علي منذ وُلد كان مسلماً











علي منذ وُلد کان مسلماً



لقد أثبتنا بتواتر الأخبار المأثورة عن الفريقين، وکذا بأقوال الأصحاب والتابعين، وأقوال علماء العامّة والخاصّة أنّ عليّاً عليه السلام أوّل من آمن باللَّه وبرسوله، ولا يرتاب فيه ذو مسکة، ومن خالف بعدم سبقه في الإسلام کان مخالفاً للواضحات ومرتاباً في البديهيّات.

هذا وإنّ الخوض في سبق إسلامه وهو ابن عشر سنين أو تسع أو ثمان أو غير ذلک ما اقتضته المسالمة مع القوم والمماشاة لهم في تحديد بدء إسلامه، ولکن نحن نقول: إنّ عليّاً عليه السلام متي کفر حتّي يُسلم، ومتي أشرک حتّي يُؤمن؟ بل نعتقد أنّه قد انعقدت نطفته علي الحنيفيّة البيضاء کما قال عليه السلام: «وُلدت علي الفطرة»، وکان الإسلام في أعماق قلبه، واحتضنه حجر الرسالة، وغذّته يد النبوّة، وهذّبه الخلق النبويّ العظيم.

وبالجملة فهو في کنف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يستضي ء منه هدياً وإيماناً تماماً کما يستضي ء القمر من الشمس نوراً وضياءً. نعم کان عليه السلام هو أوّل النّاس إعلاناً لإسلامه وجهراً بإيمانه، ولاطّلاع القارئ المحترم نشير إلي نزر من مقال بعض العلماء من العامّة والخاصّة في هذا المجال، حتّي يظهر لک ظهوراً جليّاً بأنّه لا يليق بخلافة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلّا عليّ عليه السلام؛ لأنّه لم يکفر باللَّه طرفة عين أبداً، بل کان مسلماً منذ ولادته.

إليک بعض ما ورد في الباب:

1- عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، في قوله تعالي: «الَّذِين آمَنُوا»[1] يا محمّد، الذين صدقوا بالتوحيد، قال: هو أمير المؤمنين، «وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ»[2] أي ولم يخلطوا، نظيرها: «لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ»[3] يعني الشرک؛ لقوله: «إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».[4] قال ابن عبّاس: واللَّه! ما من أحد إلّا أسلم بعد شرک ما خلا أمير المؤمنين «أُوْلئِکَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُهْتَدُونَ»[5] يعني عليّاً عليه السلام.[6] .

2- و قال عبدالکريم الخطيب في کتابه: وأکثر الذين ينازعون في أسبقيّة عليّ عليه السلام في الإسلام لا يعتدّون بالسبق الزمني، وإنّما نراهم قد يسلّمون به، ولکنّهم لا يرون إسلام عليّ إسلاماً يعتدّ به في تلک السنّ المبکّرة؛ إذ لم يکن عن نظر وتدبّر، فقد أسلم عليّ عليه السلام حين کان صبيّاً لم يبلغ مبلغ الإدراک والتمييز، والّذي نقوله هنا هو ما قلناه من قبل وهو: أنّ عليّاً ولد مسلماً علي الفطرة؛ إذ کان مربّاه منذ طفولته في بيت الرسول، عصمه اللَّه وعصم مَن کان في بيته من شرک الجاهليّة وظلالها.[7] .

3- وروي العلّامة الأميني: عن المقريزي في الإمتاع - ما ملخّصه -: وأمّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلم يشرک باللَّه قطّ؛ وذلک أنّ اللَّه تعالي أراد به الخير فجعله في کفالة ابن عمّه سيّد المرسلين محمّد صلي الله عليه و آله، فعندما أتي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الوحي وأخبر خديجة وصدّقت، کانت هي وعليّ بن أبي طالب وزيد بن حارثة يُصلّون معه.

إلي أن قال: فلم يحتج عليّ عليه السلام أن يُدعي، ولا کان مشرکاً حتّي يُوحِّد، فيقال: أسلم، بل کان عندما أوحي اللَّه إلي رسوله عمره ثمان سنين، وقيل: سبع، وقيل: إحدي عشرة سنة، وکان مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في منزله بين أهله کأحد أولاده يتّبعه في جميع أحواله.[8] .

4- وفي (تاريخ دمشق) بسنده عن جابر، عن النبيّ أنّه قال: «ثلاثة ما کفروا باللَّه قطّ: مؤمن آل ياسين، وعليّ بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون».[9] .

5- قال العقّاد المصري: وُلد عليّ عليه السلام في داخل الکعبة، وکرّم اللَّه وجهه عن السجود لأصنامها، فکأنّما کان ميلاده ثمّة إيذاناً بعهدٍ جديد للکعبة وللعبادة فيها، وکاد عليّ أن يولد مسلماً، بل لقد وُلد مسلماً علي التحقيق إذا نحن نظرنا إلي ميلاد العقيدة والروح؛ لأنّه فتح عينيه علي الإسلام، ولم يعرف قطّ عبادة الأصنام، فهو قد تربّي في البيت الّذي خرجت منه الدعوة الإسلاميّة، وعرف العبادة من صلاة النبيّ وزوجته الطاهرة قبل أن يعرفها من صلاة أبيه واُمّه، وجمعت بينه وبين صاحب الدعوة قرابة مضاعفة، ومحبّة أوثق من محبّة القرابة، فکان ابن عمّ محمّد صلي الله عليه و آله وربيبه الّذي نشأ في بيته، ونَعِم بعطفه وبرّه.[10] .

6- و قال العلّامة الشيخ خليل: و يوم جهر النبيّ صلي الله عليه و آله بدعوته، کان عليّ عليه السلام أوّل النّاس إسلاماً، وأسبقهم إيماناً، بل الواقع الصحيح أنّه عليه السلام لم يکن أوّل النّاس إسلاماً وأسبقهم إيماناً، بل کان أوّل النّاس إعلاناً لإسلامه وجهراً بإيمانه؛ لأنّ ذينک الإسلام والإيمان کانا کامنين في أعماق قلبه في کلّ کيانه، يعيشهما بعمق وتأمّل، وهو في کنف الرسول صلي الله عليه و آله يستمدّ منه هدياً وإيماناً تماماً کما يستمدّ القمر من الشمس نوراً وضياءً، فإذن لعليّ عليه السلام قدر ما لم يقدّر لسواه من البشر.[11] .

7- وقال العلّامة الأميني قدس سره: هذا - أي سبق إسلامه، وهو ابن تسع، أو ثمان، أو غير ذلک - ما اقتضته المسالمة مع القوم في تحديد مبدأ إسلامه عليه السلام، وأمّا نحن فلا نقول: إنّه أوّل مَن أسلم بالمعني الّذي يحاوله ابن کثير وقومه؛ لأنّ البدأة به تستدعي سبقاً من الکفر، ومتي کفر أمير المؤمنين حتّي يسلم؟! ومتي أشرک باللَّه حتّي يؤمن؟! وقد انعقدت نطفته علي الحنيفيّة البيضاء، واحتضنه حجر الرسالة، وغذّته يد النبوّة، وهذّبه الخُلق النبويّ العظيم، فلم يزل مقتصّاً أثر الرسول قبل أن يصدع بالدين الحنيف وبعده، فلم يکن له هوي غير هواه، ولا نزعة غير نزعته، وکيف يمکن للخصم أن يقذفه بکفر قبل الدعوة... وإنّه کان يمنع اُمّه من السجود للصنم وهو حمل، أيکون إمام الاُمّة هکذا في عالم الأجنّة ثمّ يُدنّسه درن الکفر في عالم التکليف؟! فلقد کان عليه السلام مؤمناً جنيناً ورضيعاً وفطيماً ويافعاً وغلاماً وکهلاً وخليفةً.


ولولا أبو طالب وابنه
لما مثّل الدين شخصاً وقاما


بل نحن نقول: إنّ المراد من إسلامه وإيمانه وأوّليّته فيهما وسبقه إلي النبيّ في الإسلام، هو المعني المراد من قوله تعالي عن إبراهيم الخليل: «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»[12] وفيما قال سبحانه عنه: «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ»[13] وفيما قال سبحانه عن موسي عليه السلام: «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»[14] وفيما قال تعالي عن نبيّه الأعظم صلي الله عليه و آله: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ»[15] وفيما قال: «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ»[16] وفي قوله: «وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ».[17] [18] .







  1. سورة الأنعام: 82.
  2. سورة الأنعام: 82.
  3. سورة آل عمران: 71.
  4. سورة لقمان: 13.
  5. سورة الأنعام: 82.
  6. المناقب لابن شهرآشوب 8:2.
  7. عليّ بن أبي طالب بقيّة النبوّة وخاتم الخلافة: 100، نقلاً عن کتاب الإمام عليّ: 404.
  8. الغدير 230:3، عن الامتاع للمقريزي: 16.
  9. تاريخ دمشق لابن عساکر الشافعي - ترجمة الإمام عليّ 282:2، ح 806.
  10. عبقرية الإمام عليّ: 43.
  11. الإمام عليّ رسالة وعدالة: 25؛ نقلاً عن کتاب الإمام عليّ بن أبي طالب للرحماني: 406.
  12. الأنعام: 163.
  13. البقرة: 131.
  14. الأعراف: 143.
  15. البقرة: 285.
  16. الأنعام: 14.
  17. غافر: 66.
  18. الغدير 239: 3.