نظرة في الحديث











نظرة في الحديث



إنّ أحد الأحاديث المتواترة عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من طريق الفريقين هو حديث: «عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ»، ولا شکّ في صدور هذا الحديث عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ونحن بذلک من الموقنين.

والنکتة الّتي ينبغي الالتفات إليها هي: ما هو وجه صدور الحديث؟ ولماذا تکلّم النبيّ صلي الله عليه و آله بهذه الکلمات في مواطن کثيرة ومناسبات مختلفة؟

لا شکّ أنّ النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله کان يري بنور الوحي أنّ الفرقة ستقع بين المسلمين في المستقبل القريب، وسيتّبع کلّ رجل جماعة خاصّة ستقف بوجه عليّ عليه السلام، بل وسيسلّون السيوف بوجهه، ويظهرون أنفسهم من خلال الإعلام أنّهم يمثّلون الحقّ، وأنّ عليّاً علي باطل، فأراد النبيّ صلي الله عليه و آله أن يحذّر المسلمين من مغبّة هذه الأحداث، فأطلق عبارات مختلفة، منها: «عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ»؛ وذلک لئلا يقف أصحابه وبقيّة المسلمين في مواجهة عليّ - أي الحقّ - ولتکون الحجّة قد تمّت عليهم بذلک، ولئلّا يسيروا في طريق الضلال بعد هذا البيان، وهم يظنّون أنّهم يسلکون سبيل الحقّ، ولئلا يظنّوا فيما بعد أنّ الحرب ضدّ عليّ عليه السلام جهاد في سبيل اللَّه، وليعلموا أنّ عليّاً أحقّ النّاس بالخلافة وليست الخلافة إلّا له، وکلّ من يتّبع غير سبيل عليّ فقد ضلّ واتّبع الباطل، ولذلک فإنّ النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله، من أجل أن يقطع أعذارهم ويتمّ الحجّة عليهم، عبّر عن هذا الأمر بتعابير مختلفة:

1- ففي البحار عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: «يا عليّ، إنّ الحقّ معک، والحقّ علي لسانک وفي قلبک وبين عينيک».[1] .

2- وفي (المناقب) لابن شهرآشوب عن (مسند أبي يعلي): عن أبي سعيد الخدري، قال: مرّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «الحقّ مع ذا، والحقّ مع ذا».[2] .

وسئل أبو ذرّ عن اختلاف النّاس عنه، فقال: عليک بکتاب اللَّه والشيخ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «عليّ مع الحقّ، والحقّ معه، وعلي لسانه، والحقّ يدور حيثما دار عليّ».[3] .

إنّ أحقّيّة عليّ عليه السلام تقوم علي أساس اتّباع سبيل اللَّه، فکلّ من زاغ عن سبيل عليّ عليه السلام فقد ضلّ وغوي.

3- قال الفخر الرازي في تفسيره: أمّا أنّ عليّ بن أبي طالب کان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدي في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدي، والدليل عليه قوله صلي الله عليه و آله: «اللّهمّ أدرِ الحقّ مع عليّ حيث دار».[4] .

4- و روي في الاحقاق عن (الأربعين) لأبي محمّد بن أبي الفوارس: بسنده عن سهل الساعدي، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إنّ اللَّه يبغض من عباده الملتوون عن الحقّ، فلا تلووا عن الحقّ وأهل الحقّ، والحقّ مع عليّ، وعليّ مع الحقّ، فمن استبدل به هلک، وفاتته الدنيا والآخرة».[5] .

5- و رواه ايضاً عن (بحر المناقب): بسنده عن الحسين بن سعيد بن الساعدي، أنّه قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إنّ اللَّه يبغض من عباده المايلين عن الحقّ، فالحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ، فمن استبدل بعليّ غيره هلک، وفاتته الدنيا والآخرة».[6] .

6- وفي (فرائد السمطين): عن حذيفة، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «عليّ طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي».[7] .

ولذا قال ابن شهرآشوب في (المناقب): واستدلّ المعتزلة بهذا الخبر في تفضيل عليّ عليه السلام، وقالت الإماميّة: ظاهر الخبر يقتضي عصمته ووجوب الاقتداء به؛ لأنّه صلي الله عليه و آله لا يجوز أن يخبر علي الإطلاق بأنّ الحقّ معه والقبيح جائز وقوعه منه؛ لأنّه إذا وقع کان الخبر کذباً، وذلک لا يجوز عليه.[8] .







  1. البحار 34:38.
  2. المناقب لابن شهرآشوب 61:3، والبحار 28:38.
  3. المصدر المتقدّم.
  4. التفسير الکبير 205:1.
  5. الإحقاق 630:5.
  6. المصدر السابق، ورواه أيضاً في البحار 36:38.
  7. فرائد السمطين 178:1، ح142.
  8. المناقب لابن شهرآشوب 63:3.