الاشكال 02











الاشکال 02



قال المحقّق البحراني في (شرحه لنهج البلاغة): واعلم أنّه ربّما اعترض بعض الجهّال بأنّ إسلام عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم يکن معتبراً؛ لأنّه کان دون البلوغ.

فقال: فجوابه من وجوه:

أحدها: لا نسلّم أنّه کان دون البلوغ، ومستند هذا المنع وجوه.

الأوّل: رواية شدّاد بن أوس، قال: سألت خبّاب بن الأرتّ عن سنّ عليّ عليه السلام يوم أسلم، وقال: أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو يومئذٍ بالغ مستحکم البلوغ.

الثاني: ما رواه أبو قتادة عن الحسن: أنّ أوّل مَن أسلم عليّ بن أبي طالب، وهو ابن خمس عشرة سنة.

الثالث: عن حذيفة بن اليمان، قال: کنّا نعبد الحجارة، ونشرب الخمر، وعليّ من أبناء أربع عشرة سنة، يصلّي مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ليلاً ونهاراً، وقريش يومئذٍ تسافهه، ما يذبّ عنه إلّا عليّ عليه السلام.

ثانيها: أنّ المتبادر إلي الفهم من إطلاق لفظ المسلم والکافر إنّما هو البالغ دون الصبي، والمبادرة إلي الذهن دليل الحقيقة، فالواجب إذن أن يرجع إلي إطلاق قولهم أسلم عليّ عليه السلام، فإنّ ذلک يشهد بکونه بالغاً عاقلاً لما يفعله، خصوصاً في البلاد الحارّة مثل مکّة، فإنّ العادة في المزاج الصحيح فيها أن يبلغ صاحبه فيها دون خمس عشرة سنة، وربّما احتلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة.

الثالث: وهو الحاسم لمادّة الإشکال أنّه عليه السلام إمّا أن يکون أسلم وهو بالغ أو لم يکن، فإن کان الأوّل فقد حصل الغرض، وإن لم يکن فلا معني للکفر في حقّه إذ کان مولوداً علي الفطرة، فمعني الإسلام في حقّه إذن دخوله في طاعة اللَّه ورسوله والاستسلام لأوامرهما، فله إذن الإسلام الفطري والإيمان الخالص الوارد علي نفس قدسيّة لم تتدنّس بأدناس الجاهليّة وعبادة الأصنام والاعتقادات الباطلة المضادّة للحقّ الّتي صارت ملکات في نفس من أسلم بعد علوّ السنّ، فکان إيمانه باللَّه ورسوله وارداً علي نفس صاف لوحها عن کدر الباطل، فهي المنتقشة بالحقّ متمثّلة به، وکانت غاية إسلام غيره أن يمحو علي طول الرياضة من نفوسهم الآثار الباطلة وملکات السوء فأين أحدهما من الآخر؟![1] .

فعلي هذا لا يصحّ إشکال مَن قال: «لا يقبل إسلامه لأنّه أسلم قبل بلوغه»؛ لأنّه مضافاً إلي ما مرّ مِنْ أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أمره بالإسلام وقَبِلَ إسلامَه، ولا ريب أنّ قبوله صلي الله عليه و آله إسلامه يدلّ علي صحّة إسلامه، سواء أکان بالغاً أم لم يکن، فإنّ دلالة القرآن الکريم علي نبوّة يحيي عليه السلام في صغره، «يَا يَحْيَي خُذِ الْکِتَابَ بِقُوَّةٍ»[2] ونبوّة عيسي بن مريم عليهماالسلام حين ولادته قال: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْکِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً»[3] أصحّ دليلٍ علي قبول إسلام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وإن أسلم قبل بلوغه.







  1. شرح النهج للمحقّق البحراني 316:4.
  2. سورة مريم: 12.
  3. سورة مريم: 30.