علي والقرآن











علي والقرآن



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

القرآن کتاب الله عزوجل ذلک الکتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو کلام الله الذي لا يتبع الهوي ولا يميل إلي الاتجاهات بدافع العاطفة بل هو الحق.

هناک حديث نبوي شريف اتفق عليه الشيعة والسنة، أنه قال (صلّي الله عليه وآله): (إني تارک فيکم الثقلين: کتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض).

نجد في الحديث الرسول الأعظم (صلّي الله عليه وآله) يقرن العترة بالقرآن والقرآن بالعترة، ويخبر عنهما أنهما لن يفترقا ولن يختلفا في المبدأ وفي أي شي ء، فالقرآن يوافق العترة، والعترة تمشي تحت ظل القرآن، فلا اختلاف ولا تنافي بين القرآن والعترة، بل هما متلازمان ومتفقان.

وبناء علي هذا هل يمکن أن يسکت القرآن عن عديله وقرينه؟ فيخلو عن اسم العترة والإشارة إليهم؟؟ کلا ثم کلا، فالقرآن فيه تبيان کل شي ء وحاشاه أن يسکت عن الإشادة والتنويه عن أشرف أسرة علي وجه الأرض وهم أسرة رسول الله الطيبة وعترته الطاهرة، وعلي رأسهم سيد العترة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي ضرب الرقم القياسي في کل مباراة وفاز بکأس البطولة في کل ميدان سباق، وهو والقرآن يسيران في طريق واحد، ويدعوان إلي مبدأ وهدف واحد، فعلي (عليه السلام) يعرف القرآن وفنونه وعلومه وأحکامه وفضائله ومزاياه، والقرآن يجلب الانتباه إلي شخصية علي (عليه السلام) ومکارمه ومحاسنه وخصائصه، وينوّه عن مواقفه ومواطنه وتضحياته في سبيل الهدف الذي أنزل من أجله القرآن.

أليس القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان؟ أو ليس القرآن يهدي للتي هي أقوم؟ أو ليس القرآن فيه موعظة وشفاء وهدي ورحمة للمؤمنين؟ أو ليس القرآن هو الحق ويدعو إلي الحق؟ فهذا علي (عليه السلام) عديل القرآن ويسير مع القرآن جنباً بجنب، يدعو ويهدي ويبين ويعظ ويفرق بين الحق والباطل.

إذن، فلا مانع أن يحتوي القرآن (وهو کلام الله المجيد) شيئاً من تقدير الله تعالي لمواقف علي (عليه السلام) والإشادة بفضله وإن لم يکن التنويه صريحاً فقد تکون الکناية أبلغ من التصريح وأوقع في النفس للتحري عن الحقيقة المقصودة.

ولم يکتف القرآن بالإشارة إلي فضائل علي، فحسب، بل نجد کمية هائلة وافرة من الآيات البينات التي شملت أهل البيت (عليهم السلام) أولاً ثم بقية المسلمين ثانياً، فقد روي ابن عباس عن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) أنه قال: ما أنزل الله آية فيها: (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي رأسها وأميرها.

وروي ابن حجر في الصواعق: عن ابن عباس لما نزلت هذه الآية (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئک هم خير البرية)[1] قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله): هم أنت يا علي وشيعتک، تأتي أنت وشيعتک يوم القيامة راضين مرضيين، وتأتي أعداؤک غضاباً مقحمين.

إلي غير ذلک من عشرات الآيات المأولة بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) المذکورة في الصحاح ورواها المحدثون في صحاحهم.

وفي القرآن آيات واضحات نزلت في شأن أهل البيت (عليهم السلام) وکان علي (عليه السلام) أحدهم بل سيدهم، کما في آية المباهلة وسورة هل أتي وآية التطهير وغيرها مما يطول الکلام بذکر تلک الآيات فلنذکر بصورة موجزة کلاماً حول آية التطهير والمباهلة وسورة هل أتي، ثم ننظر أين ينتهي بنا الکلام: لقد أجمع المفسرون والمحدثون إلا الشاذ النادر منهم واتفقت کلمتهم علي: أن آية التطهير نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وإن کان هناک اختلاف في ألفاظ الحديث فالمؤدي واحد.

وخلاصة الواقعة: أن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) ألقي رداء أو عباءة أو کساء أو ثوباً أو قطيفة علي علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

فقالت أم سلمة: يا رسول الله فأنا؟ وفي رواية: فأنا من أهلک أو: وأنا معکم؟ أو: ألا أدخل معکم؟ فقال النبي (صلّي الله عليه وآله): إنک علي خير، أو: مکانک، أو: تنحي وفي رواية: فرفعت الکساء لأدخل فجذبه من يدي وقال: إنک علي خير وإنک من أزواج النبي.

فنزلت الآية: (إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهرکم تطهيرا).[2] .

قال أبوسعيد الخدري: کان النبي (صلّي الله عليه وآله) يأتي باب علي أربعين صباحاً فيقول: السلام عليکم ورحمة الله وبرکاته أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس ويطهرکم تطهيرا، أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.

وقال أبوالحمراء: خدمت رسول الله (صلّي الله عليه وآله) تسعة أشهر أو عشرة أشهر فأما التسعة فلا أشک فيها ورسول الله يخرج من طلوع الفجر فيأتي باب فاطمة وعلي والحسن والحسين فيأخذ بعضادتي الباب فيقول: السلام عليکم ورحمة الله وبرکاته، الصلاة، يرحمکم الله.

فيقولون: وعليک السلام يا رسول الله ورحمة الله وبرکاته.

فيقول رسول الله: إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهرکم تطهيراً.

أما المحدثون والمفسرون من الشيعة فکلهم متفقون علي اختصاص آية التطهير بعلي وفاطمة والحسن والحسين، لا تشارکهم زوجات النبي فيها.

ومن أعلام السنة ذکر ذلک: الثعلبي في تفسيره وأحمد بن حنبل في مسنده، والواحدي في تفسيره (البسيط)، وابن البطريق في المستدرک.

والرازي في تفسيره وغيرهم ممن يطول الکلام بذکرهم والباقون يقولون إن الآية تشمل أهل البيت وسائر زوجات النبي (صلّي الله عليه وآله).

وقد مر عليکم أن المفسرين والمحدثين ذکروا أن النبي لم يأذن لزوجته أم سلمة أن تدخل تحت الکساء أو الثوب، فکيف تشمل الآية صفية أخت مرحب التي کانت يهودية خيبرية وغيرهن ممن سبق الکفر والشرک إسلامهن؟ ولا دليل لهؤلاء إلا سياق الآية وترتيبها، أو ما يکفي مجي ء رسول الله إلي باب بيت علي وفاطمة أربعين صباحاً أو ستة أشهر أو تسعة أشهر يطرق عليهم الباب ويتلو عليهم الآية ليکون دليلاً علي أن المقصود بآية التطهير هم أهل هذا البيت فقط، ولم يعهد من النبي (صلّي الله عليه وآله) أنه طرق باب إحدي زوجاته وتلي عليها الآية ولو مرة واحدة.

ثم إن سياق الآية وأسلوبها يدلان علي کلامنا، فإن الخطابات الموجهة إلي زوجات النبي في الآية کلها ضمائر مؤنثة.

قال تعالي: (يا نساء النبي (لستن) کأحد من النساء إن (اتقيتن) فلا (تخضعن) بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض و(قلن) قولاً معروفاً و(قرن) في (بيوتکن) ولا (تبرجن) تبرج الجاهلية الأولي، و(أقمن) الصلاة و(آتين) الزکاة و(أطعن) الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهرکم تطهيرا، و(اذکرن) ما يتلي في (بيوتکن) من آيات الله والحکمة إن الله کان لطيفاً خبيراً).[3] .

ويظهر بکل وضوح أن الضمائر الموجودة في آية التطهير تختلف عما سبقتها ولحقتها من الآيات والخطابات، فقد قال تعالي: (إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهرکم تطهيراً) ولم يقل: عنکن، ويطهرکن.

فالعدول عن الضمائر المؤنثة إلي الضمائر المذکرة يدل علي اختصاص الخطاب بغير نساء النبي المخاطبات في الآية.

هذا وقد ذکر سيدنا المغفور له السيد عبدالحسين شرف الدين في کتابه: (الکلمة الغراء في تفضيل الزهراء) بياناً کافياً وکلاماً شافياً حول الأدلة والبراهين والقرائن التي تدل علي تخصيص آية التطهير بفاطمة وبعلها وبنيها، وقبل ذلک أسهب شيخنا المجلسي رحمه الله في تفسير هذه الآية وفي ما قيل فيها من الدلالة علي الاختصاص بأهل البيت (عليهم السلام).

وقد ذکروا في شأن نزول آية التطهير واجتماع النبي (صلّي الله عليه وآله) مع علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجوهاً کثيرة، والکل متفقون علي أن آية التطهير نزلت في هؤلاء (عليهم السلام).

وهذه الآية تدل بکل صراحة علي عصمة أصحاب الکساء، وإنهم معصومون من کل ذنب وکل خطأ، والعصمة من مراتب الأنبياء والأوصياء وهي أعلي درجات الرقي والتقرب عند الله تعالي.







  1. سورة البينة الآية: 7.
  2. سورة الأحزاب، الآية: 33.
  3. سورة الأحزاب، الآيات: 34-32.