انّه کان يجاور معه في کلّ سنة بحراء
وقال الشارح المعتزلي: وأمّا حديث مجاورته بحراء فمشهور، وقد ورد في الکتب الصحاح أنّه صلي الله عليه و آله کان يجاور في حراء من کلّ سنة شهراً، وکان يطعم في ذلک الشهر من جاءه من المساکين، فإذا قضي جواره من حراء کان أوّل ما يبدأ به إذا انصرف أن يأتي باب الکعبة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعاً، أو ما شاء اللَّه من ذلک، ثمّ يرجع إلي بيته حتّي جاءت السنة الّتي أکرمه اللَّه فيها بالرسالة، فجاور في حراء شهر رمضان ومعه أهله خديجة وعليّ بن أبي طالب وخادم لهم، فجاءه جبرئيل بالرسالة. وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «جاءني وأنا نائم بنمط فيه کتاب فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ؟ فَغَتّني[1] حتّي ظننت أنّه الموت، ثمّ أرسلني فقال: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِي خَلَقَ» إلي قوله: «عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»، فقرأته ثمّ انصرف عنّي، فانتبهت من نومي، وکأنّما کتب في قلبي کتاب» الحديث.[2] . وروي العلّامة الخوئي - في مجاورته صلي الله عليه و آله بحراء - من کتاب (حياة القلوب) عن عليّ بن إبراهيم، وابن شهرآشوب، والطبرسي، والراوندي، وغيرهم من المحدّثين والمفسّرين: أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کان قبل مبعثه يعتزل عن قومه ويجاور حراء، ويفرغ لعبادة ربّه سبحانه، وکان عزّ وجلّ يسدّده ويهديه ويرشده بالروح القدس، والرؤيا الصادقة، وأصوات الملائکة، والإلهامات الغيبيّة، فيدرج في مدارج المحبّة والمعرفة، ويعرج إلي معارج القرب والزلفي، وکان سبحانه يزيّنه بالفضل والعلم ومحامد الأخلاق ومحاسن الخصال، ولا يراه أحد في أيّام مجاورته به وخلال تلک الأحوال غير أمير المؤمنين وخديجة (صلوات اللَّه عليهما).[3] .
فيراه دون غيره، وأشار إليه بقول: «وَلَقَدْ کَانَ يُجَاوِرُ فِي کُلِّ سَنَة بِحِرَاءَ، فَأَرَاهُ، وَلَا يَرَاهُ» أحد «غَيْرِي».