ليس اسلام أبي بكر ولا زيد قبل إيمان عليّ











ليس اسلام أبي بکر ولا زيد قبل إيمان عليّ



عن ابن أبي الحديد في (شرحه) في فصل (فيما قيل مَن سبق عليّ عليه السلام إلي الإسلام)، قال: إن يقال: کيف قال عليّ عليه السلام: «وسبقتُ إلي الإيمان» وقد قال قوم من النّاس: إنّ أبا بکر سبقه، وقال قوم: إنّ زيد بن حارثة سبقه؟

قال في الجواب: إنّ أکثر أهل الحديث، وأکثر المحقّقين من أهل السيرة، رووا أنّه عليه السلام أوّل من أسلم، ونحن نذکر کلام أبي عمر يوسف بن عبدالبرّ المحدّث في کتابه المعروف بالاستيعاب.

قال أبو عمر في ترجمة عليّ عليه السلام: المرويّ عن سلمان وأبي ذرّ والمقداد وخبّاب وأبي سعيد الخدري وزيد بن أسلم، أنّ عليّاً أوّل من أسلم، وفضّله هؤلاء علي غيره.

قال أبو عمر: وقال ابن إسحاق: أوّل من آمن باللَّه وبمحمّد رسول اللَّه عليّ بن أبي طالب، وهو قول ابن شهاب، إلّا أنّه قال: من الرجال بعد خديجة.

ثمّ روي عن أبي عمر، بسنده عن ابن عبّاس، قال: لعليّ عليه السلام أربع خصال، ليست لأحد غيره.

الأوّل: هو أوّل عربيّ وعجميّ صلّي مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

الثاني: وهو الّذي کان معه لواؤه في کلّ زحف.

الثالث: وهو الّذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره.

الرابع: وهو الّذي غسّله وأدخله قبره.

وساق کلامه في نقل أخبار متعدّدة عن أبي عمر، ثمّ قال: فهذه الروايات والأخبار کلّها ذکرها أبو عمر يوسف بن عبدالبرّ في الکتاب المذکور (الاستيعاب)، وهي کما تراها تکاد تکون إجماعاً.

ثمّ قال: واعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ما زال يدّعي ذلک لنفسه، ويفتخر به، ويجعله في أفضليّته علي غيره، ويصرّح بذلک وقد قال غير مرّة: «أنا الصدِّيق الأکبر، والفاروق الأوّل، أسلمت قبل إسلام أبي بکر، وصلّيت قبل صلاته».

وروي عنه عليه السلام هذا الکلام بعينه أبو محمّد بن قتيبة في کتاب (المعارف) وهو غير متّهم في أمره...

ومن الشعر المرويّ في هذا المعني الأبيات الّتي أوّلها:


محمّدٌ النبيّ أخي وصهري
وحمزة سيّد الشهداء عمّي


ومن جملتها:


سبقتکم إلي الإسلام طُرّاً
غلاماً ما بلغت أوان حلمي


ثمّ قال: والأخبار في هذا الباب کثيرة جدّاً لا يتّسع هذا الکتاب لذکرها، فلتُطلب من مظانّها، ومن تأمّل کتب السير والتواريخ عرف من ذلک ما قلناه: عليّ أوّل مَن أسلم.

ثمّ قال: فأمّا الذاهبون إلي أنّ أبا بکر أقدمهما إسلاماً فنفر قليلون، ونحن نذکر ما أورده ابن عبدالبرّ أيضاً في کتاب (الاستيعاب) في ترجمة أبي بکر، ثمّ روي حديث أبي عمر بطرق أربعة: أنّ أبا بکر أوّل من أسلم.

ثمّ قال ابن أبي الحديد: هذا مجموع ما ذکره أبو عمر بن عبدالبرّ في هذا الباب في ترجمة أبي بکر، ومعلوم أنّه لا نسبة لهذه الروايات إلي الروايات الّتي ذکرها في ترجمة عليّ عليه السلام الدالّة علي سبقه، ولا ريب أنّ الصحيح ما ذکره أبو عمر: أنّ عليّاً عليه السلام کان هو السابق، وأنّ أبا بکر هو أوّل من أظهر إسلامه فظنّ أنّ السبق له.

وقد استدلّ العلّامة الأميني في تقدّم إيمان عليّ عليه السلام علي أبي بکر، (ما ملخّصه): أمّا ما احتجّ به الجاحظ بإمامة أبي بکر بکونه أوّل النّاس إيماناً، فلو کان هذا احتجاجاً صحيحاً؟ لاحتجّ به أبو بکر يوم السقيفة، وما رأيناه صنع ذلک،... لما قال عمر: کانت بيعة أبي بکر فلتة وَقَي اللَّه شرّها، ولو کان احتجاجاً صحيحاً؟ لأدّعي واحدٌ من النّاس لأبي بکر الإمامة في عصره أو بعد عصره بکونه سبق إلي الإسلام، وما عرفنا أحداً ادّعي له ذلک، علي أنّ جمهور المحدّثين لم يذکروا أنّ أبا بکر أسلم إلّا بعد عدّة من الرجال، الي ان قال: فأمّا رواية ابن عباس: أن أبابکر أوّلهم اسلاماً، فقد روي عن ابن عباس خلاف ذلک بأکثر ممّا رووا و أشهر، الي آخر کلامه رفع مقامه.[1] .

قال ابن أبي الحديد: أمّا إسلام زيد بن حارثة، فإنّ أبا عمر بن عبدالبرّ ذکر في کتاب (الاستيعاب) أيضاً في ترجمة زيد بن حارثة، قال: ذکر معمر بن شبّة في جامعه عن الزهري، أنّه قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة.

وقال عبدالرزّاق: وما أعلم أحداً ذکره غير الزهري، ولم يذکر صاحب الاستيعاب ما يدلّ علي سبق زيد إلّا هذه الرواية، واستغربها.

ثمّ قال ابن أبي الحديد: فدلّ مجموع ما ذکرناه أنّ عليّاً عليه السلام أوّل النّاس إسلاماً، وأنّ المخالف في ذلک شاذّ، والشاذّ لا يعتدّ به.[2] .







  1. الغدير 240:3.
  2. شرح ابن أبي الحديد 116:4.