احتجاج المأمون علي الفقهاء في أنّ عليّاً أوْلي النّاس بالخلافة
قال المأمون: يا إسحاق[1] أي الأعمال أفضل يوم بعث اللَّه رسوله؟ قال إسحاق: قلت: الإخلاص بالشهادة. قال المأمون: أليس السبق إلي الإسلام؟ قلت: نعم، قال: اقرأ ذلک في کتاب اللَّه، يقول: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ × أُولئِکَ الْمُقَرَّبُونَ»[2] إنّما عني مَن سبق إلي الإسلام، فهل علمت أحداً سبق عليّاً إلي الإسلام؟ قلت: يا أمير المؤمنين، إنّ عليّاً أسلم وهو حديث السنّ، لا يجوز عليه الحکم، وأبو بکر أسلم وهو مستکمل يجوز عليه الحکم. قال: اخبرني أيّهما أسلم قبل؟ ثمّ اُناظرک من بعده في الحداثة والکمال؟ قلت: عليّ عليه السلام أسلم قبل أبي بکر علي هذه الشريطة، فقال: نعم، فأخبرني عن إسلام عليّ حين أسلم، لا يخلو من أن يکون رسول اللَّه صلي الله عليه و آله دعاه إلي الإسلام، أو يکون إلهاماً من اللَّه؟ قال: فأطرقت، فقال لي: يا إسحاق، لا تقل إلهاماً فتقدّمه علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لم يعرف الإسلام حتّي أتاه جبرئيل عن اللَّه تعالي، قلت: أجل، بل دعاه رسول اللَّه إلي الإسلام. قال: يا إسحاق، فهل يخلو رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حين دعاه إلي الإسلام من أن يکون دعاه بأمر اللَّه، أو تکلّف ذلک من نفسه؟ قال: فأطرقت، فقال: يا إسحاق، لا تنسب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي التکلّف، فإنّ اللَّه يقول: «وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِينَ»[3] قلت: أجل، يا أمير المؤمنين، بل دعاه بأمر اللَّه. قال: فهل من صفة الجبّار جلّ ذکره أن يکلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه حکم؟ قلت: أعوذ باللَّه، فقال: أفتراه في قياس قولک - يا إسحاق - إنّ عليّاً أسلم صبيّاً لا يجوز عليه الحکم، قد کلّف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من دعاء الصبيان ما لا يطيقونه، فهل يدعوهم الساعة ويرتدّون بعد ساعة؟ فلا يجب عليهم في ارتدادهم شي ء، ولا يجوز عليهم حکم الرسول صلي الله عليه و آله، أتري هذا جائزاً عندک أن تنسبه إلي رسول اللَّه؟ قلت: أعوذ باللَّه. قال: يا إسحاق، فأراک إنّما قصدت لفضيلة فضّل بها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً علي هذا الخلق، أبانه بها منهم ليعرفوا فضله، ولو کان اللَّه أمره بدعاء الصبيان لدعاهم کما دعا عليّاً، قلت: بلي. قال: فهل بلغک أنّ الرسول صلي الله عليه و آله دعا أحداً من الصبيان من أهله وقرابته لئلّا تقول: إنّ عليّاً ابن عمّه، قلت: لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل؟ قال: يا إسحاق، أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسأل عنه؟ قلت: لا، قال: فدع ما قد وضعه اللَّه عنّا وعنک.[4] . انتهي محلّ الشاهد من مناظرته مع إسحاق في هذا الفصل، وسيأتيک إن شاء اللَّه بعض آخر من مناظرته بما يناسب الفصول الآتية.
للمأمون الخليفة العبّاسي مناظرة لطيفة - قلّ نظيرها، وندر مثلها - مع فقهاء العامّة، ذکرها ابن عبد ربّه الأندلسي في (العقد الفريد)، وفيما يلي نذکر بعض ما يتعلّق منها بإسلام أمير المؤمنين عليه السلام: