علي يتصدق بالخاتم











علي يتصدق بالخاتم



عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله عزوجل: (إنما وليکم الله ورسوله والذين آمنوا)[1] الآية قال: إن رهطاً من اليهود أسلموا، منهم: عبدالله بن سلام وأسد وثعلبة وابن صوريا، فأتوا النبي (صلّي الله عليه وآله) فقالوا: يا نبي الله إن موسي أوصي إلي يوشع بن نون فمن وصيک يا رسول الله؟ ومن ولينا بعدک؟ فنزلت هذه الآية: (إنما وليکم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزکاة وهم راکعون) ثم قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله): قوموا.

فقاموا فأتوا المسجد فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل أما أعطاک أحد شيئاً؟ قال: نعم هذا الخاتم، قال: من أعطاکه؟ قال: أعطانيه ذلک الرجل الذي يصلي، قال: علي أي حال أعطاک؟ قال: کان راکعاً.

فکبر النبي (صلّي الله عليه وآله) وکبر أهل المسجد، فقال النبي (صلّي الله عليه وآله): علي بن أبي طالب وليکم بعدي، قالوا رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبعلي بن أبي طالب ولياً، فأنزل الله عزوجل: (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)[2] فتقدم حسان بن ثابت وأنشأ يقول:


أباحسن تفديک نفسي ومهجتي
وکل بطي ء في الهدي ومسارع


أيذهب مدحي والمحبر ضائع
وما المدح في جنب الآله بضائع


فأنت الذي أعطيت إذ کنت راکعاً
فدتک نفوس القوم يا خير راکع


فأنزل فيک الله خير ولاية
وبيّنها في محکمات الشرايع


وقال أيضاً:


علي أميرالمؤمنين أخو الهدي

وأفضل ذي نعل ومن کان حافيا


وأول من أدي الزکاة بکفه
وأول من صلي ومن صام طاويا


فما أتاه سائل مد کفه
إليه ولم يبخل ولم يک جافيا


فدس إليه خاتماً وهو راکع
وما زال أواهاً إلي الخير داعيا


فبشر جبريل النبي محمداً
بذاک وجاء الوحي في ذاک ضاحيا


وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين:


فديت علياً إمام الوري
سراج البرية مأوي التقي


وصي الرسول وزوج البتول
إمام البرية شمس الضحي


تصدق خاتمه راکعاً
فأحسن بفعل إمام الوري


ففضله الله رب العباد
وأنزل في شأنه هل أتي


صورة أخري لنزول الآية عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: کنا جلوساً عند رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إذ ورد علينا أعرابي أشعث الحال عليه أثواب رثة والفقر ظاهر بين عينيه، ومعه عياله، فلما دخل المسجد سلم علي النبي (صلّي الله عليه وآله) ووقف بين يديه وأنشد يقول:


أتيتک والعذراء تبکي بِرنةِ
وقد ذهلت أم الصبي عن الطفل


وأخت وبنتان وأم کبيرة
وقد کدت من فقري أخالط في عقلي


وقد مسني فقر وذل وفاقة
وليس لنا شي ء يمر ولا يحلي


ولسنا نري إلا إليک فرارنا
وأين مفر الخلق إلا إلي الرسل


فلما سمع النبي (صلّي الله عليه وآله) ذلک بکي بکاء شديداً، ثم قال لأصحابه: معاشر المسلمين إن الله تعالي، قد ساق إليکم ثواباً، وقاد إليکم أجراً، والجزاء من الله غرف في الجنة، تضاهي غرف إبراهيم الخليل (عليه السلام)، فمن منکم يواسي هذا الفقير؟ فلم يجبه أحد، وکان في ناحية المسجد علي بن أبي طالب يصلي رکعات تطوعاً کانت له دائماً، فأومأ إلي الأعرابي بيده فدنا منه، فدفع إليه الخاتم من يده وهو في صلاته فأخذه الأعرابي وانصرف.

ثم إن النبي أتاه جبرائيل ونادي: السلام عليک يا رسول الله ربک يقرئک السلام ويقول لک: اقرأ (إنما وليکم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزکاة وهم راکعون.

ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون).[3] .

فعند ذلک قام النبي (صلّي الله عليه وآله) قائماً علي قدميه وقال: معاشر المسلمين أيکم اليوم عمل خيراً حتي جعله الله ولي کل من آمن؟ قالوا: يا رسول الله ما فينا من عمل خيراً سوي ابن عمک علي بن أبي طالب فإنه تصدق بخاتمه علي الأعرابي وهو يصلي.

فقال النبي (صلّي الله عليه وآله): وجبت الغرف لابن عمي علي بن أبي طالب، فقرأ عليهم الآية... الخ. صورة ثالثة في المناقب وکشف الغمة: بينا عبدالله بن عباس جالس علي شفير زمزم يقول: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إذ أقبل رجل متعمم بعمامة، فجعل کلما قال ابن عباس: سألتک بالله من أنت؟ فکشف العمامة عن وجهه وقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه نفسي: أنا جندب بن جنادة البدري أبوذر الغفاري سمعت رسول الله (صلّي الله عليه وآله) بهاتين وإلا صُمّتا، ورأيته بهاتين وإلا عميتا يقول: علي قائد البررة، وقاتل الکفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله.

أما إني صليت مع رسول الله (صلّي الله عليه وآله) يوماً من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلي السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً.

وکان علي (عليه السلام) راکعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمني وکان يتختم فيه، فأقبل السائل فأخذ الخاتم من خنصره، وذلک بمرأي من النبي (صلّي الله عليه وآله) وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلي السماء وقال: اللهم إن أخي موسي سألک فقال: (اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشرکه في أمري)[4] فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: (سنشد عضدک بأخيک ونجعل لکما سلطاناً فلا يصلون إليکما بآياتنا)[5] اللهم وأنا محمد نبيک وصفيک، اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به أزري.

قال أبوذر: فلما أتم رسول الله (صلّي الله عليه وآله) کلامه حتي نزل جبرائيل من عند الله عزوجل فقال: يا محمد: اقرأ فأنزل الله عليه (إنما وليکم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزکاة وهم راکعون).

وقد روي المفسرون في نزول هذه الآية أنها نزلت في شأن علي (عليه السلام) لما تصدق بخاتمه علي السائل، وإن اختلفت ألفاظ الحديث فالمفاد والمضمون واحد.

وهذه الآية تصرح لعلي (عليه السلام) بالولاية العامة علي المسلمين تلک الولاية الثابتة لله ولرسوله، وسنذکر في حديث الغدير ما تيسر من معني الولي والمولي إن شاء الله...







  1. سورة المائدة، الآية: 55.
  2. سورة المائدة، الآية: 56.
  3. سورة المائدة، الآيتان: 55 و 56.
  4. سورة طه، الآيات: 25 و 32.
  5. سورة القصص، الآية: 35.