علي يوم أحد











علي يوم أحد



أحد: اسم منطقة بالقرب من المدينة في سفح الجبل، وفيها وقعت واقعة أحد، والتقي المسلمون بالمشرکين، واشتعلت نار الحرب وقامت علي ساق، نقتطف من الواقعة موقف علي (عليه السلام) فيها، وما أصابه من العناء.

وقد کانت راية قريش مع طلحة بن أبي العبدري من بني عبدالدار، فبرز ونادي: يا محمد أو يا معاشر أصحاب محمد تزعمون أنکم تجهزونا بأسيافکم إلي النار ونجهزکم بأسيافنا إلي الجنة، فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي، فبرز إليه أميرالمؤمنين (عليه السلام) وهو يقول:


يا طلح إن کنتم کما تقول
لکم خيول ولنا نصول


فاثبت لننظر أينا المقتول
وأينا أولي بما تقول


فقد أتاک الأسد الصؤل
بصارم ليس به فلول


ينصره القاهر والرسول

فقال طلحة: من أنت يا غلام؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، قال: قد علمت يا قضم، إنه لا يجسر علي أحد غيرک، فشد عليه طلحة فضربه، فاتقاه أميرالمؤمنين (عليه السلام) بالحجفة، ثم ضربه أميرالمؤمنين علي فخذيه فقطعهما جميعاً فسقط علي ظهره، وسقطت الراية، فذهب علي (عليه السلام) ليجهز عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه، فقال المسلمون: ألا أجهزت عليه؟ قال: قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبداً، ثم أخذ الراية سعيد بن أبي طلحة، فقتله علي (عليه السلام)، وسقطت رايته إلي الأرض فأخذها عثمان بن طلحة، فقتله علي (عليه السلام) وسقطت رايته إلي الأرض فأخذها الحارث بن أبي طلحة، فقتله علي (عليه السلام) وسقطت رايته إلي الأرض فأخذها عزيز بن عثمان فقتله علي (عليه السلام) وسقطت رايته إلي الأرض فأخذها عبدالله بن جميلة بن زهير فقتله علي (عليه السلام) وسقطت رايته إلي الأرض، فقتل أميرالمؤمنين التاسع من بني الدار وهو أرطأة بن شرحبيل مبارزة، وسقطت الراية إلي الأرض فأخذها مولاهم صوأب فضربه أميرالمؤمنين (عليه السلام) علي يمينه فقطعها، وسقطت الراية إلي الأرض فأخذها بشماله، فضربه أميرالمؤمنين (عليه السلام) علي شماله فقطعها فسقطت الراية إلي الأرض فاحتضنها بيديه المقطوعتين، ثم قال: يا بني عبدالدار هل أعذرت فيما بيني وبينکم؟ فضربه أميرالمؤمنين (عليه السلام) علي رأسه فقتله وسقطت الراية إلي الأرض، فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية فنصبتها.

وانهزم المشرکون وتبعهم المسلمون وشرعوا بجمع الغنائم، ولما رأي المشرکون ذلک ووجدوا المسلمين مشغولين بالنهب رجعوا من طريق آخر، وجعلوا المسلمين في الوسط، وحملوا عليهم حملة رجل واحد، بقيادة خالد بن الوليد، وقتلوا من المسلمين مقتلة عظيمة، وانقسم الناس آنذاک إلي قسمين: المنهزمين وهم الأکثر عدداً، والثابتين وهم ما بين قتيل وجريح، وکان علي (عليه السلام) أکثرهم جراحاً، فقد أصيب في ذلک اليوم بتسعين جراحة يصعب علاجها وتداويها.[1] .

في البحار: وقال شقيق بن سلمة: کنت أماشي عمر بن الخطاب إذ سمعت منه همهمة، فقلت له: مه يا عمر؟ فقال: ويحک!! أما تري الهزبر القثم بن القثم، والضارب بالبهم، الشديد علي من طغي وبغي، بالسيفين والراية!!! فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب.

فقال: ادن مني أحدثک عن شجاعته وبطولته، بايعنا النبي (صلّي الله عليه وآله) يوم أحد علي أن لا نفر، ومن فر منا فهو ضال، ومن قتل منا فهو شهيد، والنبي (صلّي الله عليه وآله) زعيمه، إذ حمل علينا مائة صنديد، تحت کل صنديد مائة رجل أو يزيدون، فأزعجونا عن طاحونتنا، فرأيت علياً (عليه السلام) کالليث يتقي الذر إذ قد حمل کفاً من حصي فرمي به وجوهنا، ثم قال: (شاهت الوجوه، وقطت وبطت ولطت، إلي أين تفرون؟ إلي النار؟) فلم نرجع، ثم کر علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت!!! فقال: بايعتم ثم نکثتم؟ فو الله لأنتم أولي بالقتل ممن أقتل، فنظرت إلي عينيه کأنهما سليطان يتوقدان ناراً، أو کالقدحين المملوءين دماً، فما ظننت إلا ويأتي علينا کلنا فبادرت أنا إليه من بين أصحابي فقلت: يا أباالحسن، الله الله!! فإن العرب تفر وتکر، وإن الکرة تنفي الفرة.

فکأنه استحيا، فوليا بوجهه عني، فما زلت أسکن روعة فؤادي فو الله ما خرج ذلک الرعب من قلبي حتي الساعة...

ولم يبق مع رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إلا أبودجانة سماک بن خرشة وأميرالمؤمنين (عليه السلام) وکلما حملت طائفة علي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) استقبلهم أميرالمؤمينن (صلوات الله عليه) فيدفعهم عن رسول الله، ويقتلهم حتي انقطع سيفه.

عن عکرمة قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول: لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) لحقني من الجزع عليه ما لم يلحقني قط، ولم أملک نفسي وکنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت: ما کان رسول الله (صلّي الله عليه وآله) ليفر، وما رأيته في القتلي، وأظنه رفع من بيننا إلي السماء، فکسرت جفن سيفي، وقلت في نفسي: لأقاتلن به عنه حتي أقتل، وحملت علي القوم فأفرجوا عني وإذا أنا برسول الله (صلّي الله عليه وآله) قد وقع علي الأرض مغشياً عليه فقمت علي رأسه، فنظر إلي فقال: ما صنع الناس يا علي: فقلت: کفروا يا رسول الله، وولوا الدبر من العدو، وأسلموک، فنظر النبي (صلّي الله عليه وآله) إلي کتيبة قد أقبلت إليه فقال لي: رد عني يا علي هذه الکتيبة، فحملت عليها أضربها بسيفي يميناً وشمالاً حتي ولوا الأدبار، فقال النبي (صلّي الله عليه وآله): أما تسمع يا علي مديحک في السماء؟ إن ملکاً يقال له رضوان ينادي: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلا علي.

فبکيت سروراً وحمدت الله سبحانه علي نعمته.

وفي رواية قال الصادق (عليه السلام): انهزم الناس عن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) فغضب غضباً شديداً وکان إذا غضب انحدر من وجهه وجبهته مثل اللؤلؤ من العرق، فنظر فإذا علي (عليه السلام) إلي جنبه، فقال: ما لک لم تلحق ببني أبيک؟ فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله أکفر بعد إيماني؟ إن لي بک أسوة، فقال: أما الآن فاکفني هؤلاء، فحمل علي (عليه السلام) فضرب أول من لقي منهم، فقال جبرائيل (عليه السلام): إن هذه لهي المواساة يا محمد، قال: (إنه مني وأنا منه) قال جبرائيل: وأنا منکما.

وأقبل علي (عليه السلام) إلي المدينة وهو ثقيل بالجراحات، وبات علي الفراش، ولما أصبح النبي (صلّي الله عليه وآله) جاء إلي دار علي يعوده، فبکي علي (عليه السلام) وقال: يا رسول الله أرأيت کيف فاتتني الشهادة؟ فقال الرسول: إنها من ورائک يا علي.[2] .







  1. البحار ج 6.
  2. البحار ج 9.