق دجنته، فإذا ألقت الشمس قناعها، وبدت أوضاح نهارها، ودخل من إشراق نورها علي الضباب في وجارها، أطبقت الأجفان علي مآقيها، وتبلغت بما اکتسبت من في ء ظلم لياليها، فسبحان من جعل الليل لها نهاراً ومعاشاً، والنهار سکناً وقراراً، وجعل لها أجنحة من لحمها تعرج بها عند الحاجة إلي الطيران کأنها شظايا الآذان، غير ذوان ريش ولا قصب، إلا أنک تري مواضع العروق بينة أعلاماً، لها جناحان لم يرقا فينشقا، ولم يغلظا فيثقلا.

تطير وولدها لاصق بها، لاجئ إليها، يقع إذا وقعت، ويرتفع إذا ارتفعت.

لا يفارقها حتي تشتد أرکانه، ويحمله للنهوض جناحه، ويعرف مذاهب عيشه ومصالح نفسه.

فسبحان البارئ لکل شي ء علي غير مثال خلا من غيره.