الاشكال 01











الاشکال 01



استشکل الجاحظ بقوله: إنّ عليّاً أسلم عن تربية الحاضن وتلقين القيّم ورياضة السائس.[1] .

أمّا الجواب:

فقد قال ابن أبي الحديد في ردّه: أوّلاً: أنّ محمّداً صلي الله عليه و آله کان حاضن عليّ عليه السلام وقيّمه وسائسه، ولکن لم يکن منقطعاً عن أبيه ولا عن إخوته: طالب وعقيل وجعفر واُختيه، ولا عن عمومته وأهل بيته، وما زال مخالطاً لهم، ممتزجاً بهم مع خدمته لمحمّد صلي الله عليه و آله، فما باله لم يمل إلي الشرک وعبادة الأصنام لمخالطته لهم، وهم کثير ومحمّد صلي الله عليه و آله واحد، وأنت تعلم أنّ الصبي إذا کان له أهل ذوو کثرة وفيهم واحد يذهب إلي رأي مفرد لا يوافقه عليه غيره منهم، خصوصاً في المسائل الاعتقادية الّتي هي خلاف ما شاهد في تلک الأعصار من الأصنام والأوثان.

ثانياً: أنّ عليّاً عليه السلام لم يولد في دار الإسلام، بل ولد في دار الشرک، وربّي بين المشرکين، وعاين بعينه أهله ورهطه يعبدون الأصنام، فلو کان في دار الإسلام لکان في القول محال، ولو قيل إنّه ولد بين المسلمين فإسلامه عن تلقين الظئر، وعن سماع کلمة الإسلام ومشاهدة شعاره؛ لأنّه لم يسمع غيره، ولا خطر بباله سواه، فلمّا لم يکن ولد کذلک ثبت أنّ إسلامه إسلام المميّز العارف بما دخل عليه.

ثالثاً: لولا أنّه کذلک لما مدحه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بذلک، ولا أرضي ابنته فاطمة لمّا وجدت من تزويجه بقوله لها: «زوّجتک أقدمهم سلماً».

فلولا أنّه أسلم إسلام[2] عارف مميّز لما ضمّ إسلامه إلي العلم والحلم اللذين وصفه بهما بقوله: «زوّجتک أقدمهم سلماً، وأکثرهم علماً، وأعظمهم حلماً».

رابعاً: لو کان إسلامه عن تلقين وتربية لما افتخر هو عليه السلام به علي رؤوس الأشهاد، ولا خطب علي المنبر بين عدوّ ومحارب، وخاذل منافق، فقال: «أنا عبداللَّه، وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأکبر، والفاروق الأعظم، صلّيت قبل النّاس سبع سنين، وأسلمت قبل إسلام أبي بکر، وآمنت قبل إيمانه»، فهل بلغکم أنّ أحداً من أهل ذلک العصر أنکر ذلک أو عابه أو ادّعاه لغيره، أو قال له: إنّما کنت طفلاً أسلمت علي تربية محمّد وتلقينه إيّاک، خصوصاً في عصر قد حارب فيه أهل البصرة والشام والنهروان، فإسلامه عليه السلام عن تمييز وهو عارف عالم، وإسلامه مقبول قطعاً.[3] .







  1. شرح ابن أبي الحديد 239:13.
  2. کذا في المصدر، والصحيح: «فلولا أنّه لم يسلم إسلام...».
  3. راجع شرح ابن أبي الحديد 239:13.