ايراد واهٍ من ابن تيميّة و جوابه











ايراد واهٍ من ابن تيميّة و جوابه



عن ابن تيميه في کتابه المسمّي (منهاج السنّة) - والأوْلي أن يسمّي منهاج البدعة والضلالة -، قال: إنّ حديث رسول اللَّه صلي الله عليه و آله «عليّ مع الحقّ والحقّ يدور معه حيث دار، ولن يفترقا حتّي يردا علَيّ الحوض» من أعظم الکلام کذباً وجهلاً، فإنّ هذا الحديث لم يروه أحد عن النبيّ صلي الله عليه و آله لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، وهل يکون أکذب ممّن يروي - يعني العلّامة الحلّي - عن الصحابة والعلماء أنّهم رووا حديثاً، والحديث لا يُعرف عن أحد منهم أصلاً؟ بل هذا من أظهر الکذب، ولو قيل: رواه بعضهم وکان يمکن صحّته لکان ممکناً، وهو کذب قطعاً علي النبيّ صلي الله عليه و آله، فإنّه کلام ينزّه عنه رسول اللَّه.[1] .

قال العلّامة الأميني في جوابه ما ملخّصه: أمّا الحديث فأخرجه جمعٌ من الحفّاظ والأعلام منهم: الخطيب في التاريخ (321:14) بالإسناد عن أبي ثابت مولي أبي ذرّ، قال: دخلت علي اُمّ سلمة فرأيتها تبکي - الحديث.[2] .

هذه اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة سيّدة صحابيّة، وقد نفي ابن تيميّة أن يکون أحد الصحابة قد رواه، کما نفي أن يکون أحد من العلماء يرويه إلّا أن يقول: إنّ الخطيب ليس هو من العلماء، أو لم يعتبر اُمّ المؤمنين صحابيّة، وهذا أقرب إلي مبدأ ابن تيميّة؛ لأنّها علويّة النزعة، علويّة الروح، علويّة المذهب.

وکيف يقول: إنّ هذا الحديث لم يروه أحدٌ من الصحابة والعلماء والرواة؟! وهذا الحافظ ابن مردويه في (المناقب) والسمعاني في (فضائل الصحابة) أخرجا بالإسناد عن محمّد بن أبي بکر عن عائشة، أنّها قالت: سمعتُ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ، لن يفترقا حتّي يردا علَيّ الحوض».

وأخرج ابن مردويه في (المناقب)، والديلمي في (الفردوس): أنّه لمّا عُقر جمل عائشة ودخلت داراً بالبصرة، الي آخر الحديث.[3] .

وروي ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) عن محمّد بن أبي بکر، أنّه دخل علي اُخته عائشة قال لها: أما سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ»، ثمّ خرجت تقاتلينه؟![4] .

وغير ذلک من الصحابة والعلماء الذين رووا الحديث في موارد مختلفة حتّي احتجّ أمير المؤمنين عليه السلام به يوم الشوري بقوله: «اُنشدکم باللَّه، أتعلمون أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: الحقّ مع عليّ، وعليّ مع الحقّ»؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

ونسأل هذا الرجل المعاند عن أنّ هذا الکلام لماذا لا يمکن صحّته، أفيه شي ء من المستحيلات العقليّة کاجتماع النقيضين أو ارتفاعهما، او اجتماع الضدّين أو المثلين؟ وکأنّ الرجل يزعم أنّ الحقيقة العلويّة غير قابلة لأن تدور مع الحقّ، وأن يدور الحقّ معها! کبرت کلمة تخرج من أفواههم، وليت شعري، هذا الکلام لماذا يُنزّه عنه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟ ألاشتماله علي کلمة إلحاديّة؟ أو إشراک باللَّه العظيم؟ أو أمر خارج عن نواميس الدين المبين؟!

أنا أقول لماذا؛ لأنّه في فضل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، والرجل لا يروقه شي ء من ذلک، ونعم الحکم اللَّه، والخصيم محمّد صلي الله عليه و آله.

ولا يذهب علي القارئ أنّ هذا الحديث: «عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ» عبارة اُخري لما ثبتت صحّته عن اُمّ سلمة من قوله صلي الله عليه و آله: «عليّ مع القرآن، والقرآن معه لا يفترقان حتّي يردا علَيّ الحوض».

وکلا الحديثين يرميان إلي المغزي الصحيح المتواتر الثابت عنه صلي الله عليه و آله من قوله صلي الله عليه و آله: «إنّي تارک (أو مخلّف) فيکم الثقلين (أو الخليفتين): کتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتّي يردا علَيّ الحوض».

فإذا کان ما يراه ابن تيميّة غير ممکن الصدور عن مبدأ الرسالة، فهذه الأحاديث کلّها ممّا يغزو مغزاه يجب أن ينزّه صلي الله عليه و آله عنها، ولا أحسب أنّ أحداً يقتحم ذلک الثغر المخوف إلّا مَن هو کمثل ابن تيميّة لا يُبالي بما يتهوّر فيه فدعه وترکاضه، ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون.[5] .







  1. راجع الغدير 176:3.
  2. مرّ منّا الحديث عن تاريخ دمشق، فراجعه.
  3. قد ذکرنا کل الحديث في صفحات القبل.
  4. الإمامة والسياسة 68:1.
  5. الغدير 180 - 176: 3.