علي في سورة هل أتي











علي في سورة هل أتي



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

في أمالي الصدوق عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه في قوله عزوجل: (يوفون بالنذر)[1] قالا: مرض الحسن والحسين (عليهماالسلام) وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله (صلّي الله عليه وآله) ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أباالحسن لو نذرت في ابنک نذراً إن الله عافاهما، فقال أصوم ثلاثة أيام شکراً لله عزوجل، وکذلک قالت فاطمة (عليهاالسلام) وقال الصبيان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام، وکذلک قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق علي (عليه السلام) إلي جار له من اليهود يقال له: شمعون.

يعالج الصوف فقال هل لک أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لک ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال: نعم، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة (عليهاالسلام) فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، لکل واحد قرصاً، وصلي علي (عليه السلام) مع النبي (صلّي الله عليه وآله) المغرب؟ ثم أتي منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة کسرها علي (عليه السلام) وإذا مسکين قد وقف بالباب فقال: السلام عليکم يا أهل بيت محمد، أنا مسکين من مساکين المسلمين، أطعموني مما تأکلون أطعمکم الله علي موائد الجنة، فوضع علي (عليه السلام) اللقمة من يده ثم قال:


فاطم ذات المجد واليقين
يا بنت خير الناس أجمعين


إلي آخر الأبيات.

ومضمونها التعطف علي المسکين ويطلب (عليه السلام) من فاطمة (عليهاالسلام) أن تعطي شيئاً للمسکين.

فأقبلت فاطمة تقول:


أمرک سمع يا بن عم وطاعة
ما بي من لؤم ولا وضاعة


إلي آخر الأبيات التي تذکر فيها استعدادها لمساعدة المسکين الواقف علي الباب ينتظر، وعمدت إلي ما کان علي الخوان فدفعته إلي المسکين، وباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلا الماء القراح.

ثم عمدت إلي الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعاً من الشعير وطحنته وغزلته وخبزت منه خمسة أقرصة لکل واحد قرصاً، وصلي علي المغرب مع النبي (صلّي الله عليه وآله) ثم أتي منزله فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأول لقمة کسرها علي (عليه السلام) وإذا بيتيم من يتامي المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليکم أهل بيت محمد أنا يتيم من يتامي المسلمين أطعموني مما تأکلون أطعمکم الله علي موائد الجنة، فوضع علي اللقمة من يده ثم قال:


فاطم بنت السيد الکريم
قد جاءنا الله بذا اليتيم


إلي آخر أبياته التي يحرضها علي إطعام اليتيم.

ثم أقبلت فاطمة وهي تقول:


فسوف أعطيه ولا أبالي
وأوثر الله علي عيالي


أمسوا جياعاً وهم أشبالي

إلي آخر الأبيات التي تظهر فيها الموافقة علي إطعام اليتيم ثم عمدت فأعطته جميع ما علي الخوان، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلا الماء القراح، وأصبحوا صياماً، وعمدت فاطمة (عليهاالسلام) فغزلت الثلث الباقي من الصوف وطحنت الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لکل واحد قرصاً.

وصلي علي المغرب مع النبي (عليهماالسلام)، ثم أتي منزله، فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم فأول لقمة کسرها علي (عليه السلام) وإذا بأسير من أسراء المشرکين قد وقف بالباب فقال: السلام عليکم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا؟ فوضع علي (عليه السلام) اللقمة من يده ثم قال:


فاطم يا بنت النبي أحمد
بنت نبي سيد مسود


إلي آخر الأبيات.

ثم أقبلت فاطمة وهي تقول:


لم يبق مما کان غير صاع
قد دبرت کفي مع الذراع


ثم تذکر استعدادها لمواساة الأسير.

وعمدوا إلي ما کان علي الخوان فأعطوه وباتوا جياعاً، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شي ء.

قال شعيب في حديثه: وأقبل علي بالحسن والحسين (عليهماالسلام) نحو رسول الله (صلّي الله عليه وآله) وهما يرتعشان کالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي (صلّي الله عليه وآله) قال: يا أباالحسن شد ما يسوؤني ما أري بکم!؟ انطلق إلي ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله (صلّي الله عليه وآله) ضمها إليه وقال: واغوثاه بالله؟ أنتم منذ ثلاث فيما أري؟ فهبط جبرائيل فقال: يا محمد خذ ما هيأ الله لک في أهل بيتک، قال: وما آخذ يا جبرائيل؟ قال: (هل أتي علي الإنسان حين من الدهر)[2] حتي إذا بلغ (إن هذا کان لکم جزاءً وکان سعيکم مشکوراً).[3] .

وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي (صلّي الله عليه وآله) حتي دخل منزل فاطمة (عليهاالسلام) فرأي ما بهم فجمعهم ثم انکب عليهم فبکي وهو يقول: أنتم منذ ثلاث فيما أري وأنا غافل عنکم؟ فهبط عليه جبرائيل بهذه الآيات: (إن الأبرار يشربون من کأس کان مزاجها کافوراً، عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً)[4] قال: هي عين في دار النبي (صلّي الله عليه وآله) يفجر إلي دور الأنبياء والمؤمنين (يوفون بالنذر)[5] يعني علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجاريتهم (ويخافون يوماً کان شره مستطيراً) (ويطمعون الطعام علي حبه)[6] يقول: علي شهوتهم للطعام وإيثارهم له (مسکيناً) من مساکين المسلمين (ويتيماً) من يتامي المسلمين (وأسيراً) من أسراء المشرکين ويقولون إذا أطعموهم: (إنما نطعمکم لوجه الله لا نريد منکم جزاءً ولا شکوراً)[7] قال: والله ما قالوا هذا لهم ولکنهم أضمروه في أنفسهم، فأخبر الله بما في ضمائرهم، ويقولون: لا نريد جزاء تکافئوننا، به ولا شکوراً تثنون علينا به، ولکن إنما أطعمناکم لوجه الله وطلب ثوابه، قال الله تعالي ذکره: (فوقاهم الله شر ذلک اليوم ولقاهم نضرة)[8] في الوجوه (وسروراً) في القلوب (وجزاهم بما صبروا جنة)[9] يسکنونها (وحريراً) يفترشونه ويلبسونه (متکئين فيها علي الأرائک) والأريکة: السرير عليه الحجلة (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً)[10] قال شيخنا المجلسي (رحمه الله) بعد ذکر أقوال المفسرين والمحدثين: في هذه السورة أقوال: بعدما عرفت من إجماع المفسرين والمحدثين علي نزول هذه السورة في أصحاب الکساء (عليهم السلام) علمت أنه لا يريب (يشک) أريب ولا لبيب في أن مثل هذا الإيثار لا يتأتي إلا من قبل الأئمة الأخيار وأن نزول هذه السورة مع المائدة عليهم يدل علي جلالتهم ورفعتهم ومکرمتهم لدي العزيز الجبار... الخ.

أقول: وأما کيف يمکن لهؤلاء أن يتجوعوا ثلاثة أيام بلياليها فليس ذلک بمستبعد، لأننا نسمع ونقرأ في الصحف أن بعض الأفراد استمر صومهم تسعة أيام بدون أن يدخل شي ء في جوفهم، وأما المرتاضون الذين يتجوعون بصورة مدهشة وينحصر أکلهم في کل يوم في لوزة واحدة ولا يموتون من الجوع بل يعيشون أعواماً وأعواماً، ويمکن أن نقول: إن العادة في التجوع وعدمه لها تأثير ودخل في الموضوع.

وما قاله بعض الجهال: أنه هل يجوز أن يبالغ الإنسان في الصدقة إلي هذا الحد ويجوع نفسه وأهله حتي يشرف علي الهلاک؟ فقد ضرب الرقم القياسي في التجاهل أو العناد، لأن هذا هو المواساة والله تعالي يقول: (ويؤثرون علي أنفسهم ولو کان بهم خصاصة)[11] مع احتياجهم إلي الطعام يفضلون غيرهم علي أنفسهم فلو کان هذا الإيثار قبيحاً لما مدحهم الله تعالي: وأيضاً: إن الله تعالي أنزل سورة علي نبيه تقديراً لهذا الإيثار الذي لا نظير له في البشر، إلا عند الأنبياء فما دونهم.

فما قيمة انتقاد المخلوق الجاهل لهذا العمل العظيم الذي لم يسجل ولا يسجل التاريخ شبيهاً ومثيلاً له في تاريخ الکرماء الأسخياء فضلاً عن غيرهم؟؟







  1. سورة الإنسان، الآية: 7.
  2. سورة الإنسان، الآية: 1.
  3. سورة الإنسان، الآية: 22.
  4. سورة الإنسان، الآيتان: 5 و 6.
  5. سورة الإنسان، الآية: 7.
  6. سورة الإنسان، الآية: 8.
  7. سورة الإنسان، الآية: 9.
  8. سورة الإنسان، الآية: 11.
  9. سورة الإنسان، الآية: 12.
  10. سورة الإنسان، الآية: 13.
  11. سورة الحشر، الآية: 9.